مشاهدات

يا شهر الصيام... تمهّل بالرحيل

تصغير
تكبير

يا غَافِلاً وَليالِي الصَّومِ قَد ذَهَبَتْ

زادَتْ خَطَايَاكَ قِفْ بِالبَابِ وَابْكِيهَا

وَاغْنَمْ بقيـةَ هذا الشَّهْرِ تَحْظَ بما

غرستَـهُ مِنْ ثِمَارِ الخيـرِ تَجْنِيها

هذا شهر الله المبارك قد عزم على الرّحيل، فمَن أحسن فيه فعليه أن يحفظ ما جناه، ويستمرّ في الطاعة ومحاسبة النّفس، ومَن أساء وأهمل وقصّر فليعد إلى ربّه معتذراً وخاتماً شهره بتوبة نصوح، وعملاً صالحاً، فإنّ خير الأعمال خواتيمها.

قال رسول الرحمة (محمد)،صلى الله عليه وآله: «فإن الشقي من حُرِم غفران الله في هذا الشهر العظيم».

استقبال شهر رمضان للمؤمن فرصة للانفتاح على الآفاق الإلهيّة الرّحبة، فإنّ وداعه قد يحمل بعضاً من الألم في ما يفتقده من أجواء، أو ما يخسره من أعمال.

(ما أجمل وما أروع وما أعظم أيامك ولياليك).

هل تعود أيامُك أو لا تعود؟

وهل إذا عادت أيامُك فسنكون من الأحياء وفي الوجود، ونتنافس مع أهلَ الركوع والسجود، أو سنكون قد انطبقت علينا اللُّحود؟

كم نحزن على رحيلك يا شهر رمضان، كان نَهارك صدقة وصياماً، وليلك قِراءَةً وقياماً، فعليك منا تَحيةً وسلاماً.

في هذه الليالي يجتمع محبّو شهر الله لوداعه بذرف الدموع ألماً لفراقه، فهو شهر الرحمة والبركة، وشهر العتق من النار والفوز بالجنّة، فيحمدون الله على أن بلّغهم شهر رمضان، ووفّقهم لحسن ختامه بالطّاعة وعدم التقصير في إحياء لياليه بالعبادة، ويوم العيد يومٌ يُثاب فيه المحسنون، ويعاقب فيه المسيئون.

غدا توفّى النفوس ما كسبت

ويحصد الزّارعون ما زرعوا

إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم

وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا

لقد أراد الله سبحانه لشهر رمضان أن يكون شهراً للتقوى، إذ لا يكفي إن صلّينا أو صمنا فحسب، بل علينا أن نكون إلى الله أقرب، نبتعد عن الذنوب مهما كان الذنب صغيراً، ونبقى بين الخوف من سخطه تعالى والرجاء لرحمته الواسعة، والحرص على أعمالنا إذ قد لا تكون مقبولة، فيدفعنا هذا الخوف إلى المحافظة على حدود الله سبحانه، ورجاء أن تشملنا رحمة الله التي وسعت كلّ شيء، نعمل على أن يوصلنا الصوم إلى امتلاك القدرة على الإمساك بزمام أنفسنا والسيطرة على أهوائنا وشهواتنا، فهذا يعني أنّ صومنا مقبول، فنحب ما يُحبّه الله ونكره ونبتعد عما يكرهه سبحانه.

(السلام هو الغاية)

يشهد العالم تغيرات وتباشير إيجابية اذ يلوح في الأفق بصيص أمل وتفاؤل إكمالاً لأعمال البر والوحدة والتكاتف بين المسلمين في شهر رمضان المبارك، أن يكون يوماً نتوجّه فيه إلى الاصلاح وزرع الأُلفة نستشعر مسؤوليتنا تجاه هذه الوحدة التي يدنسها أعداء الدين، واصحاب النفوس الحاقدة الذين يسعون إلى بث الفتن والضغينة من أجل التفرقة بين المسلمين.

نحمد الله كثيراً على تباشير الخير بدءاً من الوحدة الإسلامية، فقد اتفق المسلمون جميعاً بمختلف طوائفهم على ثبوت هلال شهر رمضان لهذا العام، أما البشارات الأخرى فان السلام بدأ يلوح في الأفق على أقطار الدول الاسلامية بدءاً من اليمن ووصولاً الى التوافق الإيراني- السعودي، ومروراً بالمصالحة البحرينية - القطرية وانتهاءً بعودة التضامن العربي بعودة سورية إلى أحضان جامعة الدول العربية، وتلك هي أمنيات جميع الشعوب العربية والإسلامية، ولله الحمد تحققت على أرض الواقع وبها تكون شوكة في عيون أعداء الأمة.

ونأمل بالمستقبل القريب بعودة الهدوء والاستقرار إلى جميع الأقطار العربية والإسلامية، وكذلك في وطننا الكويت ليتم توجيه البوصلة نحو الاتفاق ونبذ الخلاف والعمل على التطور والبناء والازدهار والالتفات إلى احتياجات الشعب.

ومن أرضية إفشاء (السلام) فإنه يعتبر التهديد الأكبر للقوى المعادية حيث سيضع السلام في العالم نهاية لكل الصراعات ونهاية للقوى الشريرة التي تعتاش على الحروب والدمار والفرقة بين الشعوب.

ولا شك أن في هذا الشهر المبارك، الذي كان فيه من الفرص أكثرها، ومن المواسم أتمها وأحسنها. فالشهر الذي كان شهر الله، وكنا في ضيافة الله ورحمته، في هذا الشهر الذي كانت فيه أبواب الجنان مفتوحة، وأبواب النيران مسدودة، والشياطين مغلولة، هذه الفرص التي يخبر عنها رسول الله، صلى الله عليه وآله.

فنحن في هذا الشهر، انتبهنا أو لم ننتبه، كنا في قرب من رحمة الله واستجابة دعواتنا، فكان بيننا وبين الوصول إلى الحاجات والرغبات، الطلب والهِمّة فقط.

تذكّر - أيها الصائم - وأنت تودع شهرك، سُرعةَ مُرور الأيام، وانقضاء الأعوام، فإنَّ في مُرورها وسُرعتها عِبرة للمعتبرين، وعِظَة للمتعظين.

نسأل الله، أن نكون قد وُفقنا وأحسنا في أعمالنا وعباداتنا للوصول إلى القبول ورضا المولى عز وجل.

وفي هذه الليالي الختامية من شهر الرحمة والمغفرة، نتذكر أحبة فقدناهم كانوا فرحين بأداء العبادات فى هذا الشهر العظيم، وحزنت قلوبنا وتئن ألماً ووجعاً بغياب من نحب، وبكت أعيننا لفراقهم

وما زالت أرواحنا تشتاق لهم وجروحنا لم تندمل بعد، رحلوا ولكن كالمسك ما زالت رائحتهم عالقة بكل زاوية من زوايا المكان الذي يجمعنا وإياهم... رحلوا وظل حبل الدعاء هو الوصل بيننا وبينهم، ولكننا رضينا بقدر الخالق، وستظل ألسنتنا تلهجُ لهم بالدعاء.

ربـي افتح على قبور موتانا نافذةً من نسائم بردك وعفوك ورحمتك لا تغلق أبداً.

أحبتي اليوم سنخصص دعاءنا لأهل القبور فهم أحوج منا بالدعاء لأنهم انقطعوا عن هذه الدنيا، ولكل منا أحبة تحت الثرى فهم السابقون ونحن اللاحقون.

(شهر الله مهلاً مهلاً)

أيها الشهر ترفق... دمع الفراق تدفق... وفؤاد المحبين تمزق

فلا تفارقنا إلّا ورضا الرحمن علينا تحقق

ترفق يا شهر رمضان...

فما زالت القلوب قاسية والأرواح عطشى

بالأمس كنا نقول يا شهر رمضان أهلاً

والآن نقول يا شهر رمضان مهلاً

ما أسرع خطاك تأتي على شوق وتمضي على عَجَل

فسبحان من وصفك بأيام معدودات

فأحسنوا إلى شهر رمضان

فأنه زائر خفيف الظل

كثير الهدايا سريع الارتحال

يا رب تقبل منا ما مضى... وأعنّا على ما تبقى... وأعتق رقابنا من النار.

الحمد لله على التمام، الحمد لله على عظيم المنِّ والإنعام...

اللهمّ أعده علينا ونحن في أحسن حال.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي