الرأي اليوم

أبْعِدُوا القضاء عن صِراعاتكم

تصغير
تكبير

هناك من يبني على التطوّرات السياسيّة الأخيرة في الكويت لتصوير الأمر بأنّه كارثي وأنّ الكويتيّين دخلوا نفقاً يصعب الخروج منه وأنّ القادم من الأيام يحمل من السّواد ما يحمل، وشاركت تسريبات عبر حسابات تابعة لكل الأطراف بلا استثناء في صبّ الزّيت على نار هذه التوقّعات من ضمن مُساهماتها الدائمة لتغييب العقل لمصلحة الشحن والتصعيد وتكريس انقسامات واصطفافات.

بعض التعقّل مُفيد في هذه المرحلة وكلّ مرحلة. هناك أزمة سياسيّة؟ أكيد هناك أزمة رافقتها إشكالات زادتها تعقيداً. إنّما نظرة موضوعيّة لعلاقات السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة في كلّ دول العالم وخصوصاً المُتقدّم تكشف أن النزاعات بينهما لا تتوقّف لكن الآليات الدستوريّة والقانونيّة تمنع تأثير هذه النزاعات على مسار المُؤسّسات المنوط بها إدارة الدولة والتنمية وشؤون الناس.

نعيش اليوم في الكويت خلافاً بين السلطتين. كان الخلاف موجوداً وبقوة أكبر بينهما في مجلسي 2020 و2022. وسيبقى هذا الخلاف موجوداً بين المجالس المُقبلة والحكومات المُقبلة لأنّ طبيعة تكوين هاتين السلطتين في مُختلف دول العالم قائمة على التعاون والتوافق وأيضاً على التّربّص والتّعطيل والتّجميد. تكفي مُتابعة ما يحصل في برلمانات الدول الكبرى من مساءلات للوزراء أحياناً على مدار الساعة ومن حروب حقيقيّة لمنع صدور قانون أو تعديل قانون... إنّما كما ذكرنا سابقاً فإنّ المُشكلة الحقيقيّة تكمُن في كيفيّة الفصل بين هذه العلاقة وبين تسيير أمور البلاد والعباد وتلافي الشّلل في مُختلف المرافق والمُؤسّسات وهو ما كتبنا عنه مِراراً خصوصاً لجهة ضرورة تحديث الدستور وتطويره.

سمو رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف سيُشكّل الحكومة الجديدة. وهو خيار صاحب السمو أمير البلاد ومحلّ ثقته وهذا أمر محلّ تقدير واحترام ولا يقبل النقاش، ونتمنّى جميعاً له حسن اختيار الكفاءات الأفضل لإدارة وزاراتهم بما ينسجم مع قسمهم من جهة وما يُحقّق مصلحة الناس من جهة ثانية، ولا بدّ من أن يُمنح الوقت الكافي للحُكم على التجربة وتطبيق السياسات الكفيلة بتحريك عجلة التنمية في كلّ المرافق والقطاعات... وأداؤه مع وزرائه هو الميزان للتقييم بعيداً عن «البُخار» الصاعد من مُختلف التيارات والاتجاهات. ويعرف سمو الشيخ أحمد النواف أنّ الأداء والإنجاز هما الأساس وهما من يحكم عليهما التّاريخ والنّاس وليس الصّخب السّياسي الّذي يتأرجح دائماً بين الارتفاع والانخفاض.

اليوم، هناك خلاف بين السلطتين، وغداً قد يزول الخلاف ليحلّ محلّه التعاون، بقي المجلس أو تغيّر. بقيت الحكومة أو تغيّرت... إنّما لا بدّ أن يعي الجميع أن رئيس مجلس الأمة والنواب عابرون في مرحلة مُعيّنة وليسوا مُخلّدين، وأنّ رئيس الحكومة والوزراء عابرون أيضاً في مرحلة مُعيّنة وليسوا خالدين، لذلك لا بدّ من التأكيد أن مِرفق القضاء هو الخطّ الأحمر وحِصن المُؤسّسات ودِرع الوطن الذي إن بقي بشموخه واستقلاليّته وعدالته بقيت الدولة وإن اهتزّ اهتزّت.

هَمّ جميع الكويتيّين اليوم إبعاد كلّ ما يجري من خلافات وإشكالات وصراعات سياسيّة عن القضاء. فهذا الصّرح عنوان الأمان في الكويت، وهو سلطة حامية للجميع وأبوابها مفتوحة للإصلاح والتطوير والاعتراض والاستشكال. أحكام القضاء في الكويت تصدر باسم صاحب السمو الأمير، ولا بدّ من التذكير بأنّ هذه الأحكام في كُلّ دول العالم ليست تأويلات شبيهة بالاختيارات والمباريات حيث يتعادل البعض. القضاء فيه حُكم وليس فيه تعادل وعلى الجميع تقبّل الحُكم مهما كان لأنه صادر عن سلطة هي القاعدة الأساس للاستقرار.

ما يحصل اليوم شبيه بما حصل في الأمس وما قبل الأمس ومنذ عقود. إشادة بحُكم إذا كان لمصلحة طرف وهجوم عليه إن كان ضدّ مصلحته. غالبيّة نواب مجلس 2022 هاجمت القضاء وحُكم المحكمة الدستورية لأنه لم يُعجبها، وعدد كبير من نواب 2020 أشاد بالقضاء وبحُكم المحكمة الدستورية لأنّه أعجبهم، والطرفان تعاملا مع القضاء من اعتبارات سياسيّة وليس مُؤسّساتية. أي نظروا إليه بما يخدم خطابهم ومشروعهم وأهدافهم. وإن صحّ أنّ الحكومة من رئيسها وبعض وزرائها دخلت طرفاً وطلبت من رئيس مجلس القضاء التنحّي فهذا وقوع في المحظور حمى الله الكويت من تداعياته.

باختصار، القضاء حِصن الكويت ودِرع المُؤسّسات. دول ضاعت وعادت بفضل وجود قضاء نزيه استقامت معه شؤون البِلاد والعِباد فَحَكَم بالعدل وصان الحريات وفصل في صحة القرارات وحارب الفساد وأعاد الحقوق لأصحابها وحفظ الأمن والأمان. القضاء ليس ورقة في مِلفّ سياسيّ كي نحرقها نِكاية بِخصم أو نُلمّعها نِكاية بخصم... إنْ تكرّرت سوابق التدخّل في القضاء واستمرّ التصويب السياسي على رجالاته فكأنّنا نهدم بأيدينا أسوار بُيوتنا ونَنْكشف على الفوضى. اللهمّ أنّي بلّغت اللهمّ فاشهد.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي