دائماً ما يُردّد على مسامعنا المثل الشهير «عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة»، حتى بات هذا المثل المنطقي قاعدة حياتية نلجأ إليها إذا قررنا تحقيق مجموعة من الأهداف فنختار هدفاً واحداً خشية من تشتيت المجهود وضياع كل الفرص، ولكن هل هذا صحيح؟ الا يمكننا أن نفكر خارج المألوف وندخل بسيناريو مختلف مفاجئ وضربة معلّم لتحقيق جملة من الأهداف؟
عزيزي القارئ، احب أن اخبرك بأن هذا يحدث لكن ليس كثيراً وقد حدث قبل أيام عندما اسقطت المملكة العربية السعودية برشاقة سياسية كل عصافير الشجرة في ضربة واحدة اعتمدت على عنصر المفاجأة والاحترافية فاعلنت عن اتفاق عودة العلاقات الديبلوماسية مع ايران بضمانة صينية لتتحدى كل التحليلات ودارسي العلوم السياسية بهكذا توقع.
أعلم ويعلم الجميع، أن إعلان عودة العلاقات الديبلوماسية لا يعني نجاحها وأن ازمة اليمن هي المقياس الحقيقي لنجاح الاتفاق، ولكن حتى وإن لم ينجح هذا الاتفاق أو لم يسير كما خطط له إلا أنه حقق أهدافاً بعيدة المدى فور إعلانه اياً كانت النتائج، ولذلك لن اتحدث عن متطلبات ومكاسب نجاح الاتفاق، وانما سوف اقفز إلى ما بعد فشل هذا الاتفاق، بحثاً عما سيكون قد تحقق وما وسوف يتحقق من مكاسب للمملكة على وجه الخصوص وللخليج العربي عموماً.
مع اعلان الاتفاق فإن الرسالة السعودية لدول العالم أجمع كانت واضحة وصريحة عنوانها أن الوصاية والهيمنة الأميركية المطلقة على منطقة الخليج العربي انتهت رسمياً، وأن باب الممكلة مفتوح لمن يرغب، وهذا في نظري أهم مكسب ورسالة عالمية بعيداً عن نجاح وفشل الاتفاق.
أضف إلى ذلك، أن تقوية العلاقات مع الصين واعطائها دوراً كان حكراً للقوى الغربية، هذا غير قطع الطريق على كل من يقتات مالياً وسياسياً من هذا الخلاف، وتحقيق الاستقرار الأمني الموقت في أماكن عدة في منطقة الشرق الأوسط مثل اليمن وسورية ولبنان والعراق، وبالتالي فإن السعودية حقّقت جملة من الأهداف المهمة قبل بدء تنفيذ بنود الاتفاق.
أما ما بعد فشل الاتفاق واستمرار إيران في دعم اتباعها والتدخل في شؤون دول المنطقة فإن علاقتها مع شريكها الاستراتيجي وداعمها الأول وضامن هذا الاتفاق جمهورية الصين الشعبية سوف تتأثر، خصوصاً وأن الطموحات الصينية في المنطقة اصبحت اليوم أهم من علاقتها مع ايران وبالتحديد صارت كذلك بعد القمة العربية الصينية نهاية العام الماضي، وبالتالي فإن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي رابحة في كل الأحوال.
على كل حال، لا احد يتمنى فشل الاتفاق بل ان حقيقة ما نتمناه ان يكون هذا الاتفاق بداية لحل الملفات العالقة في دولنا العربية مثل اليمن ولبنان وسورية والعراق، وأن يكون بداية لشراكة اقتصادية وحواراً ديبلوماسياً بعيداً عن التراشق الاعلامي ينقلنا إلى مستوى افضل من التعاون والاستقرار.