مازلت أتذكر كلام مدرس الجغرافيا الفلسطيني عن الحروب العالمية التي سوف تشتعل في مختلف دول العالم بشكل عام، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص بسبب المياه، أي انها حروب العطش.
نعم، قالها المدرس لنا في الفصل قبل اكثر من نصف قرن من الزمن، وقتها لم أكن استوعب بُعد نظرته الثاقبة كوني كنت مراهقاً ومعلوماتي محدودة واهتماماتي بعيدة كل البعد عن مثل تلك القضايا.
ولكن في الكويت كانت مشكلة المياه حاضرة من قبل النفط، بل انها مثلت تحدياً كبيراً أمام الشعب الكويتي الذي كان يجلب أو يشتري المياه من جنوب العراق، إلى ان تم إحضار أول منظومة لتحلية مياه الخليج العربي في الكويت بأوائل الخمسينات من القرن الماضي.
وعلى الرغم من ان الكويت تحتفل في اليوم العالمي للمياه إلا ان ندرة المياه مازال الاهتمام بها دون مستوى الطموح، اما الأمطار ومياه الآبار فهي قليلة مقارنة بحجم الطلب على المياه.
نعم، تستخدم دولة الكويت التكنولوجيا لتوفير الماء للمواطنين الذين يتزايد عددهم بشكل كبير، حيث أصبح عدد الكويتيين مليون ونصف المليون نسمة، ناهيك عن ضيوف الكويت من مختلف الجنسيات.
وقد سبق وان قرأت تصريحاً لنائب المدير العام للأبحاث في معهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور نادر العوضي، حيث ذكر «ان الاعتماد على مياه الصرف الصحي المعالجة بطريقة التناضح العكسي للاعمال المنزلية والكمالية من شأنه توفير استهلاك المياه العذبة بنسبة كبيرة»، مشيرا الى «ان الدراسات والتجارب العملية التي أجريت في المعهد حول هذه التقنية في معالجة المياه اثبتت صلاحيتها للاستخدام المدني، وهناك تقنية التطاير الفجائي متعدد المراحل وتقنيات التحلية المترابطة أو الهجينة، والكويت من أولى دول العالم التي تُعاني من ندرة الموارد الطبيعية في الوقت الذي نقوم بصرف المياه العذبة في أمور يُمكن استخدام المياه المعالجة، بدلاً منها مثل ري الحدائق وغسل السيارات والارصفة الخارجية، علما بأن حملات التوعية لم تنجح في الاقتصاد المائي في الكويت. لذا، لا بد من إقرار بعض العقوبات القانونية المالية تجاه تبديد المياه العذبة».
وهناك نقطة مهمة وهي المفاعل النووي الإيراني وتبعات ذلك، اذ انه يُشكّل خطراً بيئياً في حال وقوع تسرّب أو في حال انه تعرّض للاعتداء العسكري، ففي حالة تلوث مياه الخليج العربي تكون عملية تحلية المياه في الكويت وفي دول مجلس التعاون الخليجي كارثية باستثناء سلطنة عمان التي لديها موارد مائية كافية.
وتبرز لنا بعض الأسئلة المهمة، أهمها ما الحلول المستقبلية لندرة المياه في الكويت؟ وهل هناك رؤية إستراتيجية لمشاريع مشتركة مع ايران والعراق من أجل توفير المياه للكويت بمقابل توفير الطاقة الكهربائية أو تسهيلات بحرية أخرى أو عبر استثمارات في مشاريع تنمية في البلدين؟
واستغرب من ندرة المؤتمرات حول تلك القضية المهمة في الكويت، بينما نقوم بمؤتمرات في قضايا اقل أهمية لنا؟!
وهناك دراسات تشير إلى توقعات بانخفاض نصيب الفرد من المياه في المنطقة العربية عام 2025م، إلى 667 متراً مكعباً وهو أمر لا يبشّر بالخير على المدى البعيد.
وجاء تقرير منظمة الصحة العالمية الذي تابعته في فقرة الحصاد في قناة الجزيرة، قبل فترة، مفاده أن ملياري شخص على الأقل في العالم يشربون مياه ملوثة، وأن هناك الكثير من بقع العالم تُعاني من التوتر بسبب المياه مثل باكستان والهند، اذ انهما تتنازعان على مياه نهر السند، وفي عام 2019م، أوقفت الهند روافد النهر عن جارتها.
والأمر نفسه حول نهري دجلة والفرات، اذ فجّرا أزمات بين تركيا والعراق وسورية في شأن تقاسم حصص المياه وانه لأمر مؤسف ان يحرم الشعب العراقي من مياه عذبة رغم توافر الأنهار بها!.
ولا ننسى الكيان الصهيوني الذي سرق مياه نهر الأردن باستخدام الابار الجوفية في منطقتي وادي عربة والغمر، مما جعل المملكة الأردنية تتساوى مع الكويت في مواجهة تحدي نقص المياه، علماً بأن مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا تُشكّل أحد جوانب الصراع العربي - الإسرائيلي.
وفي السنوات السابقة القليلة تفجّرت مشكلة جمهوريتي مصر والسودان مع اثيوبيا، اذ تعتبران سد النهضة إضراراً بحصتيهما من مياه نهر النيل، ويُشكّل ذلك تحدياً كبيراً أمام الحياة وأثر ذلك على الزراعة وشرب المياه العذبة.
وفي الختام، أتمنى من الحكومة الكويتية ومعها أعضاء مجلس الأمة، الاهتمام بالقضايا التي تهم رجل الشارع الكويتي مثل ندرة المياه في الكويت، وألا يكون الاهتمام مثل الاهتمام بالطرق، مع ضرورة الشفافية حول تلك القضية الرئيسية، مع تمنياتي لهم بالتوفيق.
همسة،
هل لدينا في الكويت رؤية إستراتيجية أمنية مشتركة مع دول مجلس التعاون الخليجي حول حروب المياه في المنطقة؟