كفى عبثاً

تصغير
تكبير

من خلال متابعتي لما يدور في الساحة المحلية والإقليمية وما تمر به البلاد من تشنجات سياسية، وما يسود الشارع من احباطات، قد تصل عند البعض حد القهر وهو يرى ويسمع عن استنزاف واستباحة أموال الشعب، والعبث بمقدرات الدولة من قبل متنفذين متخفين كأنهم أشباح دون أن يعاقب أي منهم حتى الآن، ولماذا هذا التستر عليهم؟ أن هذا العبث يجب أن يتوقف.

لقد أصبح لدى الكثير من المواطنين قناعة تامة بأن النهج الذي عليه الدولة في تسيير أمورها منذ سبعينيات القرن الماضي لم يعد مناسباً أو مقبولاً ونحن نعيش في هذا القرن.

وفي مقالة سابقة كتبتها بعنوان «هل الكويت تمر بأزمة تاريخية» نشرت في صحيفة «الراي» بتاريخ 21/فبراير2023، دعوت فيها إلى استنهاض الهمم في السعي إلى صياغة مشروع نهضة شاملة بمنظور استراتيجي يحقق تعزيز دور الدولة.

لقد شهد الوضع السياسي والاجتماعي ولايزال تحولاً واضحاً بدأت ارهاصاته منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، ولم يأت هذا التحول الذي كان بمثابة عجز من جانب الدولة في ما يتعلق بأداء دورها في فرض سلطتها القانونية نتيجة لضيق القدرة المالية بقدر ما كان صدى نتيجة لعوامل أخرى عديدة، وهي مجموعة من المشاكل والتحديات والتي خلقت وجسدت لنا هذا المشهد والتي نجد لها جذوراً وأسباباً في عوامل تتعلق بالعبث بالهوية الكويتية، ونعني التجنيس العشوائي غير المستحق وطبيعة تفاعلاتها الفكرية والسياسية والدينية، كما أن ممارسات بعض أعضاء النظام البرلماني تعتبر غير قادرة على تطوير البلاد بالإضافة إلى الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي، والممارسات غير المفهومة من قبل بعض أبناء أسرة الحكم.

كل هذه مجتمعة أدت إلى تراجع دور الدولة، وكان تراجعها بمثابة حصاد تراكمي من الارتجال والتردد والارتباك والتساهل في تطبيق القانون، بل أخذت بنهج الاحتواء وأساليب الترضيات والاعتماد على مبدأ التوازنات المرحلية والارتكاز إلى عامل الوقت وترحيل المشكلات. ان جميع هذه الأمور أفرزت أزمات كثيرة والتي نعانيها الآن، منها عدم استقرار الحكومات وغياب التكامل بين أدوار ركائز الدولة التشريعية والتنفيذية.

وفي ظل هذا الواقع، انتهز الفاسدون ذلك من خلال السعي بالأخذ بزمام المبادرة وان يبتدعوا العديد من الأساليب والآليات التي تمكنهم من الحصول على الفرص والخدمات والمزايا دون النظر إلى مدى مشروعية هذه الأساليب من عدمه، والاغتراف من امكانيات الدولة كبقرة حلوب لهم.

إن المواطن الصالح أصبح يرى أن تقاعس الدولة في ضبط آليات وأساليب توزيع الخدمات والفرص بالعدل والمساواة وغياب الشفافية والمحاسبة والتي أسقطت من منهج عملها قد أدت إلى أن أصبح الفاسدون يطلقون العنان لقدراتهم الذاتية لنهب امكانيات الدولة، سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة، إضافة إلى ارتباط تراجع الدولة بعدد من الأزمات منها:-

أزمة عدم الاستقرار السياسي والتي تجسدت في عدم الاستقرار الحكومي والبرلماني وما ترتب عليه من انعدام الرؤية وغياب البرنامج، وتزايد أهمية التوازنات السياسية في حسم المصالح العليا للبلاد وعلى حساب الصالح العام، وكثرة تناقض تصريحات المسؤولين، وبروز مظاهر التناحر والصراع بين المجلس والحكومة. وقد جاء حكم المحكمة الدستورية والذي صدر أخيراً بحل المجلس الحالي لعدم دستورية الانتخاب ليؤكد ذلك.

هناك أزمة ثقة في عدم رضا الشعب من الأداء العام لأجهزة الدولة وهو محبط إزاء مجلس الوزراء ومجلس الأمة معاً، خصوصاً ما يخص مقايضة الحريات العامة باستحقاقات الاستقرار والأمن الوطني، هذه المقايضة لاشك أدت إلى تراجع دور مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية وهي تؤسس تنامي التناقض في مفهوم الحريات العامة وخطورة تجاوزات الرأي العام. ولعل أخطر تداعيات هذه المرحلة بروز التخندق الطائفي والتعصب القبلي والانتخاء بامتداده القبلي، بالإضافة إلى وجود بعض التيارات السياسية والفكرية بلا رؤية وطنية ولا إستراتيجية إصلاحية.

ان استمرار التمسك بعقلية وممارسات سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي قد عفا عليه الزمن ولايمكن لذلك النهج أن يسير مع عقلية هذا القرن.

إن تفكير المجتمع السياسي الكويتي قد اختلف جذرياً عن ما سبق، وهو الآن بحاجة إلى انعطافة تاريخية في نوعها وفي أسلوب الإدارة والتي تعجز عن تحقيقها بالأسلوب القديم.

إن الإصلاح لمن يرغب طريقه معروف ولايحتاج إلى مفكر أو محلل سياسي، وإنما يحتاج إلى رجال صادقين مع أنفسهم ومع الناس شرفاء في سمعتهم وسلوكهم، يخشون الله قبل أن يخشوا الناس وهؤلاء موجودون وبكثرة لم تلوثهم المناصب ولا المغريات المادية.

اعتقد أنه قد حان الوقت باتخاذ الخطوة الشجاعة في نهج طريق الإصلاح لأني لا أريد أن يعيش أحفادي ونحن في القرن 21 بتفكير وعقلية سياسة القرن الماضي، ذلك إن تاريخ تلك المرحلة قد انتهى الى ماله وما عليه، فالماضي لا يعود ابداً. انه من المهم خلق ذلك التيار الإصلاحي سواء بين أفراد أسرة الحكم أو من رحم هذا الشعب، لأن أمن البلاد أهم من الأشخاص فهل من معتبر قبل فوات الأوان، أرجو ذلك.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي