كثيرة هي التجارب التي مررنا بها مع طنين البعوض خلال النوم فأزعجتنا وأعجزتنا عن ملاحقتها... وفي النهاية جفانا النعاس فأصبحنا على ضوء النهار وذهبنا للعمل رغم طول السُّهاد.
وفي هذه القصة التي أسوقها لهذا الرجل عِبرة وعظة في تشابه طنين البعوض مع عمل مجلس الأمة، وملاحقة الحكومة له بين كرٍ وفرٍ...
فقد جلس أحد الاشخاص من نومه حين سمع طنين البعوض يحومُ فوق رأسه، ثم شعر بلدغاته في يده وساقه، فيقول بدأتُ بإعداد العدة لمقاومة هذا الزائر الثقيل فطاردته بالمذبّة، فما أجدى نفعاً لأنه على الطيران أقوى من يميني على المطاردة، ثم فتحت له النوافذ لأخرج من كان داخلاً في الغرفة فدخل ما كان خارجاً عنها، وحاولت قتله فوجدته متفرقاً... ولو كان مجتمعاً في دائرة واحدة لهلك بضربة واحدة! ولم أرَ في حياتي أمة ينفعها تفرقها ويؤذيها تجمعها واتحادها غير أمة البعوض؟ وبعض أعضاء المعارضة عندنا! حينئذٍ علمت أني عييت بأمر هذه البعوضة فلذت بالصبر لأن لدغات البعوض أخذت مأخذها من عقلي وفهمي وأني بدأت اهذي هذيان المحموم!
هذه باختصار حكاية ذلك الرجل مع هذه البعوضة والتي هي أشبه ما تكون في علاقة الحكومة بمجلس الأمة، فالكل يكيد للآخر ليحجمه أو يحفظه إلى تابع!
وإليك بعض صور التشابه بين البعوض وبعض القبيضة والمعارضة الوهمية وسرّاق المال العام...
فالبعوض يمتص من الدم فوق ما يستطيع احتماله فلا يزال يشرب ويشفط حتى يمتلئ فينفجر! فهو يطلب الحياة من طريق الموت! ويفتش عن السعادة في مكامن الهلاك!
فالبعوض سيئ التصرف في طلب العيش لأنه لا يسقط على الجسم إلا بعد أن يدُلُّ على نفسه بطنينه وضوضائه، وهذا ما يفعله بعض الجهلة من أصحاب الأجندات السياسية حيث يطلبون ويطالبون بمكافحة الفساد والتنمية... غير أنهم لا يخفونها ولا يحسنون الاحتفاظ بها في برامجهم الانتخابية... إلا وتجدهم يملأون الدنيا بالصراخ والضجيج ويُشهدون الملأ الأعلى والأدنى عليها وهناك تدرك الحكومة مقاصدهم فيعدون لهم عدتها لإفسادها عليهم...
البعوض خفيف في وزنه ثقيل في لدغته فهو كذلك السياسي المحنك الذي يسرّك منظره في الفضائيات ويسؤوك مخبره! يلقاك بابتسامة هي العذب الزلال عذوبة جداول الربيع حين تذوب عنها ثلوج الشتاء، وبين جنبيه أفعى تفحُّ وقلب كالصخرة الجلمود لا تنفذها أرشقة الحب ولا يتسرّب إليها ماء الوفاء! وهذه تعودنا عليها في الشقلبات السياسية!
خلاصة القصة
إن الله تعالى خلق الإنسان وركّب فيه رغبات وشهوات مختلفة، بعضها نفسي والآخر جسدي فهو لا يزال يتطلّبُها في العمل السياسي ما لم يعجز عنها... والسياسي صاحب المال - التاجر - لا تقنعه الشملة والنقير والقطمير، ومستعد أن يتحمل في كل لحظة أشد الحملات المعادية من مقاومة نزوات نفسه إلى ميولها ورغباتها وطموحها السياسي، فلا يمكن أن يحمل حاله على محمل العجز لأنه قادر ولا على الزهد لأنه ما زهد في ما لا نفع فيه! فيزهد في ما ينفع؟
ولا على الخوف من الفقر لأن عنده من المال ما يُفني الأعمار فهيهات أن يفنيه عمرٌ واحد، ولا على الرغبة في سعادة الذرية لان محبة الأب لولده لا يمكن أن تزيد على رغبته في أن يراه شريكاً له في سعادته، فإما أن يشقى هو في حياته ليسعد ولده من بعد مماته وهذا مما لا يقبله العقل!
هذه بعض صور التشابه بين البعوض وبعض أعضاء مجلس الأمة، فهل ندرك هذا؟ وسنترك بقية الصفات لفطنة القارئ الكريم.