بمجرد مرور أيّ كويتي بدولة متقدمة سواء بقصد السياحة أو حتى العلاج يستطيع أن يلمس بسهولة الفارق الشاسع بين طرق هذه الدول والكويت.
فجميع الإشارات بينهم تدل على أن مشكلة تهالك الطرق السريعة أو الداخلية في الكويت أزمة محلية بامتياز لم يسبقها غيرها من الدول الغنية إليها، لدرجة أن تطاير الحصى على السيارات وتضررها باستمرار جراء ذلك أصبح متوقعاً من جميع قائدي المركبات ولا يُشكّل مفاجأة لهم ليأخذ الحديث في ذلك مسار التهكم على الأزمة وحلولها تحت عنوان «طرق الكويت غير».
حتى خليجياً تعتبر شبكة الطرق في الكويت الأضعف أداءً وجودة بين دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2016.
ورغم تصدر أزمة تهالك الطرق اهتمامات الشارع الكويتي ليس فقط على صعيد المسؤولين بل حتى بين عموم الشعب الذي أصبح خبيراً في مختلف مكوناته وأعماره، للدرجة التي دفعت كبار السن إلى الغوص في أعماق المشكلة، حتى أصبحوا يتحدثون عن تركيبة الخلطة وما إذا كانت المشكلة تتعلّق بنوع الحصى أم في مادة البوتمين أم في انصهار المواد.
ومع ذلك تعدّدت الآراء وتشعبت بين عموم الشعب الذي أصبح خبيراً في المشكلة بسبب معاناته فيما لم يوجد في المقابل مسؤول واحد في السلطة التنفيذية يقدم حلاً مناسباً مع جرأة اتخاذ القرار، رغم طول المدة الزمنية التي استغرقتها هذه المشكلة، والإنفاق الهائل الذي تتكبّده الميزانية العامة بسبب سوء احتواء المشكلة التي تظهر معاناتها علينا كل سنة وأحيانا كل شهر برأس جديدة.
عملياً، معالجة تهالك الطرق لا تُعد اختراعاً للبارود، فيمكن بسهولة تطوير شبكة الكويت شرط اتخاذ القرار المناسب والتخلي عن التفكير التقليدي في مواجهة الأزمة وحشر المواطنين والدولة في خندق الفشل.
قبل فترة التقت وزيرة الاشغال العامة وزيرة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة الدكتورة أماني بوقماز، بممثلي سبع سفارات لطرح فكرة المساهمة والدخول في صيانة الطرق والعمل على التعاون مع الجهات الرسمية، وأوضحت الوزيرة في تصريح صحافي أن الاجتماع أتى بعد توجيه مباشر من سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، لبذل كل جهد لصيانة الطرق بما يرفع من مستوى السلامة والأمان للمواطن والمقيم.
ورغم هذا التفويض الحكومي الأعلى لسرعة حل مشكلة الطرق في الكويت لاتزال الحلول تقليدية، فإذا كانت الموضوعية تفرض عدم التقليل من جهود الوزيرة في الاستعانة بالشركات العالمية إلا أن الأمر يحتاج لأكثر من فكرة اللقاءات والتفاوض تفادياً للعودة مجدداً للمربع الأول، حيث وقتها لن تكون عصا الحل المقدم بالطول الكافي لتجاوز أزمة تهالك الطرق.
ببساطة، وبعيداً عن أيّ تعقيد، المعالجة السليمة تتطلب اتخاذ ثلاثة قرارات مترابطة، الأول إيقاف جميع الشركات التي شاركت في إنشاء الطرق المحلية من المشاركة في أيّ مناقصة جديدة باعتبارها حصلت على فرص كافية لاثبات نفسها وأظهرت ضعفاً لا محدود تجلى واضحاً في أزمة أمطار 2018، والتي بيّنت وفقاً لأرقام الوزيرة أن 76 في المئة من الطرق الداخلية كانت تحتاج إلى صيانة عاجلة، وكانت هذه النسبة تُشكّل 37 مليون متر مربع، إضافة إلى 34 في المئة من الطرق السريعة والتي تُشكّل 8.4 مليون متر.
أما القرار الثاني المستحق فيتعلّق بالاستعانة بالشركات العالمية المشهود لها بالكفاءة والخبرة، وترسية المشاريع عليها بالأمر المباشر، وهنا قد يخرج البعض مستنكراً هذا الإجراء ملمحاً بالمخاوف من أن يترتب على الأمر تنفيعات وعمولات.
لكن هذا الكلام مردود عليه من واقع التجربة المريرة، فرغم أن اسناد جميع الطرق المتهالكة جاء عبر المناقصات إلا أن النتائج العملية أثبت عدم جدواها وكلفتها الباهظة على المال العام الذي يتكبّد سنوياً كلفة مزدوجة تارة بين الإنشاء وأخرى بسبب الصيانة الاستثنائية والسريعة والتي لا تجدها إلا في الكويت، فضلاً عن الخسارة الشخصية للمواطنين والمقيمين الذي يتحملون فاتورة فشل المعالجة.
إذا، شماعة التنفيعات لم تعد مناسبة للتمسك ببيروقراطية المناقصات، والتي تنفر أصلاً الشركات العالمية بسبب شروطها البيروقراطية فيما تحفز الشركات التي تفتقد الخبرة الكافية أو النية الصالحة في إغلاق ملف الطرق المتهالكة مدفوعة بقاعدة أهل مكة أدرى بشعابها، والمقصود هنا القدرة الفائقة في التهرب من المسؤولية واستغلال الثغرات والاستفادة من قاعدة «عفا الله عما سلف».
أما القرار الثالث فهو الاستعانة بشركة عالمية تشرف على تنفيذ وتسليم الطرق في الكويت والابتعاد عن الهيئات الحكومية التي لم تقدم أيّ إضافة في هذا الخصوص رغم السنوات الطويلة على إنشائها والصلاحيات الواسعة التي منحت لها في الرقابة والتنفيذ.
الخلاصة:
أزمة تهالك الطرق في الكويت ما هي إلا حلقة إضافية في سلسلة طويلة تؤكد أن حراكنا في معالجة جميع ملفات الأولوية عبثي ولا يرقى إلى مستوى الطموح أو استحقاق الحل الجذري لها.
وإذا استمر الوضع على ماهو عليه دون التفكير خارج الصندوق سنظل نعاني ونعاني حيث «لا طبنا ولا غدا الشر»، لنواجه مع ذلك أزمة تلد أخرى مكتفين بـ«الحلطمة» وترحيل المشاكل أملاً في عصا الوزير الجديد الذي لن يُخالف على الأرجح نهج سلفه ما دمنا نستمتع جميعاً بلعبة العودة مجدداً إلى المربع الأول.