السيارة الأولى إلى البلاد كانت هدية من الشيخ جاسم بن محمد بن علي آل إبراهيم إلى الشيخ مبارك الصباح

قصة «الفيل» التي وطئت الكويت

تصغير
تكبير
مهرجان للسيارات هنا وهناك، وآخرون يشترون أحدث الموديلات، حتى غدت السيارة الفخمة والأنيقة من مستلزمات حياة نسبة كبيرة جداً من الكويتيين، إن لم تكن الغالبية. لكن متى دخلت السيارات الأولى إلى الكويت؟ وكيف كانت السيارات معدودة جداً في العقدين الثاني والثالث من القرن الماضي، وكيف أن كان يأخذ السائقون رخص القيادة؟

سؤالان يحيلان الباحث عن أجوبة لهما إلى المراجع التاريخية والأرشيف. هذا الأرشيف الموثق في كثير من الأحيان بالصور والأسماء، ليشبع فضول الباحثين عن معرفة السيارات الأولى التي دخلت الكويت ومن هم مالكوها.

ولهذا الصدد أعد خالد عبد اللطيف إبراهيم دراسة في هذا الصدد.

ان اول سيارة دخلت الجزيرة العربية عن طريق الكويت هي هدية الشيخ جاسم بن محمد بن علي آل ابراهيم.

وكانت تلك السيارة من نوع (مانيرفا) وصلت إلى ارض الكويت عام 1912، هدية إلى المغفور له الشيخ مبارك الصباح طيب الله ثراه حاكم الكويت واستعملت لعام واحد لعدم وجود طرق صالحة في ذلك الوقت، ولكن لم يمنع الشيخ مبارك من استعمالها من قصره إلى سوق التجار ومقهى بوناشي، وكانت رؤيتها مبعث الغرابة والدهشة لدى اهل الكويت آنذاك فاطلق عليها لقب «الفيل» لضخامتها وكبر حجمها، وظلت مثار جدل لدى عامة الناس الذين كانوا يهربون عند مرورها ويستعيذون بالله من رؤيتها مسرعة تثير الغبار تسبقها اصوات ابواقها، والتي كانت اقوى من صوت «الرندي» الذي كان يتقدم موكب الشيخ مبارك مرددا «بالك... بالك».

كانت تلك السيارة نقلة كبيرة من استعمال الدواب للسفر والتنقل إلى دخول عصر الآليات، ولا ننسى بان الفترة التي ظهرت فيها السيارة تجاريا لم تتجاوز الخمسة عشر عاما، وهذا يعني ان الكويت كانت في مقدمة الدول التي اقتنت السيارة، وقد ارسل الشيخ جابر آل ابراهيم سائقا هنديا خصيصا لقيادتها والاعتناء بها لحين تدريب شاب كويتي اسمه علي حسين بوخنفر، والذي سافر إلى بومباي لاجل ذلك، فكان اول سائق كويتي او ربما اول سائق من ابناء الخليج والجزيرة، واصبحت وظيفته مثار الغيرة لما تبوأه من مكانة في نظر العامة.

ومن النوادر ان احد الكويتيين اسمه مبارك بن عبدالله الملقب بـ«ابو كروه» اعطى السائق علي حسين ابو خنفر ليرة ذهب على ان يسمح له بركوب السيارة ويطوف في قيصرية التجار، ولما اقبلت السيارة تسبقها اصوات ابواقها هب الناس من دكاكينهم وقوفا احتراما كعادتهم عند مرور موكب المغفور له الشيخ مبارك طيب الله ثراه، معتقدين انه موكب الشيخ ولما رأوا ابو كروه جالسا مكان الشيخ استغرقوا بالضحك، فكانت نادرة ضحكت لها الكويت برهة من الزمن، وعندما بلغ الخبر مسامع الشيخ مبارك استدعى السائق وأبو كروه وأمر بجلدهما، (كتاب من هنا بدأت الكويت، عبدالله خالد الحاتم).

وفي مقابلة صحافية للشيخ عبدالله الجابر ظهرت في 9/11/1984، في جريدة «السياسية»، والمعروف عن الشيخ عبدالله انه من المعمرين بالكويت، وعاصر تلك الحقبة ويناهز عمره مئة عام حينها سئل عن اول سيارة دخلت الكويت من كان صاحبها؟ اجاب: «اول سيارة دخلت الكويت كانت هدية من الشيخ جاسم بن ابراهيم إلى الشيخ مبارك الصباح واتذكر ان هذا كان سنة 1333 هجرية وسموها الفيل، والفيل معروف في الهند، وهذه السيارة كانت اول سيارة»، وعن من تملك من الاهالي بعدها سيارات خاصة بهم؟ أجاب: «بالأخير (اللي) اشتروا السيارة منهم حمد الصقر وحمد الخالد من أهل قبلة وشملان وحسين بن علي وهلال المطيري (يعني) كلهم (شروا) بالاخير سمعت ان بعض الاهالي لم يكن يستعمل سيارته لأن الطريق في الكويت كانت وعرة؟! أجاب: «لا في ايامهم يقضون احتياجاتهم فيها وانا بالاخير (هم) حاربت على (كثرها) وكان اكثرها من ماركتي (فورد وشفر) لكن (الفورد) هي المطلوبة».

يقول عبد الله خالد الحاتم في كتابه من هنا بدأت الكويت (ص 140): «ان اول سيارة عرفتها الكويت من نوع (مناورا) والحقيقة انه لا يوجد موديل بهذا الاسم، والمعني هنا هي سيارة من صنع بلجيكي كانت مشهورة من العام 1899 الى العام 1935 واسمها (مانيرفا) (MANERVA) مصانعها كانت في انتويرب، وقد اقتناها ملوك اوروبا في بداية القرن الماضي ومنهم ملك بلجيكا وملك السويد وملك النروج».

والسيارة التي جُلبت الى الكويت هي موديل 1912، اربعة سلندرات بقوة 16 حصانا، وسعة 2.243 لتر وفيها مصابيح كهربائية.

فإلى جانب السيارة قدم الشيخ جاسم الابراهيم الى الشيخ مبارك الصباح هدايا ثمينة تعتبر اسطورية في ذلك الوقت منها عصا السلطان عبد الحميد وعلبة سجائره الذهبية المرصعة بالماس، وكان قد اشتراها من احد المزادات العالمية في باريس اثناء احدى زياراته لها في بداية القرن الحالي، وكانت مقتنيات السلطان تلك معروضة للبيع بعد اقصائه وتدهور وضعه المالي عام 1906.

واستخدم السيارة بعد الشيخ مبارك (طيب الله ثراه) ابنه الشيخ سالم المبارك، إذ لم يستخدمها الشيخ جابر المبارك بعد وفاة والده الشيخ مبارك وتسلمه الحكم لمدة سنتين من 1915 الى 1917، وتولى الحكم الشيخ سالم المبارك من عام 1917 الى عام 1921.

كما ان هذه السيارة ظلت في منزل الشيخ مبارك حتى الخمسينات، ثم نقلت الى الكلية الصناعية مع مجموعة سيارات قديمة لتدريب الطلبة عليها عندما افتتحت عام 1953، ولا يُعرف مصيرها بعد ذلك.

وبعد سيارة الشيخ مبارك في الكويت كانت سيارة للامير سعود بن عبد العزيز المتعب الرشيد، حاكم مدينة حائل وتوابعها، إذ قدمت الدولة العثمانية عام 1914 جملة هدايا للامير سعود على رأسها سيارة مرسيدس طراز 1914 مكشوفة ولونها اسود، ولها اربعة ابواب ونُقلت من اسطنبول الى دمشق بالقطار، وبالتالي عن طريق سكة جديد الحجاز حتى اقرب محطة الى مدينة حائل، وكان يقودها سائق تركي اسمه علي أفندي، وقد اضطر الامير سعود الى ايقاف السيارة لصعوبة الحصول على البترول في ايام الحرب العظمى، وظلت السيارة داخل الكراج مدة طويلة حتى سقوط مدينة حائل بيد الملك عبد العزيز آل سعود عام 1921، وقد تم تكسيرها وتقطيعها.

وفي رواية اخرى يقول المؤرخ سيف مرزوق الشملان ان هناك سيارة اخرى وصلت الى دولة الكويت ومن النوع نفسه، وذلك عام 1911، إذ اشترى الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت آنذاك سيارة مستعملة من الهند وكانت من نوع مينيرفا، وقد ارسلت من الهند للكويت بالباخرة ومعها سائق هندي يقال له علي بيلا، وكانت هذه السيارة صغيرة من النوع ذات الاربعة ابواب، وكانت مكشوفة السقف، ويستطرد الراوي قائلا انه في عام 1912 ارسل الشيخ مبارك السيارة الى بومباي لإصلاحها.

وقد قام وكيل الشيخ مبارك ببيع السيارة في الهند لعدم صلاحيتها ولصعوبة اصلاحها.

أما السيارة المعروفة في مهرجان السيارات الكلاسيكية الاول (كويت كونكورزدي إليجانس) الذي أقيم في تاريخ 20/1/2010 والتي ذكرت انها اول سيارة دخلت الكويت (صغيرة جدا موديل 1905) لا تنطبق على أوصاف السيارة التي ذكرت وتم تصويرها وأُطلق عليها آبيات الشعر، والتي سارت في ازقة الكويت القديمة وشوهدت وأُطلق عليها الفيل لكبر حجمها.

في الاعوام التي اعقبت وصول سيارة الى الكويت اصبح الحصول على وقود السيارات (البترول) امرا ميسورا، إذ كان البترول في البداية يجلب من الهند بصفائح معدنية «تنك» وبعد ذلك كان يتم استيراده من مصافي الشركة الانكليزية - الفارسية، وبعد عقدين من الزمن اخذ بعض التجار يتطلعون الى اقتناء السيارات الخاصة، فكان الحاج حمد الخالد عميد بيت آل خالد، اول من امتلك سيارة خاصة، بشهادة سائقها السيد محمد السيد عمر، وهي من نوع فورد طراز 27، ثم تبعه الحاج شملان بن علي بن سيف والحاج هلال المطيري سيارة من نوع «ويلز أوفرلاند».



من هو جاسم محمد الابراهيم؟



ولد جاسم محمد الابراهيم في الكويت عام 1866، وتلقى مما توافر من تعليم في ذلك الوقت، ثم اتجه الى مدينة بومباي في الهند وأقام فيها بقصد التجارة هناك، ذاع صيتة كأبرز تاجر عربي في تجارة اللؤلؤ، ولقب بملك اللؤلؤ.

ويشار الى ان جاسم وضع عام 1913 تحت تصرف العلامة الاسلامي المولود في القلمون قرب مدينة طرابلس بلبنان الشيخ رشيد رضا سيارة كهربائية المحرك عندما زار رشيد مدينة بومباي في الهند.

ومما يُروى عنه ان وجهاء الكويت بعثوا اليه للتبرع لإنشاء مدرسة المباركية، وهي اول مدرسة نظامية في الكويت افتتحت في 22 ديسمبر 1911، فأرسل 30 ألف روبية، كما ارسل ابن عمه عبد الرحمن الابراهيم 20 ألف روبية، اي ما نسبته 80 في المئة من مجموع ما تبرع به اهل الكويت لإنشاء المدرسة، وتحدثت بعض المراجع التاريخية عن كرم اخلاقه وجوده وإحسانه.

ومن اعماله دعم المجهود الحربي للدولة العثمانية وتعليم ابناء الجالية العربية في بومباي والمساهمة في بناء اول مسجد في لندن وإعادة بناء مسجد الصحابي الزبير بن العوام في العراق.

ومن اعمال جاسم الابراهيم ايضا مساهمته المالية الكبيرة لبناء سكة حديد الحجاز، وقد نال على اثرها وسام المجيدي من الدرجة الاولى من الدولة العثمانية، وتوفي رحمه الله عن عمر يناهز 78 عاما وليست له ذرية.

 

السيارة الأولى في الأشعار



ومن الاشعار والاهازيج ما قاله زين العابدين بن باقر، معبرا عن دهشة اهل الكويت في ذلك «المخلوق» العجيب اذا انشد قائلا:



ارى الارضين ترجف بارتعاد

واسمع صوت حذف يد الجياد

وصم مسامعي زعقات جرد

اذا صهلت ومالت للطراد

قيالله من شكل غريب

ومركوب (المبارك) في الوداد

يحركه بخار فيه يقوي

وطيس الناس فيه على اتقاد

فيطوي الارض في سير خفيف

فيذهل منه عقل ذوي الرشاد

يود الطائر العلوي يوما

يماثله بسير في الوهاد

اذا جد المسير له انتقاض

على الغبراء من غير اقتعاد



المراجع



1) من هنا بدأت الكويت، عبد الله الحاتم.

2) نادي ملاك السيارات الرولزرويس والبنتلي، بريطانيا.

3) مقالات للأستاذ سيف الشملان.

4) مقابلات لبعض الأعيان والمهتمين بالتاريخ.

5) تاريخ السيارات في الكويت (باسم اللوغاني).





الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي