تواصل / تشابكات الصحبة!

تصغير
تكبير
| فاضل مصطفى الزباد |

حين تشتبك علاقات الصحبة تنساق رغباتنا نحو تبني تفاعلاتها، مدخرين حميمية التزامل، آخذين زمام المقدمات التي تدخلنا ضمن أنسجة السرائر، تتراوح ما بين التأقلم والإخلاص، فترانا نتجاوز عن الأخطاء ونتنازل عن الكثير من أدوارنا لصالح التآلف والمؤانسة حتى أننا نصل إلى حد ذوبان المشاعر بخلجات قلبية مشتركة، كلُّ له طباعه وخُلُقه وعاداته وسماته الشخصية، ولشدة ملاصقاتنا، فإننا نستطيع أن نكتشف بسهولة سلبيات الآخرين حتى أننا نتنبأ بما قد يخفيه فنعرف الانبساطي والانطوائي والمنتهز والمراوغ والمتردد والسمج والمريح فنتعامل معهم حسب مداخلاتنا المباشرة وغير المباشرة معهم وجهاً لوجه أو باستخدام وساطات تقاربية، وأهم ما يثير فينا غريزة عدم الراحة هو ذلك المتذبذب الذي يلبس لباس الحق ويبطن الباطل المفتقد لوعي السلوك والمنطلق من دوافع جامحة وأفكار هائمة، ليست لها أوتاد تحدد ثوابتها، فهو يستحق المجابهة إلى درجة يكون ردعه أمراً فصلاً لأنه يقع ضمن محذوفة التوتر واستغلال العلاقات لصالح ما يضمر من ضياع نفسي، ربما يود إثبات وجوده بتجاوزات تنتهز لطافة النفوس المحيطة به والتي قد تنطلي عليها مسالكه، ينظر إلى الآخرين كتهديد وإلى أمانيه كتجاوز وإلى طموحاته كاحتيال لأن سعيه يستند إلى زيف واختلاق وانشقاق عن المبادئ.

ذلك المتجاوز قد يسبب امتهانات لا تليق تتضرر معها أطراف الصحبة، وهو يدري ويعلم أن ذلك يمثل عداء يوجهه إلى شخص معين أو أشخاص معينين، فتراه دائماً يخلط الجد بالهزل وإحالة الكلام بلا محدودية وكأنه يتهرب من توجيه أي استهجان له حتى ضحكاته صفراء وغير رزينة يحسب نفسه متكامل الخلق والصفات، وينسى احتقانات نفسه التي تفور بالعواطف المرمية على عتبات التملق والتزلف مستنداً في أحيان ظنية إلى تقاربات منضوية تحت بطائن أحد زملائه من الذين يدارون عيوبه ويسددون انعطافاته، ويعلمون أنه يدعي المثالية وحسنى الأفكار غير أنه تلتبس فيه المشاعر والانزلاقات المنحرفة والانفعالات التي يضيق بها صدره فترى لسانه لا ينطلق إلا بالتندرات سواء على شخصيته أو على شخصية غيره، فهو لا يرى مردّاً إلا باغتراف قشور الكلام وتسييل السماجة، يبدأ بادعاء التداخل الفهمي وينتهي بتنامي ضغوطه المعقدة، وهو لأسباب كثيرة يوصم غالباً بالعاطفي الشارد والمتأرجح وذلك لهلاميته التي تعودت على الاندساس وعشوائية الرأي لأن عقلانيته لا تتلاءم مع انحسار موثوقيته بذاته، فتراه مرة يرفض ومرة يوافق، هدفه غير واضح فلا يملك سمات شخصية صادقة لعله مثقل بهموم تفككه الاجتماعي أو العائلي فلا وعد يتخذه صَعَداً ولا التزام يتصدره سدداً.

تلك ما تشتبك الصحبة معها، نماذج من التفردات المقيتة، التي تصلح أن تسمى غرماء لا أصدقاء، وأنداداً لا أوفياء ولا نظراء.



* شاعر وكاتب

omFadel_al_subae@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي