مشاهدات

الصدقة دواء الروح

تصغير
تكبير

طالما لفت انتباهنا كلام الله تعالى عن ضرورة الالتفات إلى الصدقة... ألا وهي شعار المتقين، ولواء الصالحين، زكاة للنفوس، ونماء في المال، وطُهرة للبدن، مرضاة للرحمن، بها تُدفع عن الأمة البلايا والرزايا، تُطهر القلوب من التعلق بهذه الدنيا وشهواتها وملذاتها بما يلزم، وتعزيز الشّعور الإنساني والجماعي العام بما ينسجم مع إرادة الله تعالى.

فالصدقة وسيلةٌ لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، وطريقٌ إلى انتشار الرحمة والتآخي والمودة بين الناس.

كما أن في الصدقة تنمية وزيادة للأموال، وتنمية للأجر والثواب الذي يحصل عليه المتصدق عند الله، وفيها سدٌ لحاجات الفقراء والمحتاجين، وسبيل لجلب السعادة إلى نفوسهم، ورسم الابتسامة على شفاههم.

ولنا في سيرة الأنبياء والرّسل خير معين على الاقتداء والتّفاعل مع دعوة الله تعالى لنا إلى المسابقة في عمل الخيرات والتّنافس في ذلك، كتعبير حيّ وصادق عن جوهر إيماننا وروح عقيدتنا وشعائر ديننا...

يكفينا أن أصل الصدقة مأخوذ من الصدق، ولهذا يلزم المتصدق أن يكون صادقاً.

عن النبي صلى الله عليه وآله:

«الصدقة تدفع البلاء المبرم، فداووا مرضاكم بالصدقة»، «استنزلوا الرزق بالصدقة»، «ما نقص مال من صدقة قط، فأعطوا ولا تجبنوا».

هناك كثير من العباد يفاجأون بمثل هذه الحسنات التي ما كانوا يتوقعونها، يتصدق بصدقة وهو مخلص فيها ثم نسيها، فيفاجأ هذا الشخص بجبال من الحسنات من أين هذه الجبال؟!

إنها من الصدقة التي وضعها يوماً ما في يد مسكينٍ أو فقيرٍ أو معول ونسيها: «وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ».

ونحن اليوم في موسم التقوى نحيا أياماً مباركة في شهر من أفضل الشهور عند الله، نؤكد على هذه الصلة الوطيدة بين الصيام والإنفاق والجود، ولقد كان المثل الأعلى سيد الخلق محمد، صلى الله عليه واله، فهو الذي يكشف لنا عن حقيقة هذا التلازم وهذا الترابط الوثيق بين رمضان والصيام وبين الإنفاق والصدقة.

الصدقة هي أولى الدروس التي يتلقاها المسلم في مدرسة عمل الخير، فهي الأصل والبداية، ويترتب عليها فوائد جمة في الدنيا والآخرة منها:

1- تزيد العمر:«تصدّقوا، وداووا مرضاكم بالصدقة، فإنّ الصدقة تدفع عن الأعراض والأمراض، وهي زيادة في أعماركم».

2- تدفع البلاء:«تمنع سبعين نوعاً من أنواع البلاء».

3- تدفع القضاء:«الصدقة... تدفع القضاء وقد أُبرم إبراما».

4- تدفع ميتة السوء: «البرّ والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان سبعين ميتة سوء».

5- تجلب الرزق: «إذا أملقتم، فتاجروا الله بالصدقة».

6- تبرِّد القبر: «إنّ الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبور».

7- تُظلُّ المتصدّق يوم القيامة:«أرض القيامة نار ما خلا ظلِّ المؤمن، فإنَّ صدقته تظلّه».

ولذلك، الصدقة هي مفتاحٌ لكلّ عسرة، وأزمة، ولكل مأزق، الصدقة سبيلٌ لبناء مجتمع قوي مترابط، ومن ثَمَّ دولة قادرة على الوقوف ضد ضربات الأعداء، وصد مفاجآت الكارهين.

الصدقة دواء المريض، وبها يدفع البلاء، وبها يستنزل الرزق، وأنّها تقع في يد الربّ قبل أن تقع في يد العبد، وأنّها تخلف البركة، وبها يقضى الدين، وأنّها تزيد في المال، وأنّها تدفع ميتة السوء والداء والداهية والحرق والغرق والجذام والجنون... ويستحبّ التبكير بها فإنّه يدفع شرّ ذلك اليوم وفي أوّل الليل فإنّه يدفع شرّ الليل، فإن الصدقة لن ولم تكنْ عبادة يفعلُها الناس، بل إنها تُربي النفس وتهذبها.

من شروط الصدقة أن تكون خالصةً لوجه الله - تعالى - فكلما كان العمل أكمل وأعظم إخلاصاً لله -تعالى- كان ثوابُه وثمرته أكمل وأعظم، وتذكَّر حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، والذي ذكر رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم -: «ورجل تصدَّق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله»؛ وفي هذا حثٌّ عظيم على الإخلاص في العمل...، لكي تكونَ صدقتُك بليغة الأثر فيتقبلها الله تعالى بأحسن القبول.

ختاماً:

الصَّدقة بمعناها الحقيقي يختلف عمَّا هو مستقرٌّ في أذهان عامَّة النَّاس، الذين يُحددونها بالمال على وفق الأفق الضَّيق من المعرفة، وأمَّا هي في حقيقتها فتشمل أموراً كثيرة وسَّع الله تعالى بها على المؤمنين.

فمن لا يملك المال يستطيع أن يتصَّدق بأمرٍ آخر غيره ممَّا يُتاح له، وهذا المعنى نجده في روايات رسول الله (صلى الله عليه وآله): «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَة»، «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيك صَدَقَةٌ، وَأَمْرُك بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيُك عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُك الرَّجُلُ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَك صَدَقَةٌ».

وممَّا تقدَّم يظهر أنَّ أبواب الصَّدقة كثيرة لا تنحصر بالمال وحده، وإذا نظرنا إلى هذه الأبواب المتعدِّدة نجد أنَّنا كلَّنا باستطاعتنا أن نتصدَّق كلَّ يوم، فكلٌّ منَّا يستطيع أن يتكلَّم الكلمة الطيبة، وأن يرفع الأذى عن طريق المسلمين، وأن يتبسَّم في وجه أخيه، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلى غير ذلك من أبواب الخير.

فعندما يريد الإسلام أن يجعل سعادة الإنسان مكتملة يوم العيد يفرض علينا أن نقدم الصدقة... زكاة الفطرة عن كل فرد بمقدار كل فرد من أفراد عائلته للفقراء والمساكين والمحتاجين، حتى يشرك الآخر في فرحة العيد، وحتى يتمم تجارب رمضان من التحسس بآلام الآخرين، وحتى يؤمن حياة المجتمع من قبل الإحسان والصدقة.

إنَّ التـَصَدُّقَ إسعادٌ لِمَنْ حُـرِموا

أهلُ السَّخاءِ إذا ما احْتـَجْتهُمْ بـانوا

داوي عَليْلـَكَ بالمِسْكين ِتـُطـْعِمُهُ

البَـذلُ يُنـْجيـكَ مِـنْ سـقـْم وَنِيران

يا مُنـْفِقاً خـَلـَفاً أُعْطِيتَ مَنـْزِلـَةً

يا مُمْسِكاً تـَلـَفــا تـَلـْقى وَخُسْـران

لا تـَخـْذِلـَنَّ لآتٍ رادَ مَسْألـَة

جَــلَّ الـَّذي ساقـَهُ كافـاكَ إحْســان

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي