No Script

الأمين العام المساعد لـ «الأمم المتحدة» كشف عن مفاوضات مع جمعية خيرية كويتية لتمويل شركات تملكها نساء

الدردري لـ «الراي»: الكويت تبرّعت للبرنامج الإنمائي... و84 في المئة من الأفغان تحت خط الفقر


عبدالله الدردري
عبدالله الدردري
تصغير
تكبير

ارتبط اسم عبدالله الدردري، الممثل المقيم للأمم المتحدة في أفغانستان، بالتحديات والنجاح في الوقت نفسه.

فالرجل المتدرّج من تجربة علمية جامعية ثرية، وأخرى إعلامية اقتصادية، وثالثة إدارية حكومية، ورابعة تنموية إقليمية وعالمية، يخوض المهمات بروح التحدي لا لترك بصمة شخصية فحسب، بل لتحقيق اختراق إيجابي في كل ملف تولى إدارته.

وهو على مشارف مغادرته أفغانستان لتسلم منصب الأمين العام المساعد للأمم المتحدة المدير العام المساعد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المدير الإقليمي للبلاد العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يخص الدردري «الراي» بحوار يلفت خلاله إلى أنه رغم الصورة المتشائمة لأفغانستان لجهة معدل الناتج المحلي ودخل الفرد، هناك بعض المؤشرات الإيجابية، ومنها أن الاقتصاد الأفغاني لم يعد مستمراً في التدهور.

ويشير الدردري إلى أن الأفغان ما زالوا يعيشون في الحلقة المفرغة للفقر إلا أن هناك حركة آمنة في الوصول إلى جميع المناطق ما حسّن التجارة الداخلية والترانزيت بشكل كبير، فيما يوضح من واقع تجربة تمتد لـ36 عاماً أن تخفيض المساعدات الدولية أو استخدام التخفيض كرد فعل على قرارات «طالبان» الخاصة بالمرأة نتائجه كارثية.

قد تكون محطته الأخيرة في أفغانستان التجربة التي تدرّس، 4 سنوات قضاها شاهداً على تغيرات لا مثيل لها كانت كفيلة بنسف كل مقومات العمل والعطاء بل ونسف كل برامج التنمية الدولية.

لكن إدارته للملف ما قبل سيطرة «طالبان» على الحكم وما بعد سيطرتها كانت استثناءً تطلّب أحياناً حفر الجبل بإبرة أو السير بين نقاط الماء.

وهنا يدعو الدردري لاستمرار التعامل والحوار مع سلطات الأمر الواقع لإقناعهم بالتراجع عن هذه القرارات، وفي الوقت نفسه استمرار الحوار مع المانحين لكي لا يدفع المواطنون الأفغان ثمن قرارات لا علاقة لهم بها ولا يجب أن يتحملوا نتائجها.

عندما قيل قديماً «الرجل هو أسلوب»، فإن العبارة تنطبق على الدردري الذي واجه هذه المتغيرات بأسلوب شخصي مدّ الخيوط مع الجميع بدل أن يقطعها ونجح في الاستثمار بالعلاقات المباشرة مع الجميع.

في حواره مع «الراي» يضيء الدردري على المشاكل السياسية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية، إنما من مدخل تنموي دولي، ويقدّم تقييماً دقيقاً للوضع مصحوباً بجردة رقمية عن أفغانستان وتحديات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إضافة إلى منصبه الجديد. وفي ما يلي تفاصيل الحوار:

• بعد 4 سنوات من العمل في أفغانستان كممثل مقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يكون السؤال مشروعاً حول الانطباعات التي خرجت بها من المرحلة الصعبة للبرنامج والتي تواجدت فيها من حيث التمويل، ومرحلة الـ«كوفيد 19» ومن ثم الانتقال إلى مرحلة مختلفة تماماً وهي حكم «طالبان»؟

- أستطيع القول إن هذه المرحلة كانت من أكثر مراحل حياتي المهنية ثراءً ولجهة التجارب الجديدة، وفي الواقع مررت خلال عملي في أفغانستان بمرحلتين مختلفتين تماماً، الأولى مرحلة العمل في الجمهورية الإسلامية في أفغانستان والتي تعني حكومة الرئيس أشرف غني، حيث استمرت هذه المرحلة منذ بداية عملي في شهر مارس مايو 2019 حتى استيلاء «طالبان» على السلطة في 15 أغسطس 2021.

وكانت المرحلة الأولى تتميز بضرورة وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مكانه المناسب باعتباره مركز المعرفة الرئيسي حول أهداف التنمية المستدامة، والداعم الرئيس للحكومة في ما يتعلق بالتخطيط الاقتصادي والاجتماعي وفي التخطيط لتمويل التنمية، وكذلك في ما يتعلق بالربط بين القطاعات الاقتصادية والتنمية البشرية والقضاء على الفقر وغيرها.

وتبرز صعوبة هذه المرحلة في إعادة تموضع البرنامج الإنمائي ليكون المستشار الرئيس للحكومة في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ولكن كل هذا الأمر انهار يوم 15 أغسطس 2021 بسبب استيلاء «طالبان» على السلطة، فمنذ ذلك الحين بدأنا مرحلة جديدة، وكأننا نعمل ببرنامج جديد في بلد جديد، فاضطررنا لتحويل كل البرامج للعمل مع المجتمعات المحلية مباشرة، ودعم هذه المجتمعات للبقاء والصمود الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلال هذه الفترة الصعبة التي شهدت تراجعاً هائلاً في الاقتصاد بنسبة 30 في المئة خلال العامين الماضيين، فضلاً عن تراجع بـ30 في المئة للناتج المحلي الإجمالي خلال أقل من سنة ونصف السنة.

وعلى أرض الواقع شكلت هذه الضغوط صدمة هائلة للاقتصاد الأفغاني، ومنذ ذلك الحين ونحن نعمل مع المجتمعات المحلية حيث تمكّنا من إيجاد نحو مليون فرصة عمل موقتة واستطعنا دعم 40 ألف شركة تملكها النساء للبقاء والنمو والتوسع رغم الظروف الصعبة والقيود المتعلقة بعمل النساء في أفغانستان.

• اقتصادياً، كيف تصف تداعيات الوضع الحالي لأفغانستان، وما الاختلافات على المستوى الاقتصادي بوجود حكم «طالبان» من ناحية القطاع الخاص، والمصارف، والتحويلات...الخ؟

- هش، وعرضة أكثر لتزايد الضغوط التي يتعرض لها مع كثرة الأزمات والصدمات، ولعل الصدمة الأولى التي تعرّض لها الاقتصاد الأفغاني حدثت بعد 15 أغسطس 2021 حيث توقفت المساعدات الخارجية كما جُمّدت أصول الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي الأفغاني بما يعادل نحو 7 مليار دولار، ومن ثم تعطل العمل المصرفي بسبب انقطاع عمليات التحويل من المصارف الخارجية إلى المصارف الأفغانية.

فضلاً على ذلك، أدى تأثر حركة التجارة الإقليمية من وإلى أفغانستان لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 30 في المئة، ومن ثم تراجع حصة الفرد من الناتج الإجمالي المحلي من أكثر من 512 دولاراً سنوياً مسجلة بعام 2010 إلى أقل من 362 دولاراً في 2022.

أما معدلات الفقر فارتفعت من نحو 47 في المئة خلال 2020 حسب الإحصاءات الرسمية إلى معدلات أعلى بكثير تتجاوز الـ80 في المئة.

فعدد الأفغان الذين ينفقون اليوم مبلغاً أقل من خط الفقر لعام 2020 والذي يعادل 2268 ليرة أفغانية للفرد الواحد شهرياً يتجاوز 84 في المئة من إجمالي السكان.

وحسب المسوحات الأخيرة التي أجريناها نستطيع القول إن الهشاشة الاقتصادية التي يواجهها الأفغان شديدة للغاية، فنحو 91 في المئة منهم اضطروا إلى اللجوء لآليات يتكيفون من خلالها مع التراجع المحقق في الدخل والنشاط وفرص العمل.

وكنتيجة سلبية لذلك، اضطر العديد من الأفغان لإخراج بناتهم وأولادهم من المدارس والزج بهم في أسواق العمل إلى جانب تزويج البنات في سن مبكرة، وبيع الأصول خصوصاً المنتجة والاستدانة والتسوّل وغيرها من الآليات التي تعكس تعرّض البلاد لأزمة اقتصادية ومالية قاسية.

وما يؤسَف له أن الوضع في أفغانستان وصل حالياً إلى درجة لم تعد معها آليات التكيف الاضطرارية متوافرة بسهولة، ومن صور ذلك أنه لم يعد هناك داخلياً من يُقرض الأفغان، فأكثر من 60 في المئة منهم اقترضوا من أجل الغذاء ليشكل مع ذلك إجمالي الديون الشخصية في أفغانستان حالياً أكثر من 60 في المئة من كل الدخول المتاحة للمواطنين.

• خلال فترة عملكم في أفغانستان هل وجدتم بعض التحولات الإيجابية على المستوى الاقتصادي بوجود «طالبان»؟

- رغم الصورة المتشائمة التي عرضتها في إجاباتي السابقة، لابد من الإشارة إلى أن جزءاً بسيطاً من الكوب المليء يُظهر بعض المؤشرات الإيجابية، ومنها استقرار معدلات النمو، حيث لم يعد الاقتصاد الأفغاني مستمراً في التدهور.

فبعد تدهور بلغ أكثر من 20 في المئة انكماشاً بالناتج المحلي الإجمالي عام 2021 ونحو 7 في المئة عام 2022، نرى الآن استقراراً في معدل النمو وأيضاً نمواً إيجابياً يتراوح بين واحد و2 في المئة، لكن هذا النمو لا يزال غير كاف لسبب بسيط أنه أقل من معدل نمو السكان في البلاد الذي يبلغ 2.5 في المئة.

إذاً، الأفغان ما زالوا يعيشون في الحلقة المفرغة للفقر وهذه الحقيقة الأولى، أما الثانية التي تخص المؤشرات الإيجابية فتتمثّل في الحركة الآمنة لجهة إمكانية الوصول إلى جميع مناطق أفغانستان إضافة إلى تحسن مؤشرات التجارة الداخلية وتجارة الترانزيت بشكل كبير، مدفوعة بتحسن الوضع الأمني للبلاد، ووجود إدارة أفضل للمراكز الحدودية ما أدى إلى توافر زيادة كبيرة في إيرادات الدولة من الرسوم الجمركية ورسوم عبور الترانزيت.

ومن باب الاستدلال هنا قد يكون مفيداً الإشارة إلى أنه في عام 2000 بلغت أعداد السيارات التي عبرت أفغانستان ضمن الترانزيت نحو 7000 شاحنة بينما تجاوز هذا الرقم 57 ألفاً في 2022.

كما رُصد وجود تحسن بالصادرات، فالتقديرات تشير إلى أن هناك زيادة في الصادرات بأكثر من 100 في المئة، حيث كانت بنحو 800 مليون دولار عام 2019 بينما تجاوزت المليارين في 2022، حيث أدى هذا إلى إحداث بعض الاستقرار بسعر الصرف ومعدلات التضخم.

ومن هنا يمكن القول إن هناك تحسناً في الاقتصاد الأفغاني لكنه ما زال بعيداً جداً عن إمكانية تحقيق معدلات نمو اقتصادي تتجاوز معدلات الزيادة السكانية.

ولكي نبدأ بتلمس بعض الانخفاض في معدلات الفقر تحتاج أفغانستان إلى معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي سنوياً يتجاوز 4 في المئة.

• مع هجرة الأفغان والتي أكدت تدفقها بغزارة صور مطار كابول التي التُقطت بعد سيطرة «طالبان» على الحكم، يبرز السؤال، كيف أثّرت هذه الهجرة على الاقتصاد وقطاع العمل والتشغيل والبطالة، والأهم تأثير هجرة العقول والمتعلمين؟

- كنت في المطار آنذاك وقت حدوث الصور المأسوية التي انتشرت في مطار كابول، فعندما يسعى أبناء البلد، خصوصاً النخبة المتعلمة في البلاد إلى مغادرة وطنهم، نستطيع أن نرى الأثر السلبي لذلك والفادح على قدرة المؤسسات الحكومية والخاصة في التعامل مع تحديات المرحلة الحالية، أخذاً بالاعتبار أن أعداد المغادرين في تلك الأيام يقدر بنحو 150 ألف شخص، ومن أكثر الفئات مغادرة لأفغانستان الأكثر تعلماً وخبرة.

وحسب رأيي وتجربتي العملية هناك أرى أن هذه الهجرة أحد أهم مسببات التراجع الكبير في الناتج المحلي الإجمالي.

• كيف يتفاعل المجتمع الدولي مع العقوبات المفروضة على أفغانستان وكيف تتعاملون في منظمات الأمم المتحدة معها؟

- لا شك أن العقوبات على أفغانستان أدت وساهمت بشكل كبير في تقييد عمل نظامها المصرفي، وفي حرمان البلاد من احتياطيها من العملة الأجنبية والذي يشكل دعامة أساسية لضبط سعر الصرف، ويسهم في ضبط معدلات التضخم.

وباختصار، تسببت العقوبات بعرقلة العمل التجاري وتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر للبلاد، ما أدى إلى تراجع معدلات النمو وارتفاع معدلات البطالة، لكن بالوقت نفسه ساعدت الاستثناءات الممنوحة مثل «الرخصة العامة رقم 20» التي أصدرتها الخزينة الأميركية والتي تسمح بالقيام بجملة نشاطات اقتصادية واسعة في التعامل مع أفغانستان وحتى بالتعامل المصرفي.

وبالتالي، نستطيع القول إنه من واجبنا اليوم وواجب سلطات الأمر الواقع وواجب الدول المانحة الاستفادة من هذه التراخيص والاستثناءات التي تسمح بالعمل في مجال الإنعاش المبكر والعمل التجاري وحتى العمل الاستثماري، ما دام الأمر لا يتم مع مجموعة الأشخاص الموضوعين على قوائم العقوبات.

• معلوم أن أفغانستان تتصدّر اليوم لائحة الفقر في العالم، كيف ترون الحلول للخروج من هذا الوضع المخيف والمأسوي؟

- نعرف أن أكثر من 25 مليون شخص في أفغانستان يحتاجون مساعدة إنسانية عاجلة. فاليوم تُصنّف أفغانستان على أنها واحدة بين أكثر 4 دول في العالم فقراً، وللأسف تتنافس هذه الدول على الموقع الأسوأ في العالم بالنسبة لمعدلات الفقر.

وكما ذكرت سابقاً لا حل للخروج من مأساة الفقر إلا بوجود مؤسسات وطنية ومحلية قادرة على إدارة العملية التنموية بكفاءة أولاً، ووجود تعاون دولي يعمل مع المجتمعات المحلية الأفغانية من أجل إعادة إنعاش النشاط الاقتصادي وتوفير العمل الإنساني ثانياً.

ولا بد أيضاً من إعادة إحياء النظام المصرفي وإنعاش نظام التمويل الأصغر للاستثمار في القطاع الزراعي بغرض تحسين الكفاءة الزراعية، وتحسين سلاسل القيمة المضافة، وهناك جملة هائلة من الإصلاحات التي يمكن أن تحصل لكن هذا يتطلب إرادة سياسية من طرف سلطات الأمر الواقع، وأيضاً من طرف المجتمع الدولي.

فلِكَي تبدأ أفغانستان بتحقيق انخفاض في معدلات الفقر وصولاً إلى ما يعني استعادة الوضع الذي كنا فيه قبل 15 أغسطس 2021 يتطلب الأمر مساراً طويلاً من العمل الشاق، حيث تحتاج البلاد إلى معدلات نمو تتجاوز 4 في المئة.

• عودة مرة ثانية إلى «طالبان»، حيث نسمع كثيراً عن القيود التي فرضتها الحركة على المرأة خاصة للعمل بشكل عام ومع المنظمات الإغاثية. كمسؤول مقيم في أفغانستان تفاعلت وتعاطفت مع الموظفات لدى منظمات الأمم المتحدة هل يمكن أن تشرح تداعيات هذا الواقع اقتصادياً من وجهة نظر إنسانية؟

- على المستوى الشخصي أستطيع القول إن يوم منع زميلاتنا الأفغانيات من القدوم إلى المكاتب والعمل معنا كان أصعب أيام عملي في أفغانستان.

فلا يستطيع الإنسان تخيّل كيف يمكن لنا أن ننفذ برامجنا بشكل فعال ومتوازن آخذين في الاعتبار احتياجات المرأة الأفغانية دون وجود زميلاتنا في مكاتب الأمم المتحدة.

وبرأيي، عدم عمل المرأة في أفغانستان أمر كارثي وأدى حتى الآن إلى تراجع الناتج الإجمالي المحلي بنحو مليار دولار من أصل المليارات الخمسة التي خسرها الاقتصاد الأفغاني، إذ إن 20 في المئة من الانكماش الاقتصادي ناجم عن خروج المرأة من العمل وخروجها من الحياة العامة.

ثانياً، فإنه منذ 15 أغسطس 2021 هناك تراجع كبير في معدلات التشغيل، حيث ارتفع عدد العاطلين عن العمل بنحو 900 ألف شخص، الشريحة الأكبر منهم نسائية، فهناك تراجع مثلاً بنسبة 7 في المئة في معدل النشاط الاقتصادي للرجال بينما هناك تراجع يزيد على 25 في المئة في معدل النشاط الاقتصادي للنساء.

وهنا يستحق السؤال كيف يمكن تصور وجود مستقبل لأفغانستان دون أن يكون نصف المجتمع الثاني متعلماً فيما وراء المرحلة الابتدائية ودون وجود مهندسات وطبيبات ومحاميات وغيرها من النشاطات الأساسية في المجتمع؟ وكيف يمكن لنا أن نعمل في الأمم المتحدة دون زميلاتنا الأفغانيات؟ ولذلك أجد أن هذا اليوم كان أصعب يوم واجهته منذ بداية عملي في أفغانستان بل أصعب من يوم دخول «طالبان» إلى كابول والذي كنت فيه في مكتبي في كابول، وأصعب من الأيام التي كنا نتعرض فيها لحوادث أمنية كسقوط صواريخ حولنا عندما كنا نقيم ورشة عمل عن الاقتصاد الأفغاني وتهاوت علينا الصواريخ من كل جهة.

• بين الفينة والأخرى يخبو الحديث ويبرز عن احتمال تخفيض المساعدات الدولية كرد على تعامل حركة «طالبان» مع المرأة الافغانية، فما مدى صحة ذلك وما رأيك كمسؤول في الأمم المتحدة؟

- تخفيض المساعدات الدولية أو استخدام التخفيض كرد فعل على قرارات «طالبان» الخاصة بالمرأة له أبعاد عدة، فنحن لا نقبل ما قامت به الحركة ونريد أن تستمر المرأة في العمل ولكن في الوقت نفسه سيكون لتخفيض المساعدات لأفغانستان نتائج كارثية.

فعلى سبيل المثال، انخفضت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 512 دولاراً عام 2020 إلى 362 دولاراً حالياً، ولكن إذا انخفضت المساعدات الآن فيمكن أن تصل هذه الحصة إلى 309 دولارات للفرد، ما يعني أن الانخفاض الإضافي يضع أفغانستان باعتبارها الأكثر فقراً في العالم مقارنة مع الدول الثلاث الأخرى التي ذكرتها سابقاً.

وهنا يبرز السؤال أكثر... ماذا ينبغي أن نفعل كمجتمع دولي؟ وإلى ذلك أرى أنه من المستحق أن نستمر بالتعامل والحوار مع سلطات الأمر الواقع لإقناعهم بالتراجع عن هذه القرارات، وفي الوقت نفسه نستمر بالحوار مع المانحين لكي لا يدفع المواطنون الأفغان ثمن قرارات لا علاقة لهم بها ولا يجب أن يتحملوا نتائجها.

• يكتسي ملف المساعدات الإنسانية أهمية خاصة، باعتبار أن أفغانستان كانت وما زالت تعتمد بشكل رئيس على المساعدات الدولية فهل يمكن أن تعطينا لمحة عامة عن المعونات الدولية؟

- المساعدات الإنسانية وبشكل عام كانت مصدر رئيسي للنمو الاقتصادي والمعيشي لمعظم الأفغان خلال فترة العشرين سنة الماضية.

وللأسف أدى هذا إلى اعتماد كبير للاقتصاد الأفغاني على المعونات، وأصبح من الصعوبة على الأفراد والاقتصاد المحلي أن ينطلق دون الاعتماد على هذه المعونات، ما شكل سيفاً ذا حدين.

ففي مرحلة ما بعد 15 أغسطس 2021 انقطعت المساعدات في البداية ثم بدأت تعود مرة أخرى، ورأينا أن إجمالي الإنفاق التنموي والإنساني في أفغانستان تجاوز خلال عام 2022 ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار ما أدى إلى استقرار سعر الصرف وتراجع التضخم، الأمر الذي أسهم في تفادي الكارثة التي كنا نتوقعها وهي كارثة المجاعة.

لكن السؤال الكبير الذي دائماً ما يطرح نفسه هل هذا أمر مستدام؟ وهل تستطيع الدول المانحة أن تستمر في تقديم هذا الحجم من المعونات لأفغانستان؟ من ناحيتي، أشك في ذلك، وبالتالي لا بد أن يكون الاقتصاد الأفغاني مستداماً معتمداً على تنوع الإنتاج والدخل وفرص العمل.

• التقيناك سابقاً خلال زيارة لك للكويت، ولقاؤك مع مسؤولين كويتيين سياسيين وآخرين عاملين في الشأن الانساني، هل يمكن أن تعطينا لمحة سريعة عن تطور الدعم الإنساني والتنموي للكويت لأفغانستان المباشر وعبر الأمم المتحدة؟

- زيارتي للكويت كانت ناجحة جداً، وقد بدأنا برؤية نتائج هذه الزيارة، إذ نتفاوض مع إحدى كبريات الجمعيات الخيرية في الكويت من أجل البدء بالتعاون بتمويل مشترك لمجالات تحسين فرص المعيشة والعمل، خصوصاً للشركات التي تملكها النساء.

إلى جانب ذلك، تبرّعت الكويت لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمبلغ مليون ونصف المليون دولار للمشاركة في النداء الإنساني الأخير الذي صدر عن الأمم المتحدة في أفغانستان، وما زلنا نناقش توسيع هذا العمل، ولا شك لدينا بأن الكويت ستقدم لأفغانستان، كما عهدناها، المساعدة التي تحتاج إليها.

وهنا أود أن أتقدم بالشكر الجزيل مرة أخرى للكويت ولأهل الكويت ولقيادة الكويت على هذه المساعدات.

• معلوم أنه الشهر الأخير لك بمنصبك كممثل مقيم للأمم المتحدة في أفغانستان قبل انتقالك لمنصبك الجديد أميناً عاماً مساعداً للأمم المتحدة المدير العام المساعد لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي، فهل تعطينا لمحة سريعة عن التجربة الأفغانية وكيف يمكن أن نقول إنها أثرت بخبراتك بما سينعكس إيجاباً على عملك القادم في المنطقة العربية؟

- ما من شك في أن عودة الإنسان إلى منطقته أمر مفرح للغاية. وفي الوقت نفسه أؤكد أنني قد تعلمت الكثير من أفغانستان، وأعتقد بأن تجربة السنوات الأربع كانت من أغنى تجارب حياتي المهنية التي تمتد على مدى 36 عاماً، وأتمنى أن أنقل بعض الدروس التي تعلمتها في أفغانستان إلى منطقتي للاستفادة منها في مواجهة التحديات وليكون لديها فرص كبيرة في المستقبل.

وأسعى أن أتمكن من خلال موقعي الجديد من تقديم رؤية إستراتيجية لعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في منطقتنا العربية وكيفية التعامل مع التحديات والفرص، وأولويات كل دولة والأولويات المشتركة على مستوى الإقليم أيضاً، وكيف يمكن للبرنامج الإنمائي أن يكون أداة داعمة لفرص التطور والنمو والرخاء وبناء السلام وبناء المؤسسات والقدرات الوطنية في مجتمعاتنا العربية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي