No Script

السفير التونسي يخوض في جذور منشأ وتطور عمامة الرأس التقليدية

«الشاشية»... أصالة تونس العابرة للحدود

تصغير
تكبير

- الهاشمي عجيلي:
- الشاشية أول ما ظهرت في القيروان ونقلتها عائلاتها إلى فاس والأندلس
- في إسبانيا تكثف انتشارها... وتزاوجت مع «البيرية» الباسكية
- عادت إلى موطنها الأصلي بعد مئات السنين مع آلاف الأندلسيين
- السلطان العثماني أصدر قانوناً باعتمار الجيش الشاشية وأنشأ معملاً لها في الأستانة
- صناعة الشاشية صامدة في وجه المتغيرات بفضل إصرار مجموعة صُناع وحرفيين مهرة

قال سفير الجمهورية التونسية لدى الكويت الهاشمي عجيلي، إن شعوباً عدة في مختلف أنحاء العالم، أولت أهمية خاصة لاعتمار قبعات خاصة بها، كان الغرض الرئيسي منها الوقاية من تقلبات الطقس والحماية من أشعة الشمس وقطرات المطر وزخاته، ولكن مع مرور الزمن وتطور مظاهر الحياة، اتخذت القبعات بعداً، يرمز للخصوصية والتفرّد والتباهي، وأصبحت كل مجموعة بشرية تتخذ قبعة خاصة بها تميزها عن الأخرى.

وأضاف عجيلي لـ«الراي» أن القبعة التي اشتهرت بها تونس تكريس لهذه الخصوصية، فبرزت «الشاشية» التونسية كرمز حي للهوية الوطنية والثقافية في مختلف محطات تطور حياكتها مناطق عبورها ورسوها وانتشارها في أقاليم جغرافية متفرقة في تونس.

بين طشقند والباسك

وأوضح أن أصل تسمية «الشاشية» مشتق من «الشاش» وهو الاسم القديم لمدينة طشقند، ظهرت حرفتها في مدينة القيروان التونسية في القرن السابع الميلادي، ثم نقلتها العائلات القيروانية كمثيلاتها من العلوم والفنون إلى فاس والأندلس، أين تكثف انتشارها وتزاوجت مع «البيرية» الباسكية الإسبانية.

وتابع أن الأقدار شاءت أن تعود «الشاشية» بعد مئات السنين إلى موطنها الأصلي، وتحديدا في القرن 15 ميلادي، بعد هجرة عشرات آلاف الأندلسيين إلى تونس، حيث أدخلوا تقنيات جديدة على حياكتها، ثم ازدهرت في عهد قائد تونس العظيم حمودة باشا باي الحسيني (1792 - 1814) الذي خصص سوقاً كبيراً وآخر صغيراً، متخصصين في صناعة الشاشية بجوار جامع الزيتونة المعمور في العاصمة.

انتشار عالمي

وأضاف السفير عجيلي انه منذ حكم الباي حمودة باشا تحولت حياكة الشاشية من حرفة إلى صناعة عمت منتوجاتها كل أرجاء البلاد التونسية، وانتشرت في ربوع جغرافية متفرقة على غرار ليبيا والجزائر والمغرب، وأجزاء من صقلية الإيطالية وبلدان جنوب الصحراء وغرب أفريقيا، أبرزها السنغال والنيجر ومالي نيجيريا والغابون وتشاد، التي يمثل ارتداء الشاشية التونسية لدى أعيانها، عنواناً للوجاهة والرقي.

الجيش العثماني

وذكر أن السلطان العثماني محمود الثاني سنة 1824، أصدر قانوناً يدعو فيه الجيش إلى اعتمار الشاشية التونسية، بعد استقباله وفداً من القادة والجنود التونسيين، وكلّف الناظر مصطفى أفندي بشراء 50 ألف شاشية من تونس في مرحلة أولى، ثم إنشاء معمل في الأستانة بمشاركة حرفيين تونسيين.

دقة الحياكة

واشار إلى أن السمعة التي حازتها الشاشية التونسية عبر العصور وفي مختلف الأصقاع، تعود بالأساس إلى الصرامة والدقة العالية في حياكتها وتنجيدها وتلوينها وتكبيسها وتنظيفها، وكل مرحلة من هذه المراحل تختص بها مدينة أو قرية أندلسية تونسية لوحدها.

وأردف قائلا: مازالت اليوم صناعة الشاشية في تونس صامدة في وجه المتغيرات الوافدة، بفضل إصرار مجموعة من الصُناع والحرفيين المهرة، الذين توارثوا صناعتها عبر الأجيال، وعشقهم لهذه المهنة العريقة، كما تسعى الجمهورية التونسية إلى إيجاد حلول مبتكرة للمحافظة على الشاشية إرثاً وطنياً وحضارياً، بالإضافة إلى معالجة الصعوبات التي تتهدد المهنة، وتعوق سير تسويقها وتصديرها داخلياً وخارجياً.

واختتم بالقول إن الشاشية التونسية في سفرها وترحالها هي باختصار «علامة تونسية خالصة»، سواء كانت قبعة أو طربوشاً، وهي كمثل الراية الوطنية التونسية، أقدم علم في الوطن العربي، تتشاركان اللون الأحمر، رمز «السيادة والأصالة وإلهام الآخر».

الشابي وبورقيبة

حرص حُكام تونس وأعيانها وشيوخها ومثقفوها، المسلمون وغير المسلمين، وقطاع واسع من شعبها على اعتمار الشاشية في المناسبات الاجتماعية والاحتفالية والأعياد، وكذلك في حياتهم اليومية، كما تمسك أغلب قادة الحركة الوطنية والنقابية والمقاومة التونسية ومثقفيها أمثال محمد الدغباجي، والشاعر أبوالقاسم الشابي، الشيخ العفريت، محمد علي الحامي، المنصف باي، فرحات حشاد، الحبيب بورقيبة وخميس الترنان وغيرهم، على اعتمارها زمن الاستعمار.

مجلس العشرة

منذ قرون عديدة وإلى اليوم، يُشرف على صناعة الشاشية في تونس مجلس العشرة، الذي يضم 10 من كبار الصناعيين المتخصصين، بالإضافة إلى رئيس يدعى الأمين، وهو رئيس الشواشين، كما يضم لرئاسته عضوية مجلس أهل الحل والعقد ومنصب أحد مستشاري باي تونس، وذلك كدليل على أهمية وموقع قطاع صناعة الشاشية في البلاد.

الشاشية «التستورية»

تعمّد التونسيون في ثلاثينيات القرن الماضي، إطلاق كلمة «الشاشية التستورية» كرمز حركي للنضال، والتمويه على المستعمر الذي كان يتعقب نشطاء الحركة الدستورية، وذلك للتشابه بين مصطلح «تستور» وكلمة «دستور» في النطق، وبالتالي اتخذت الشاشية شكلاً نضالياً.

الشاشية والطربوش المصري

واكب الإعجاب العثماني المتزايد بالشاشية التونسية، ابتكار أصناف جديدة لهذه القبعة على غرار «الشاشية الإسطبمولي» و«الشاشية المجيدي»، في إشارة إلى السلطان عبدالمجيد، و«الشاشية الباشا» و«الشاشية الساقسلي» ثم تطورت إلى الطربوش الحالي.

وتكرّر الأمر مع حاكم مصر محمد علي باشا، الذي استعان بصُناع تونسيين، لتأسيس أول مصنع للطربوش في مصر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي