رأي قلمي
كذّاب مُحتال...!
إنّ مصداقية الإنسان الذي يتحدّث في المجالس عبارة عن سلسلة حلقات من عدد غير قليل من الدوائر الجميلة المغرية بشكلها وبريقها، وتلك الحلقات تختلف في غلظتها وسماكتها، وكل حلقة تمثل صفة أو جزءاً من شخصية المتحدث.
تعلمون جيداً أن قدرة الناس على مناقشة الأفكار والمفاهيم وتبيّن مدى الصدق والكذب في الأخبار المنقولة منهم ومدى الصواب في الآراء محدودة، وكلما تدنّت مراتبهم المعرفية والثقافية زاد جهلهم وعجزهم عن القيام بذلك، قليل من المتحدثين مَنْ يتفحص الصورة الذهنية المنطبعة لدى مَنْ يجالسه ويستمع إليه، لأن تلك الصورة هي المرجعية لدى المستمعين في التعامل مع كلام المتحدث، ومع ما هو صدق أو كذب أو غامض أو يثير الجدل.
المصداقية العالية والانطباعات الجميلة ليست وصفة نحصل عليها ثم نرتاح، إنها حالة لابد أن نعيشها حينما نتحدث أو نستمع أو ننقل ما سمعناه أو شاهدناه، وحتى نتمكن من الانتقال من الحيز السلبي الذي انطبع وأصبح مرجعية في أذهان الناس إلى الحيز الإيجابي، الذي يمنحنا ثقة الناس والصدق بما نقول ونفعل.
عندما يطرح الإنسان موضوعاً لا بد أن يراعي الظروف المحيطة به، لأنه مهما ملك من معلومات حول الموضوع الذي يتحدث فيه، ومهما ملك من البراعة في الأداء واستخدام مفردات اللغة... فإن كل ذلك لا يجدي شيئاً إذا لم يعتقد الناس أن المتحدث صادق موثوق عارف بما يقول منزّه عن التحريف والتهويل والأهواء الشخصية.
مَن منّا لم يصادف في حياته هذه النوعية من الناس، التي تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر، ولا يحاول تعزيز مصداقيته أمام مَنْ حوله، ولا يمتلك الشجاعة الأدبية التي تساعده على الاعتراف بخطأ وقع فيه ولم تكن ردة فعله كما قالها وأخبر بها، رغم أن مَنْ يعترف بخطئه يترك انطباعاً متألقاً لدى الناس بأنهم يحصلون على توجيهات وإرشادات من مصدر دقيق وموثوق.
مَن اختار أن يكون الكذب دستوراً في حياته، فهو الشخص الغبي الذي يعتقد أن الناس ينطلي عليهم كذبه وتدليسه، ولن ينال من الدنيا والآخرة إلا أنه كُتِب عند الله ثم الناس كذّاباً، وسيعيش ذلك الغبي ويموت وهو كذّاب مُحتال على نفسه قبل الناس.
@mona_alwohaib