عون في حارة حريك و«أيدٍ ممدودة» بين «حزب الله» وتياره
«الثقب الأسود» في لبنان يتّسع... والسلّة الرئاسية مثقوبة
- ميقاتي: السلام في اليمن أولوية الاتفاق السعودي و الإيراني وبعدها يأتي الحديث عن الملفات الأخرى ومنها لبنان
- «التيار الحر» تقدّم صفوف مؤيّدي دعوة الراعي لـ «يوم صلاة» للنواب المسيحيين
يتّسع الثقبُ الأسود المالي - النقدي في لبنان على وقع غياب أي مؤشراتٍ لقرب اجتراحِ مَخارج للمأزق الرئاسي الذي تتشابك فيه حساباتُ الأفرقاء السياسيين في صراعهم المفتوح على السلطة مع عوامل إقليمية، بعضها يشكّل عنصراً في أصْل الأزمة وبعضها الآخَر عاملاً رئيسياً لابد للداخل من مراعاته في أي حلّ إذا كان يُراد أن يستعيد الوطن الصغير«حزام الأمان» الخليجي الذي خسره منذ انفكاكه عن نظام المصلحة العربية وانجرافه إلى المحور الإيراني.
وبعدما ابتلع هذا الثقب أموال المودعين المتروكين منذ نحو 3 سنوات معلَّقين على «حبال» عملية هيركات أفقية غير نظامية ومنظّمة بتعاميم وإجراءات «بالمفرّق» تعتمدها المصارف بـ «رعاية» من مصرف لبنان المركزي و«غطاء» ضمني، بالتكافل والتضامن، بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإن تَعَمُّقَ الحفرةِ المالية - النقدية التي ستزداد وتيرةُ وسرعةُ اتّساعها مع بلوغ الدولار الأسود عتبة 111 ألف ليرة يشي بأن يكون بمثابة «زرّ التفجير» المحمولِ في «حقائب» الجوع والبؤس اللذين يُخشى أن يتحوّلا «أحزمة ناسفة» لمجمل الواقع اللبناني ما لم تسبق انفراجةٌ رئاسيةٌ انفجاراً من الخاصرة المعيشية تُسحب معه آخِر... «حلقات الأمان».
وليس عابراً أن يحلّ شهر رمضان المبارك كئيباً كما في العامين الماضييْن خصوصاً، ولكن مثقلاً بأحمال غير مسبوقة لتشظّي العاصفة الشاملة على مجمل نواحي حياة اللبنانيين، وصولاً لترْكهم لقمة سائغة لـ «البطون الخاوية» والعوز الذي يتمدّد مع كل موجةٍ جديدةٍ من تسونامي التضخم الذي تتآكل معه على مدار الساعة قدرتهم الشرائية الشحيحة أساساً، حتى لقلّة تتقاضى رواتبها بالدولار، وذلك بعدما تكاتفت عليهم «كمّاشة» ارتفاع الأسعار، بالليرة بحسب قفزات العملة الخضراء في السوق الموازية التي باتت تدخل في التركيب الفوري للتسعير، كما بالدولار نفسه في ظل غياب الرقابة، بحيث صار المواطن رهينة... «منشار» الانهيار.
وفيما كان اللبنانيون ومَراكز دراسات ينهمكون في احتساب تكلفة مائدة رمضانية ولو بسيطة، وسط إعلان أن تكلفة صحن «الفتوش» لعائلةٍ من 4 أشخاص تُقدَّر بمليون ليرة قابلة للازدياد مع كل ارتفاع إضافي للدولار، وذلك بالتوازي مع وثباتٍ خياليةٍ لأسعار الدواجن واللحوم والحلويات، بقي «الاحترابُ» السياسي يتقدّم أولوياتِ الأفرقاء الوازنين في الداخل في ظلّ إصرارٍ على «التقاتل حتى النهاية»، ولو فوق «أشلاء» الواقع المالي والمعيشي، وعلى رهاناتٍ عبثيةٍ على ترياق خارجي ارتكازاً على سوء قراءة أو تفسير لتحولاتٍ إقليمية، مثل الاختراق الديبلوماسي على خط علاقة الرياض وطهران، ومحاولة ربْط انعكساتها بالتوازنات المحلية المؤثّرة في الاستحقاق الرئاسي.
وإذ جاءت المعطياتُ المتقاطعةُ التي توافرت عن خلاصات اللقاء الفرنسي - السعودي حول لبنان الذي عُقد في باريس (يوم الجمعة) بمثابة «جرس إيقاظٍ» للجميع بأن لا حلول لمشاكل «بلاد الأرز» إلا بمسارٍ من «لبْننةٍ» تراعي مقتضيات استعادتها توازنها السياسي والإصلاحي بعيداً من أي صفقات أو مقايضاتٍ تحاول فرنسا شبْك خيوطها، استوقف أوساطاً سياسية كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في حديث الى صحيفة «لا ريبوبليكا» الايطالية في ختام زيارته للفاتيكان وروما، حيث قال رداً على سؤال عن الاتفاق السعودي - الايراني وانعكاساته على لبنان: «هذا الاتفاق خطوة مهمة لكنني أعتقد أن الأولوية الآن هي لموضوع السلام في اليمن، وبعدها يأتي الحديث عن الملفات الأخرى ومنها لبنان. لكن في ما يتعلق بنا، فيجب أن يكون الحوار لبنانياً داخلياً من دون تأثيرات خارجية».
وفي حين لا يتوهّم أحد في لبنان بإمكان إطلاق دينامية داخلية تكون كفيلة بتوفير «مهبط آمِن» للانتخابات الرئاسية يسمح بإحداث اختراقٍ وشيك قبل أن ينفتح هذا الاستحقاق على عصْف الانهيار الشامل، فإن الأنظارَ بقيت شاخصةً على حِراكٍ مثلث الضلع أطلقه إعلان الثنائي الشيعي «حزب الله» والرئيس نبيه بري دعم ترشيح زعيم «المردة» سليمان فرنجية:
- أولاً بين مكونات المعارضة بعدما بات ترشيح النائب ميشال معوض بمثابة ورقة «انتهت صلاحيتها»، وهو ما يعزّزه انسحابُ تكتل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من دعمها، ما يضع خصوم «حزب الله» أمام تحدي الاتفاق الأوسع على مرشحٍ يعيد التوازن السلبي بقوة أكبر تمهيداً للاختراق التسْووي، وأيضاً أمام وجوب الخروج من «الزاوية» التي بدا أن الحزب حشر المعارضة فيها لجهة «قلْب الأدوار» وتصويرها مسؤولة عن التمادي في احتجاز الاستحقاق الرئاسي عبر مجاهرة مكوّنات وازنة فيها برفْض توفير نصاب جلسةٍ لانتخاب فرنجية ربطاً بتسريباتٍ عن مضي محاولات توفير غالبية 65 صوتاً له لدورة الانتخاب الثانية، وفي الوقت نفسه رفْضها الدعوات للحوار.
- ثانياً داخل قوى 8 مارس بقيادة «حزب الله»، وسط توقف الأوساط السياسية عند كسْر البرودة في العلاقة بين الحزب و«التيار الوطني الحر» بعد ما يشبه «الطلاق» الذي لاحَ في أفقها في ضوء إصرار رئيس التيار جبران باسيل على رفْض ترشيح فرنجية أو مجرّد «البحث في هذا الاحتمال».
وبرز في هذا السياق، «نزول» الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون أمس إلى الضاحية الجنوبية لبيروت حيث شارك في القداس الذي أقيم في كنيسة مار يوسف في حارة حريك (لمناسبة عيد القديس يوسف)، وسط حضور نائب حزب الله علي عمار وتبادُل الكلام بين الطرفين عن «يدٍ ممدودة».
ولاحظتْ الأوساط أن تولي عون شخصياً ما بدا محاولة لإحياء «خطوط الرجعة» في العلاقة بين التيار الحر و«حزب الله»، أتى غداة إصدار التيار بياناً أعلن فيه التبرؤ من أي ناشط يتوجه بألفاظ نابية لأي طرف سياسي، معتبرةً أن الأيام المقبلة ستكون كفيلة بتظهير ما إذا كان باسيل يمهّد لـ «استدارةٍ» ما في «التوقيت المناسب» تسمح له بـ «حجز موقع» في العهد الجديد وتوازناته سيبقى خارجها ما لم يكن شريكاً في إيصال الرئيس العتيد ولو بتوفير النصاب.
- والثالث سعي الكنيسة المارونية لجَمْع النواب المسيحيين في لقاء «صلاة ورياضة روحية» في 5 أبريل المقبل، يحضر فيه طيْف الملف الرئاسي الذي كانت بكركي أطلقت حوله مبادرة قبل أسابيع لم يتلقفها المعنيون نتيجة فيتوات متبادلة حول آلية أي اجتماع للنواب المسيحيين الـ64 وترجمة ما قد يخلص إليه.
وكان لافتاً أمس، أن التيار الحر الذي تَصَدَّر مؤيدي لقاء النواب المسيحيين بصيغته السياسية – الرئاسية الأولى، تقدّم أيضاً صفوف معلني تلبية دعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي للقاء الصلاة.
وقد زار وفد من نواب التيار البطريرك بتكليفٍ من باسيل حيث أبلغوا إليه «تلبية نواب التيار دعوة التأمل والصلاة التي أطلقها صاحب الغبطة آملين أن يكون هذا اللقاء مناسبة لاستلهام التعاليم والقيم المسيحية في مقاربة الاستحقاقات الوطنية كافة».