التقنيات الزراعية الحديثة مفتاح لتحقيق الأمن الغذائي
منذ أن سكن الإنسان هذه الأرض وهو يسعى بشكل دائم إلى تأمين احتياجاته من الغذاء، حتى أصبح توافر الغذاء شرطاً لازماً للاستقرار والاستيطان، إذ أصبح للزراعة دور حاسم في تطور الحياة البشرية واستقرارها وفي تكون المجتمعات وتطور المدنية.
ومع تطور الحياة البشرية وازدهار الحضارات، ازداد اهتمام الإنسان بالزراعة وإنتاج الأغذية المختلفة حتى غدت علوم الزراعة والتغذية والأغذية أبرز علوم العصر الحديث.
وقد تضاعف عدد سكان العالم 3 مرات منذ عام 1940 حسب تصريحات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO، التي أشارت إلى أنه بحلول عام 2025 سيصل تعداد البشرية إلى 8 مليارات نسمة، وتُعد هذه الزيادة في أعداد السكان مع مشاكل تغير المناخ وتلوث المياه والتربة، من أصعب المشكلات التي تهدد استقرار الأمن الغذائي لسكان الأرض، ولمواكبة هذه الكثافة السكانية ينبغي التفكير في إيجاد حلول تضمن حماية البيئة وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية الحيوية وزيادة إنتاج الغذاء بصورة تعزز استقرار منظومات الأمن الغذائي.
ولا يخفى أن موضوع الأمن الغذائي وضمان استقراره في الكويت، أسوة بمعظم بلدان الخليج العربي، يكتسب أهمية خاصة على ضوء التحديات التي تواجه القطاع الزراعي عموماً في هذه البلدان، وفي مقدمها ؛ قلة الموارد المائية المتاحة، تدهور البيئة بسبب التغيرات المناخية والأنشطة البشرية، التلوث البيئي، محدودية الأراضي القابلة للزراعة وقلة خصوبة التربة، وزيادة التصحر، ناهيك عن الممارسات الخاطئة كاستنزاف الموارد الطبيعية والتسميد الزائد عن حاجة النبات والهدر في استخدام مياه الري والإفراط في استخدام المبيدات، مما يتسبب في تدهور الحياة البيولوجية في التربة، ويؤدي إلى حدوث اضطراب بين مكونات البيئة والكائنات التي تعيش عليها.
وكذلك يكتسب موضوع الأمن الغذائي في الكويت أهمية إضافية على ضوء التزايد المستمر في أعداد السكان، وما يتطلبه ذلك من زيادة في إنتاج الغذاء بنفس المعدل لتفادي الوقوع في مخاطر انعدام الأمن الغذائي و للحد من الفجوة الغذائية التي تجري محاولة تجسيرها عن طريق الواردات من السلع الغذائية وما يتبع ذلك من نفقات وتكاليف باهظة ترهق كاهل ميزانية الدولة.
وكشفت تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وما واكبها من اضطراب في سلاسل الإنتاج والإمداد والتوريد بشكل صارخ عن الخطر العميق الذي يتهدد النظم الغذائية في العالم، ولاسيما في أوقات الأزمات، الأمر الذي يتطلب العمل الحثيث لإيجاد حلول لتطوير القطاع الزراعي، ورفع إنتاجيته بصورة تسهم في تحقيق استقرار الأمن الغذائي.
ولا شك أن دولة الكويت قد تأثرت كثيراً بكل من هذه المعطيات السلبية التي تفاقمت بصورة أكبر في الدولة تبعاً لظروفها المناخية القاسية، ما يُحتم تضافر الجهود الحكومية والخاصة لتعزيز الأمن الغذائي بكافة الوسائل والطرق المتاحة.
التقنيات الحديثة
ولمواجهة مثل هذه التحديات، لا بد من تبني التقنيات الحديثة المدعومة بالذكاء الصناعي، لدفع عجلة الابتكار، ومساعدة القطاع الزراعي على إنتاج محاصيل زراعية من أراضٍ محدودة المساحة، وتزويد سلاسل الامداد الغذائية بمحاصيل أكثر جودة وصحية بأقل قدرٍ ممكنٍ من الهدر للموارد الطبيعية الشحيحة بالأصل.
وشكلت الثورة الصناعية الرابعة التي يجني العالم ثمراتها حالياً، فُرصة لتطوير الإنتاج الزراعي بمُختلف مجالاته وتخصصاته، وتعتبر رقمنه وأتمتة الزراعة، واحدة من الفُرص التي يُمكنها ردم الفجوة الهائلة التي تتشكل بين الطلب على الغذاء والإنتاج (العرض) منه. وكل ذلك يُسهم بطريقة أو بأخرى، في التقليل من استخدام المُبيدات والكيماويات التي تؤثر سلباً على صحة الإنسان من جهة، وعلى اقتصاديات الدول في ظل تطور السلالات الممرضة من الآفات والميكروبات والفيروسات، من جهة ثانية. كما أن من شأن ذلك رفع مستوى جودة الإنتاج وسلامته، وتطوير الجودة والسلامة الغذائية، وخفض التكاليف، ما يُسهم بالتأكيد في تحقيق الأمن الغذائي.
وأثبتت العديد من التجارب والدراسات أن استخدام التقنيات الزراعية يُعد إحدى الوسائل المبتكرة لتسهيل تنفيذ العمليات الزراعية، وتحسين إنتاج المحاصيل والمنتجات الزراعية بشكل أسرع وأدق، مقارنة بالطرق الزراعية التقليدية.
وتُعد التقنيات الزراعية الحديثة هي عبارة عن ابتكارات واختراعات من أجل تسهيل ورفع جودة العمليات الزراعية بشكل أسرع وأدق، مقارنة بالأساليب الزراعية التقليدية، ويأتي في مقدمة هذه التقنيات: الري بالرش أو الري بالتنقيط، الزراعة الحافظة، التلقيح الاصطناعي، الأتمتة والروبوتات، طائرات الدرونز، الذكاء الاصطناعي، الطاقة الشمسية، الزراعة المائية والزراعة الهوائية، والأخيرة هي الأحدث على هذا الصعيد، وفي ما يلي نستعرض هذه التقنية التي تم تطبيقها في الكويت في مزرعة «الحياة الخضراء».
تقنية «الأيروبونيك»
تمثل تقنية «الأيروبونيك» النظام الزراعي الأحدث والمشتق بالأصل من نظام «الهيدروبونيك»، حيث يتم تعليق جذور النباتات في أحواض، ثم يرش المحلول المغذي من الأسفل، ويوزع على النباتات بشكل رذاذ يسهل امتصاصه من قبل النباتات وتزداد إنتاجيتها، فيما يمتاز هذا النظام الزراعي بإنتاج محاصيل ومنتجات خالية من المبيدات، يتم إنتاجها في غضون أسابيع وتتميز بمذاق رائع وجودة عالية على عكس ما تستغرقه الزراعة التقليدية من شهور عديدة للإنتاج. ويجري عموماً استخدام هذه التقنية حالياً لإنتاج الخضراوات الورقية والاعشاب بأنواعها.
ومن نافلة القول بأن هذه التقنية المبتكرة للزراعة تقلل من التأثير الضار للزراعة التقليدية على البيئة بالحد من استهلاك الموارد الطبيعية والبيئية، وتخفض نسبة استهلاك المياه بنسبة تزيد على 97 في المئة مقارنة بالزراعة التقليدية إضافة إلى إمكانية إنشائها في أي مكان دون التأثر بالتغيرات البيئية والعوامل المناخية، والأهم أنها تنتج محاصيل زراعية بجودة عالية وخالية من المبيدات والملوثات وتسهل علينا زراعة مساحات محدودة من الأراضي الزراعية، المحدودة أصلاً، وفي أي وقت من العام دون الحاجة إلى انتظار مواسم الزراعة السنوية التقليدية، ناهيك عن أنها تسهم في تعزيز الأمن الغذائي والمائي للبلاد وضمان التوازنات البيئية بصورة تسهم أيضاً في تحقيق أهداف رؤية الدولة الطموحة: استراتيجية الكويت الجديدة 2035.
وانطلاقاً من حرصها على المساهمة في الجهود المبذولة على مستوى الدولة للتصدي لتحديات الأمن الغذائي، وفي إطار سعيها للبحث عن الفرص الاستثمارية التي من شأنها تعزيز تقدم مجتمعنا في كل المجالات، قررت ثلة من المستثمرين الكويتيين تكثيف جهودها للاستفادة من الخبرات الدولية وأحدث التطورات التكنولوجية في العالم في مجال التقنيات الزراعية المبتكرة. ويبرز على نحو لافت على هذا الصعيد مشروع «الحياة الخضراء»، وهو إحدى تجليات شركة «الحياة الخضراء» الكويتية، حيث قامت الشركة بتخصيص مساحة من الأرض المناسبة في منطقة العبدلي وأقامت عليها مشروع «الحياة الخضراء» التي تم أخيراً تدشينها وبدء تشغيلها.
وقد تم تجهيز «الحياة الخضراء» بأحدث المعدات والتجهيزات الزراعية المتطوّرة التي تعمل بتقنية «الأيروبونيك»، وهذه التقنية السويسرية المنشأ تعتبر مثالية لدول الخليج العربي التي تعاني من ارتفاع درجات الحرارة ونقص الموارد المائية.
وفي الإطار ذاته، قامت شركة «الحياة الخضراء» بإبرام اتفاقية شراكة مع الشركة السويسرية، أصبحت بموجبها شركة الحياة الخضراء الممثل الوحيد والوكيل الحصري لمعداتها وخدماتها في الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي.
ويُعد هذا المشروع ريادياً بالمطلق باعتباره أول مشروع للزراعات الهوائية المطورة في الكويت ومنطقة الخليج العربي، يهدف بالدرجة الأولى الى توفير منتجات زراعية صحية وعالية الجودة باستخدام أقل كمية من مياه الري وبالاستعانة بأحدث الأساليب التكنولوجية تطوراً في العالم. وإلى جانب قابلية المشروع للتطوير والتوسعة من حيث الرقعة الجغرافية والمنتجات ونقل التجربة إلى مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه مصمم لتحقيق جملة من الأهداف وثيقة الصلة بالأمن الغذائي للبلاد:
20 هدفاً للمشروع
1 - تعزيز منظومة الأمن الغذائي في الكويت (ومنطقة الخليج العربي).
2 - تسريع عملية الاكتفاء الذاتي ببعض المنتجات الزراعية.
3 - توفير إمدادات زراعية كافية في حالة تعثر سلاسل التوزيع نتيجة أزمات عالمية.
4 - تقليص تكاليف احتياجات الكويت من المنتجات الزراعية.
5 - توفير تكاليف 17 رحلة شحن (شهرياً) لاستيراد الخضراوات الورقية.
6 - الحد من تكاليف التعبئة والتخزين والنقل لمسافات طويلة.
7 - الحد من الانبعاثات الكربونية الناجمة عن هذه العمليات.
8 - الحفاظ على مواردنا المائية والطبيعية.
9 - تقليص استهلاك مياه الري بنسبةتزيد على 97 في المئة.
10 - تقليص استخدام الأراضي القابلة للزراعية المحدودة بالأصل.
11 - منظومة إنتاج مستدامة.
12 - إنتاج محلي على مدار السنة.
13 - توفير إنتاج مستقر الكمية وعالي الجودة من المنتجات الزراعية على مدار السنة.
14 - رفع مساهمة الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي.
15 - إنتاج محاصيل زراعية موجهة للتصدير بما يعزز مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي.
16 - المساهمة في تنويع مصادر الدخل بما يخدم مستهدفات إستراتيجية الكويت الجديدة 2035.
17 - تعزيز الابتكار وتوطين التقنيات الزراعية الحديثة.
18 - توظيف أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الزراعات الحديثة.
19 - المساهمة في تكريس الكويت كمركز إقليمي رائد للأمن الغذائي القائم على الابتكار.
20 - المشروع يوفر العديد من الخدمات اللوجستية الذكية في مجال الغذاء والتي تشمل النظم الذكية لتخزين الغذاء وفرز ونقل وتوزيع منتجات زراعية معروف مدى جودتها ومنشأها ومكوناتها وطرق إنتاجها وتخزينها وتوصيلها.