يتلقى المجتمع الكويتي موضوع الذكاء الاصطناعي، وتحديداً «تشات جي بي تي» بكثير من الحماسة، وينقسم الناس ما بين قوم يحبون العلم وكل ما يصدره الغرب ويتفاءلون بقدرته على إنتاج المعرفة وتصميم الهياكل وكتابة الدراسات والمقالات، وفريق آخر متشائم من قدرة الذكاء الاصطناعي في أن يُجلس الكثير من التخصصات في بيوتهم دون عمل، وبين مثقفين يعتقدون - حتمية - أن يسيطر الذكاء الاصطناعي على البشرية ويعمل على تدميرها، ومن بين هؤلاء المثقفين أدباء ومفكرون يدللون على ما قاله العالم ستيفن هوكينغ، والذي ظل طَوال سنوات طِوال يحذّر من الذكاء الاصطناعي ويراه نهاية الإنسان...ولكن في الوقت ذاته لا يوجد مهرب منه لأنه رأس الطليعة التكنولوجية والتقنية في صراع القوى العظمى على ريادة العالم.
في الواقع بالنسبة لي على الأقل، أكثر ما أخافني هو أن استعانة الصحف بالروبوت لكتابة المقالات كما فعلت جريدة «إندبندت عربية» عبر كاتبها ذكي بن مدردش، أو عبر جريدة «الراي» بـ «كوت بن قرين»، وهو شخصية «ذكية» انضمت إلى كُتّاب «الراي» لعرض رأيها في مختلف القضايا والمواضيع باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي من دون أي تدخل تحريري في مضمون المقال، وأكثر ما يخيفني أيضاً أن تستعين الصحف الكويتية بكُتّاب صحافيين عبر «تشات جي بي تي» ليكتبوا لها المقالات، وهو ما يعني انتهاء فن المقال عبر الصحف... ولكنني عندما قرأت للسيد «كوت بن قرين» الكاتب ذو الملامح الحادة ووعي الذكاء الاصطناعي، والذي دخل زميلاً في الصفحة بمقال عن «الأزمة المرورية» وآخر عن الأزمة الإيرانية... حمدت الله على أن «تشات جي بي تي» مازال يحبو حتى الآن، وأمامه شوط طويل لكي يصل لمرحلة الابتكار والارتجال للارتقاء لفهم المشكلة أو تقديم الحلول.
عزيزي القارئ، يأخذني هذا النقاش إلى سؤال هل كان الكويتيون أكثر ذكاءً في ما مضى؟ أم أنهم أصبحوا يحتاجون لمن يدير لهم عمليات التفكير والتأمل والبحث وإيجاد الحلول وكتابة الدراسات وصناعة الإستراتيجيات، وربما بعد فسحة من الوقت يقوم بمهام إدارة التعليم والاقتصاد؟ لا تقوم أي نهضة ثقافية أو وطنية إلا من خلال «أهل مكة» والذين هم أدرى بشعابها، أصحاب الأرض ونباته، ومادته الأصيلة المحلية.
عموماً، يحذر الخبراء من المعلومات المغلوطة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، والروابط المزيفة التي ينشئها، كما فعل مثلا أستاذ اللغة الإنكليزية والفلسفة إريك فانونسيني، عندما أطلق سؤالاً يستند إلى فرضية خاطئة عن كيفية جمع بيض البقرة، وأتت إجابة «تشات جي بي تي» باقتراحه على الأستاذ وضع قفازات تجنباً لالتقاط أي بكتيريا، والعثور على عش بقرة يكون مصنوعاً من تبن أو قش!
فعندما يكتب الذكاء الاصطناعي دراسة أو مقالة وهو أمر يفعله بسهولة وخلال دقيقة، فإن كل شيء ينتج عنه يبدو معقولاً، لأنه مشتق من الأشياء التي قالها البشر.
لكنه لا يعرف دائماً الروابط بين الأشياء التي يضعها معاً كما يقول مؤلف كتاب «إعادة تشغيل الذكاء الاصطناعي». وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
moh1alatwan@