حاول أصحاب النفوس المريضة الحاقدة على مر العصور أن يزرعوا الفتنة والانشقاق، وأن ينالوا من وحدة أبناء الكويت، متسلّحين بالشيطان الرجيم ومتذرعين بأسلحتهم، زرعوا متفجراتهم، قتلوا وجرحوا، بعملية انتحاريّة إجراميّة، لا يجني منها المنتحر إلّا هلاك نفسه وعقاب الله. كان هدفهم قتل العدد الأكبر، ... والأهم من ذلك، كان هدفهم من عملهم الشنيع هذا هو إشعال الفتنة بين أبناء الكويت، ولكن شاء الله أن يرد كيدهم إلى نحورهم، وأن يكون الحدث سبباً في تعزيز الوحدة الوطنية، وان هؤلاء الشهداء انتقلوا الى دنيا الخلود ليحموا الوطن من وحش الإرهاب.
التاسع من رمضان في عام 2015، يوم أرادت اليد الآثمة أن تعبث بوحدة الكويت... انه اليوم الذي بكت فيه عين صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد (طيب الله ثراه)، تأثراً وحزناً على أبنائه قائلاً: (هذولا عيالي) وكان لهذه العبارة العفوية والعميقة وقع مؤثر جداً أفلح في امتصاص الغضب من النفوس المشحونة، حتى أصبحت شعاراً يجسد يوماً بعد آخر نموذجاً فريداً للعلاقة القوية بين القائد وشعبه بشكل عكس إصرار الكويتيين على التمسك الدائم بوحدتهم الوطنية في وجه كل مشاريع التخندق والتفتيت والتقسيم المقيت، ووأد المحاولات الارهابية الخبيثة في مهدها، وكان الشعب لها بالمرصاد.
وتوحّد الكويتيون خلف قائدهم صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، الذي كان من أوائل مَن عاين موقع التفجير الإرهابي، حيث تفقد أبناءه وإخوانه المواطنين ليطمئن عليهم راجلاً من دون موكب أو حماية، فضرب مثلاً يُحتذى لعلاقة الحاكم بالمحكوم، ومثّل ذلك بلسماً شافيا للضحايا والمفجوعين.
وشيّعت الكويت بأسرها شهداءها خلف قائدها ولبست ثوب الحداد وخيّبت ظن الإرهاب... ومن وقف وراءه لتعلنها صادقة أنها يد واحدة ضد كل مَن يعبث بأمنها ويمس مواطنيها، يومها وقفت الكويت صفاً واحداً خلف توجيهات أميرها وحكومتها وشعبها الذين اتحدوا كيد واحدة دفاعاً عن الكويت، هؤلاء الشهداء كانوا فداء لأبناء الوطن ليزيدوا من وحدة الكويتيين وتصميمهم على مواجهة الإرهاب وصون بلدهم من الفتن.
لقد جمعت هذه الحادثة قلوب الكويتيين وجعلتهم صفاً واحداً في مواجهة المآسي والأخطار وأظهرت أنهم إخوة متحابون في السراء والضراء.
روي عن رسول الله،صلى الله عليه وآله وسلم: (الشهداء عند الله على منابر من ياقوت في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله وعلى كثيب من مسك فيقول لهم الله ألم أوف لكم وأصدقكم؟).
الشهيد له مقام ومنزلة عظيمان عند الله سبحانه وتعالى وله خصال حميدة من الله - عز وجل - فذنوبه يغفرها الباري -عز وجل- عند نزول أول قطرة دم على الأرض وان كان الألم ما زال يعتصر قلوبنا على شهداء مسجد الإمام الصادق - عليه الصلاة والسلام -، ولكننا في الوقت نفسه نغبطهم على هذه الشهادة والتي نالوها بأفضل يوم وأفضل شهر وأفضل حال، حيث يوم الجمعة وشهر رمضان، والسجود، الموضع الذي يكون فيه العبد قريباً إلى ربه، فهنيئاً لهم على ما حصلوا عليه من شرف وكرامة عند الله سبحانه وتعالى.
إن منزلة الشهيد كبيرة، لا نستطيع وصفها لأن الله كرمهم ورفعهم إليه في أعلى عليين وجعلهم في الفردوس الأعلى وكلا حسب المنزلة والشهادة والمرتبة، يقول الله تعالى عن الشهداء «ولا تحسبن الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون».
ويبقى الهدف الأسمى من تخليد الذكرى الثامنة لشهداء ضحايا بيت الله... كي لا ننسى تلك الجريمة الشنعاء ولتظل درساً وعِبرةً للأجيال القادمة بعدم الخضوع للإرهاب والاستمرار في إحياء شعائر الصلاة فى بيوت الله دون خوف، لتظل بيوت الله آمنة وملاذنا الأخير، فالإرهاب لا دين ولا وطن ولا شرف له.
وسيظل هذا الحدث ناقوساً يدق كل عام ويتجدد فيه الزمن مع كل حضور لمسجد الإمام الصادق، عليه الصلاة والسلام.
لقد كان هؤلاء الشهداء فداء للوحدة بين المسلمين، ولعل الجدران والأعمدة التي مازالت عليها آثار تلك الجريمة النكراء ستظل تحمل بين طياتها ذكرى أليمة ومفجعة، فكيف بآثار الجروح التي ما زال يعاني منها الجرحى والمصابون، فحتما ستبقى المشاعر الأليمة ويبقى الأنين على مر السنين التي تكون مصحوبة بالشجن والألم.
أثبت هذا الحادث أنّ الكويتيين يدٌ واحدة في مواجهة الارهاب والتطرف والتي تمثلت في صلاة الوحدة بين المذهبين في مسجد الدولة الكبير.
وفي مراسم العزاء التي تقدّمها سمو أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد، وحضرتها جموع الشعب الكويتي قاطبةً وقال سموه في كلمة له: «إن هذه الأزمة أبرزت بجلاء حقيقة الشعب الكويتي وأصالة معدنه وتكاتفه في السراء والضراء، أسرة كويتية واحدة تسودها المحبة والأُلفة ويجمعها حب الوطن والولاء له والالتفاف حول قيادته في مواجهة العنف والفكر التكفيري المتطرف».
يا راحلين وشهر الصوم مركبهم
قفوا نودعكم توديع من فقدا
يحلُّ رمضان والذكرى تؤرقنا
فيومكم أيها الأحباب ما بعدا
هي المنايا مواقيت مقدّرة
لتنتقي منهم الأسماء والعددا
في «جُمعة» خصّها الباري بمُحكمه
وشهر خير به للعالمين هدى
عزاؤنا حين هبّ الشعبُ قاطبةً
يستنكرُ الجرم مما هدّد البلدا
يقودهم شيخنا الإنسان مقتحماً
وأدمع ذوبت في حرها الكبدا
في مشهد لم تزل ذِكراه ماثلة
نبض الأبوة فيه زادنا رشدا
هي الكويت حماها الله من شطط
لا تعرف الحقد والأضغان والحسدا
كالأم تحتضن الأبناء مشفقة
حتى وإن أخطأوا يوماً تمد يدا
اللهمّ احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.