«حزب الله» يُغْري خصومه: اغتنموا الفرصة الآن... وإلّا
معارضون لبنانيون يُصوّبون على فرنسا: وسيط رئاسي غير مُحايِد
مع انتهاء استراحة عيد الفطر، تعاود العجلة السياسية في بيروت دورانها حول مأزق الانتخابات الرئاسية التي انطبعت في اليومين الأخيريْن بما يُشبه عملية تثبيتٍ لـ «ربْط النزاع» المتبادَل على ضفتي الثنائي «حزب الله» - الرئيس نبيه بري وأطراف وازنة في المعارضة بما عَكَسَ أن هذا الاستحقاق مازال في مرحلة «عض الأصابع» المرشّحة لأن تشتدّ على وقع اتساعِ موجة «التصدي» للدور الفرنسي في هذه الأزمة المتعددة البُعد من قوى لبنانية لم تعُد تضع «قفازاتٍ» وهي تَحْمِل على باريس بوصْفها «وسيطاً غير مُحايِد» في سياق محاولتها استنباط مَخْرج تحت عنوان «الواقعية».
وبعدما كان نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم طَرَحَ ضمناً معادلة إما المرشح الذي يدعمه مع الرئيس بري أي زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية وإما الفراغ في مؤشر إلى أن الحزب ليس جاهزاً بعد أو «ليس بوارد» لا اليوم ولا في أي يوم، الانتقال إلى خطة باء «رئاسياً، لم يكن عابراً» ردّ التحدي «من رئيس حزب» القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي اعتبر أن الفراغ مرحلياً أفضل من وصول رئيس من«الممانعة» سـ«يمدد الأزمة اللبنانية 6 سنوات ومعها الإقامة في جهنم»، وهو ما شكّل تقاطعاً أكد المؤكد لجهة مدة استحكام التوازن السلبي بالملف الرئاسي.
وفي إطلالته التلفزيونية عبر قناة «الجديد»، بدا جعجع وكأنه «كاسحة ألغام» للقوى داخل المعارضة التي تعترض على الدور الذي تلعبه فرنسا (هي عضو في مجموعة الخمسة حول لبنان مع الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر) كقاطرة لفرنجيه الذي تعمل على تسويقه من ضمن مقايضة مع نواف سلام لرئاسة الحكومة، على قاعدة أن هناك استحالة لوصول رئيس لا يقبل به «حزب الله» وأن زعيم «المردة» هو المرشح الأكثر جدية، في مقابل اعتبار خصوم الحزب في لبنان أن هذه المقاربة «استسلامية» مُحاوِلَةً تكريس استحالة مضادّة لانتخاب رئيس لا ترضى عنه المعارضة.
ولم يتطلّب الأمر كثير عناءٍ لاستخلاص أن اتهامَ جعجع لفرنسا بأنها في خوضها معركة إيصال فرنجيه عقدت «صفقةً» مع «حزب الله»، ترتكز على مصالح اقتصادية «من مرفأ بيروت إلى مرفأ طرابلس وسواها»، يعبّر عن أن باريس لم تتراجع بعد عن خيار زعيم «المردة» رغم كلام الخارجية الفرنسية عن أن «لا مرشّح مفضّلاً لدينا للرئاسة في لبنان وعلى اللبنانيين اختيار قادتهم»، علماً أن رئيس «القوات» كان تلقى قبل ساعات من إطلالته اتصالاً من فريق الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يتولى متابعة الملف اللبناني والرئاسي تحديداً.
ولم يتوانَ جعجع في معرض تأكيد معاندته المسار الذي تسلكه باريس عن تأكيد «أنا زعلان على فرنسا التي هي ام الديموقراطية وحقوق الإنسان، ومع ذلك تذهب لدعم مرشح حزب الله بما لا يتلاءم وتاريخ فرنسا في لبنان»، وصولاً لإعلانه «إذا كانت فرنسا تريد مرشحاً معيناً للرئاسة، فليترشّح هذا الشخص للانتخابات الرئاسية الفرنسية حين تنتهي ولاية الرئيس ماكرون»، مكرراً ما كان أعلنه قبل فترة من أن «على بعبدا ما بيفوتوا»، في إشارة إلى فريق الممانعة.
وأوحى رئيس «القوات» بأن المعارضة ربما تحتفظ بـ«مفاجأة رئاسية»، متحدثاً عن أنه «ما دام مرشح حزب الله الأقرب إلى الرئاسة، لماذا لا يدعو الرئيس بري إلى جلسة لانتخاب رئيس جديد؟»، مؤكداً في الوقت نفسه «تعطيل النصاب اذا كان سيأتي رئيس من الطرف الآخر، إذ كانت لدينا مهلة دستورية لكنهم تلاعبوا بالدستور والقانون لذا سنخوضها تبعاً لما فعلوه بالدستور. فالآدمية شيء والغشم شيء، ومش إذا في مقابيلنا حدا جئم ومرتّ منمشي متل ما بدو. وفي حال دعا الرئيس بري إلى جلسة انتخاب رئيس سنحضر إلا إذا كان مرشح الممانعة قادرا على الفوز. صحيح أن لا أكثرية لدينا لفرض رئيس ولكن هذا لا يعني أنه يجب التمديد لحكم الإعدام المفروض على البلد».
ونفى أي تدخل للسعودية مع «القوات» في الملف الرئاسي «فنحن أصدقاء ولا هي تتدخل ولا نحن سنغيّر موقفنا»، موضحاً أن «المملكة ترفض الدخول بالأسماء فموقف الرياض واضح لجهة انتخاب اللبنانيين رئيسهم وإذا أوحى لهم بالثقة فعندها لنا منهم كل المساعدة أما إذا أتى رئيس من محور الممانعة فلا ننتظر منهم شيئا».
وعن مدى دقة الكلام عن «فيتو» قواتي على الوزير السابق جهاد أزعور، نفى جعجع الكلام «باعتبار أن القوات تضع فيتو فقط على أي مرشح من حلف الممانعة». وتابع:«القضية تتعلق بمدى قدرة الشخص المطروح على المواجهة والصمود وإدارة الأمور وإخراج لبنان من وضعه الحالي، فهذا المقياس الأساسي بالنسبة لنا».
وفي موازاة ذلك، وإذ يجري رصْد حركةٍ متجددة سيقوم بها السفير السعودي في بيروت وليد بخاري في الأيام القليلة المقبلة، وسط ترقُّب لِما إذا كانت مجموعة الخمس حول لبنان ستعقد اجتماعاً ثانياً لها قبل القمة العربية في الرياض، وعلى أي مستوى سيكون وأين، تتجه الأنظار للمواقف التي سيُدْلي بها فرنجية في إطلالة تلفزيونية مساء غد وسط انطباعٍ يسوّق له خصومه بأن إغراق «حزب الله» له بالدعم وبـ«معادلات الفرض» الرئاسية بات يضع معركته بين احتماليْ إما الوصول بقوةٍ قاهرة لم تتبلور ملامحها بعد وستعني بأيّ حال عهداً جديداً يدير الأزمة القديمة ويعمّقها نظراً لما سيُشكله وصوله من عنصر إضافي كاسر للتوازنات المحلية بامتداداتها الإقليمية، وإما أن يتكرّس تحوُّل التصاق الحزب بترشيحه «معادلة رادعة» لانتخابِه فيكون تالياً «رأس جبل» تسويةٍ... على اسمه.
وقد مضى«حزب الله»، أمس، في إحاطة ترشيح فرنجية بعوامل «ضغط نفسي وسياسي»، حيث أعلن رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين أنه «إذا لم يسارع بعض اللبنانيين إلى ما يُعرض عليهم الآن، فسيأتي الوقت الآتي وهم غير قادرين على أن يحصلوا حتى على العرض الذي يُعرض عليهم اليوم، وبالتالي على هؤلاء أن يستعجلوا اغتنام هذه الفرصة، والتأخير ليس لمصلحتهم على الإطلاق، لأنهم فاقدو أوراق القوة التي يدّعون ويتخيلون أنهم يملكونها، ولكن في الحقيقة هم لا يملكونها».