القرينية أشهر قرى الجزيرة الزراعية
جزيرة فيلكا... تاريخ الآثار التي اكتشف في أرضها يعود إلى أكثر من 3000 سنة قبل الميلاد
من مصنفات خالد سالم محمد عن «الجزيرة»
منظر عام للمعبد اليوناني «ارتيمس» وللقلعة اليونانية
جانب من القلعة اليونانية التي اكتشفتها البعثة الدنماركية
صفحة من مخطوطة الموطأ للامام مالك بخط الشيخ مسيعيد بن احمد مساعد
اول حجر أثري عثر عليه في جزيرة فيلكا عام 1937
من الجرار التي اكتشفتها البعثة الفرنسية
مقام الخضر في نهاية الثلاثينات
| إعداد : سعود الديحاني | جزيرة فيلكا موغلة في القدم إذ يعود تاريخ الاثار التي اكتشفت في أرضها الى أكثر من 3000 سنة قبل الميلاد، وحيثما تجولت في أرضها تصادفك بقايا أطلال وأساسات لدور سكنية ومقابر دارسة، وقرى لازال بعضها ينبض بالحياة، وأخرى بقيت أسماؤها فقط تحكي عن أناس سكنوها في يوم ما وعمروها، بالاضافة الى بقايا معالم لعدد من الموانئ والمرافئ البحرية القديمة على طول شواطئها.
فهناك ميناء «سعيدة» القرية الاسلامية القديمة والتي كانت آهلة بالسكان حتى نهاية القرن التاسع عشر واكتشفت بعض آثارها أخيراً، وقرية «الصباحية» التي يقال آن آل الصباح الكرام حلوا بها قبل نزولهم الكويت في بداية وصولهم الى هذه البقعة من الأرض، وعنهم أخذت تسميتها.
قرية
وكذلك قرية «القرينية» وهي أشهر قرى الجزيرة الزراعية، وظلت هذه القرية تنتج مختلف أنواع الخضار وبعض الفواكه حتى نهاية الخمسينات من القرن الماضي.
وهناك قرى تاريخية أخرى لازالت محتفظة بأسمائها القديمة مثل: قرية المطيطة ورويسية والدشت والقصور وأم الدخان، وتشهد معالمها الدارسة على أنها كانت في يوم ما عامرة.
أما أشهر المناطق القديمة جداً والتي اكتشف فيها أهم آثار الجزيرة التي تعود الى العصر اليوناني فهي: منطقة «سعد وسعيد» التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي منها. وتحتوي أرضها على الحفريات التي اكتشف فيها المعبد اليوناني والقلعة اليونانية وقصر حاكم الجزيرة في ذلك العصر، وبعض دور السكن والكثير من المخلفات الاثرية الأخرى.
حجر
كما اكتشف فيها أهم أثر تاريخي هو: حجر «ايكاروس» والذي عُرف من خلال الكتابة التي دونت عليه، أن هذه الجزيرة كانت تُعرف بهذا الاسم في عصر الاسكندر.
هذا ما كشفته البعثة الدنمركية للتنقيب عن الاثار والتي وصلت الى الجزيرة في نهاية فبراير عام 1958 برئاسة البروفيسور ب.ف جلوب أستاذ ما قبل التاريخ في جامعة آهوس بالدنمارك وأربعة من زملائه، وقد قام البروفيسور «جلوب» بجولة في أنحاء الجزيرة تفقد خلالها المعالم الاثرية فيها، وقال عبارة مشهورة وقتها: «ان هذه الجزيرة بمثابة متحف مفتوح للآثار».
الدنماركية
وأعقبت البعثة الدنماركية بعثات أخرى للتنقيب عن الاثار، أهمها: البعثة الفرنسية التي بدأت أعمالها في عام 1983 بالموقع نفسه أولاً وانتقلت بعد ذلك الى مواقع أخرى. وجزيرة فيلكا ليست غنية بالآثار فقط، فهي كانت غنية بأهلها وبأرضها وشواطئها المليئة بالخيرات. فقد كانت تنتج كميات كبيرة من الحبوب سنوياً وبخاصة القمح والذي يزيد انتاجه عن خمسين طناً يكفي للاستهلاك المحلي والباقي منه يصدر الى مدينة الكويت.
كما كانت سفنها البخارية الخشبية في الخمسينات وما قبلها تصل ميناء الكويت يومياً محملة بعشرات الآلاف من سمك الزبيدي الذي اشتهرت به الجزيرة وذلك لبيعه في أسواق العاصمة، فضلاً عن المنتوجات الزراعية وبخاصة الجزر والبطيخ والرقي والخضراوات الورقية التي تصدر الى أسواق الكويت ايضاً من قبل تجار الخضار «الطراريح» الذين كانوا يتفقون مع أصحاب المزارع لشراء منتوجهم السنوي.
وهي غنية بأهلها حيث أنجبت العديد من الرجال في مختلف المجالات.
البحري
ففي المجال البحري ظهر فيها الكثير من الربابنة الكبار ترك بعضهم مصنفات بحرية مهمة، وقادوا أكبر السفن التجارية الى سواحل الهند وشرقي افريقيا، كما كان يستعان بخبرتهم الملاحية بعض نواخذة دول الجوار في قيادة سفنهم الى موانئ الخليج العربي وبحر العرب.
كما ظهر فيها الكثير من العلماء الأجلاء والشعراء والفنانين والقضاة والمستشارين والرياضيين ممن تبوأوا مناصب عليا في الدولة.
فجزيرة فيلكا هي كيان وأصالة وعمق تاريخي وتراث بالنسبة الى الدولة الأم الكويت، وكان بودنا لو أبقي عليها عامرة بأهلها وبخصوصيتها، وقبلة للزوار من سكان الكويت ولغيرهم، ولكن أملنا فيما ينتظرها من مستقبل زاهر.
التسمية
شغل اسم الجزيرة معظم المؤرخين والباحثين والرحالين، فحاولوا أن يفسروه تفسيراً مناسباً، فتضاربت أقوالهم واختلفت آراؤهم، فمنهم من قال: إن اللفظة يونانية قديمة ومحرفة عن كلمة «فيلكس» وتعني الجزيرة السعيدة، وذهب البعض الى أن التسمية «برتغالية» مأخوذة من كلمة «فيلشا» البرتغالية ومعناها: الهواء النقي. ومن قال انها كانت تسمى الجزيرة البيضاء.
أما المسترش. فورستر فقد قال بأنها كانت تسمى في العصور القديمة جداً بجزيرة «أفانا» Appfana أو أبفانا، وذكر انها تقع في رأس الخليج العربي، وذلك في دراسته الجغرافية عن جزيرة العرب التاريخية سنة 1844.
ويرى بعض الباحثين ان اسم الجزيرة القديم جداً هو: «أجاروم» وبنوا رأيهم هذا على الكتابات المسمارية التي وجدت على بعض الأواني المصنوعة من الحجر الصابوني، والتي عثر عليها في حفريات منطقة سعد وسعيد، ويتردد في هذه الكتابات اسم «أجاروم».
«ايكاروس»
ويرون أن هذا الاسم ربما يكون الاسم القديم لجزيرة فيلكا خلال الألفين الثاني والأول قبل الميلاد، وأن هذا الاسم سبق اسم «ايكاروس» الذي أطلقه عليها الاسكندر.
وظلت هذه الاقوال والآراء والاجتهادات غير معززة بالدليل القاطع الى ان جاءت البعثة الدنماركية للتنقيب عن الاثار الى الجزيرة في نهاية فبراير عام 1958، واكتشفت فيما آثار حجر يعود تاريخه الى عصور ما قبل الميلاد أطلق عليه فيما بعد حجر «ايكاروس» وباكتشاف هذا الحجر الاثري المهم تأكد أن هذه الجزيرة كانت تُعرف في عصور ما قبل الميلاد باسم جزيرة «ايكاروس»، ومن خلال اكتشاف هذا الحجر ايضاً اتضحت حقيقة أخرى وهي ان لفظة فيلكا ليست يونانية ولم تكن تسمى بها الجزيرة خلال عصور ما قبل الميلاد.
الدشت
تقع بقايا أساسات هذه القرية في الشمال الشرقي من الجزيرة، ويطلق أهالي الجزيرة على هذه الأساسات «خرايب الدشت».
وقد كانت هذه القرية آهلة بالسكان حتى منتصف القرن التاسع عشر، وفيها جامع كبير تقام فيه صلاة الجمعة. ويذكر بعض الأهالي من كبار السن ممن التقيت بهم أنهم سمعوا أن الشيخ عثمان بن سند العلامة الذي ولد في جزيرة فيلكا كان يؤم المصلين فيه أثناء زياراته الخاطفة الى الجزيرة.
والدشت كلمة فارسية تعني الصحراء. وكانت هذه القرية مفصولة عن ساحل الجزيرة بممر مائي، ومع مرور الزمن ردم هذا الممر والتصقت جزيرة الدشت بأرض الجزيرة، وتوجد حالياً بالقرب من هذا الساحل آثار لصخور مرجانية كبيرة كانت فيما مضى جزءاً من قرية الدشت القديمة وتبرز أحياناً عند الجزر، أشهرها صخرة كبيرة تسمى «الظاهرة» وسميت بهذا الاسم لأنها تظهر بوضوح في أثناء انحسار مياه البحر.
القرينية
القرينية تصغير لكلمة القرين التي أطلقت على مدينة الكويت في بداية تأسيسها. وهي من قرى الجزيرة القديمة والمشهورة والتي لا يزال ينبض في أرضها عرق الحياة على شكل بقايا مجموعة من أشجار النخيل والسدر وأطلال البيت الكبير الذي بناه الشيخ جابر الصباح في نهاية القرن التاسع عشر.
في الغالب أن لفظة «فيلكة» أو «فيلچة» كما ينطقها الأهالي، هي لفظة عربية، مشتقة من طبيعة أرض الجزيرة الخصبة، ومحرفة عن اللفظة العربية القديمة: «فليجة» ومعناها الأرض الطينية البيضاء المستخلصة للزراعة، ومأخوذة من التسمية العربية «فلج» وهو النهر الصغير.
وقد كانت هذه التسمية معروفة لدى العرب منذ القدم وأطلقت على هذه الجزيرة لما كانت تمتاز به قديماً من وفرة الزراعة وخصوبة التربة، وكثرة ينابيع المياه العذبة، بالاضافة الى كونها مركزاً رئيسياً في الطريق التجاري ما بين البصرة وسائر موانئ الخليج العربي والهند وشرقي أفريقيا، فقد كانت السفن تتردد - والى عهد قريب - بالمياه العذبة منها، وتحتمي قرب شواطئها ابان هبوب الرياح الشديدة.
تلفظ
وكانت تلفظ قديماً - حسب اجتهادي - «فليجة» بتقديم اللام على الياء، مع مرور الزمن حُرفت وأدخلت عليها الـ «چ» الفارسية فصارت تنطق «فليچة» وهي كما ذكرت مأخوذة في الاصل من لفظة «فلج» العربية وجمعها أفلاج. وهي مجاري المياه العذبة.
وهذا غير مستبعد حيث أن أرض الجزيرة كانت في العصور القديمة، وما بعدها بعدة قرون عبارة عن غابة تغطيها مختلف أنواع الاشجار، كما كان فيها عدة أفلاج وهي مجاري مياه صغيرة تتخلل المزروعات، لذا لا يستبعد أن اسمها اشتق من تلك الأفلاج فسميت فيلچة نسبة اليها.
وهناك رواية محلية قديمة يتناقلها كبار السن في الجزيرة توضح هذا المعنى وتؤكده، وهي أن الجزيرة كان يتوسطها قديماً فلج أو عدة أفلاج من المياه العذبة، وأن أول من قال بذلك خالد سالم محمد أول من قال في كتابه الأول جزيرة فيلكا لمحات تاريخية واجتماعية الذي أصدرته عام 1980، ونُقل عنه بعد ذلك.
الزور
الزور هو الاسم القديم للساحل الغربي للجزيرة المقابل لمدينة الكويت. والآهل بالسكان. والزور في اللغة هو أعلى الصدر، وبما أن هذا الجزء من ساحل الجزيرة يمتاز بأنه شاطئ رملي عريض ويرتفع عن سطح البحر فقد اشتق اسمه من هذه الصفة.
وقد كان هذا الساحل آهلاً بالسكان الى أن أتى الغزو الصدامي واكتسح كل جزء من أراضي الكويت بما فيها الجزر وأجبر الأهالي على النزوح عنها تاركين وراءهم بيوتهم وأمتعتهم وإرثاً طويلاً من الذكريات والأحداث التي توارثوها عن الآباء والاجداد.
ويعود استقرار الأهالي في هذا الجزء الى منتصف القرن الثامن عشر بعد أن عمَّ الوباء القرى القديمة التي كانوا يسكنونها وخلف وراءه الخراب والدمار.
الصباحية
تقع على الساحل الجنوبي الشرقي من الجزيرة، وقد اشتهرت قديماً بوفرة نخيلها الباسق والذي بلغ أكثر من 400 نخلة لدرجة ان السفن قديماً كانت تستدل على الجزيرة من رؤية نخيل الصباحية، كما أن فيها الكثير من الآبار العذبة. وقد بنى أحد أمراء آل الصباح قصراً فيها جعله مصيفاً لعائلته.
ذكر ج.ج لوريمر عام 1904: أن فيها 90 نخلة. وذكر بعض المؤرخين أن سبب تسميتها بهذا الاسم نسبة الى آل الصباح لأنهم نزلوا فيلكا قبل نزولهم أرض الكويت.
تل سعيد
عثر في تل سعيد على الكثير من الآثار المهمة جداً والتي تعود الى عهد الاسكندر وأهمها وأكبرها القلعة اليونانية وهيكل الآلهة المحلية كما اكتشف أحد الأعمدة الكبيرة بقاعدة مزخرفة، بالاضافة الى معبد يحتوي على العديد من التماثيل المختلفة الأحجام، وتاج عليه زخارف ورسومات على شكل سعف النخيل، ودلت الكتابات التي وجدت منقوشة على بعض الآثار التي اكتشفت في هذا التل على أن آثار هذا المكان تدل على انه كان مركزاً ثقافياً ودينياً وادارياً للجزيرة في العهد الهليليني.
كما عثر في هذا المكان أيضاً على أهم اثر تاريخي هو حجر «ايكاروس» والذي تأكد من خلال الرسالة التي نقشت عليه أن هذه الجزيرة كانت تسمى في عهد الاسكندر بهذا الاسم وهو «ايكاروس».
وتبين أنه سُحب من مكانه وألقي على الأرض بقوة، ظهر ذلك من تكسر أجزاء منه وطمس بعض حروف كلماته.
ويبلغ طول الحجر 116 سم وعرضه 62 سم والرسالة التي كتبت عليه باللغة الاغريقية وموجهة الى أهالي «ايكاروس» فيلكا وعدد سطورها 43 سطراً.
كما اكتشفت الى الشمال من هذا التل قلعة يونانية برزت مبانيها بصورة واضحة المعالم، وعثر في بعض غرفها على جرار كثيرة مختلفة الاشكال والاحجام بالاضافة الى عدد من الاختام التي صنعت محلياً ومرسوم على وجهيها صوراً لحيوانات ونباتات وأشكال انسانية عُرفت بعد ذلك باسم الاختام الدلمونية وعددها 400 ختم، ودل ذلك على أن الجزيرة كانت ذات طابع حضاري محلي منفرد ومستقر منذ أقدم العصور البرونزية.
هذا تقرير مختصر عن الحفريات الأولى التي أجرتها البعثة الدنماركية للتنقيب عن الاثار في موسمها الأول، وتوالت بعد ذلك الاكتشافات الاثرية سواء من البعثة الدنماركية او البعثة الفرنسية للتنقيب عن الاثار التي أعقبتها.
سعيدة
تقع قرية سعيدة في أقصى الشمال الغربي من أرض الجزيرة، وقد كانت آهلة بالسكان حتى منتصف القرن التاسع عشر، وتمتاز بساحل طبيعي فسيح ودوحة كبيرة، وكان هذا الساحل فيما مضى ميناءً تجارياً يربط الجزيرة بجيرانها خاصة وانه يقابل ميناء الفاو العراقي وقريباً نسبياً منه. ولا تزال بعض آثار هذه القرية بارزة للعيان على شكل مقابر قديمة وبقايا أساسات مباني. وقد اكتشفت فيها حديثاً آثار اسلامية منها مسجد اثري واضح المعالم.
رويسية
من المناطق الاثرية وهي منطقة قديمة ومشهورة عند أهالي الجزيرة نظراً لوجود قرية كانت آهلة بالسكان في هذه المنطقة، وتبدو على بعض مساحات أرضها بقايا أساسات لبيوت وقبور دارسة.
ويتناثر الحصى وكسر الفخار والزجاج فوق أرضها لعدة أمتار مما يدل على أنها كانت مسكونة الى عهد ليس ببعيد.
وتقع هذه المنطقة الى الشمال من قرية سعيدة، ولها رأس من الأرض يمتد قليلاً داخل البحر يسمى «رأس رويسية»، وهي ملجأ جيد للسفن عند هبوب «رياح الكوس»، كما أنها مكان جيد لصيد السمك ونصب الحظور.
الموقع
تقع جزيرة فيلكا في مواجهة جون الكويت تبعد عن رأس «عجوزة» حيث أبراج الكويت 14 ميلاً بحرياً، كما تبعد عن رأس الأرض في السالمية 9 أميال بحرية، وعن رأس الصبية 7 أميال بحرية.
وهي أهم جزر الكويت وأشهرها، طولها 14 كيلومتراً وعرضها في بعض الجهات 6.5 كيلومتر، وتبلغ مساحتها الاجمالية 44 كم. وهي منخفضة وأعلى نقطة فيها هي: مرتفعات «شبيچة» وترتفع عن سطح البحر حوالي ثلاثين قدماً.
معظم سواحلها رملية ولكن توجد صخور ممتدة داخل البحر بالقرب من سواحل «القحة» و«ظهر طعان» في جنوب الجزيرة، وعند منطقة «البلط» و«سعيدة» في شمالها.
يحيط بها من الشمال الغربي وحتى الجنوب الغربي داخل البحر حد رملي موحل يسمى «الضاروب» تكون عليه المياه في حالة الجزر غير عميقة.
أما المنطقة البحرية المواجهة لساحلها الغربي والذي كان آهلاً بالسكان قبل الغزو الصدامي فيسمى «البندر الكبير» حيث كانت ترسو عنده السفن التجارية الكبيرة «الأبوام» وغيرها. والمجرى البحري من ميناء الكويت الى جزيرة فيلكا بين مطلع الأصل والثريا.
تقع الى الشمال منها جزيرة «مسكان» وتبعد عنها 3.2 كيلومتر، والى الجنوب منها تقع جزيرة «عوهة» وتبعد عنها 4.8 كيلومتر. والمنطقة البحرية الممتدة من شمال «الضاروب» وحتى جنوبه باتجاه ساحل الجزيرة الغربي تسمى «الوكر» وعرفت منذ القدم بوفرة سمك «الزبيدي» وسمك «الروبيان» فيها، كما تقع في هذه المنطقة بعض الصخور المرجانية الكبيرة التي تغمرها مياه البحر وتكثر عندها الأسماك وهي: «العظلة» «الحدبة» و«أم التمر».
والجزيرة ذات موقع استراتيجي مهم، حيث تتخذ من قبل خفر السواحل الكويتية نقطة مراقبة بحرية أمامية للحفاظ على الأمن وقطع دابر المتسللين.
عُرفت منذ القدم كمرفأ جيد للسفن ترسو عند شواطئها وتتزود من آبارها بالمياه العذبة، كما كانت من أولى المحطات التي ترسو عندها السفن التجارية القديمة في طريقها من «أور» الى جنوب الخليج، وقد اتخذها الاسكندر قاعدة لجنوده اثناء مروره في هذه المنطقة في حملته التوسعية نحو الشرق.
وقد اكتسبت مكانة مقدسة على مر العصور حيث كانت مقراً لإله المياه العذبة عند السومريين المعروف باسم «إنكي» بالاضافة الى كونها مقراً لإله البحر المسمى «زيوس» عند اليونانيين، وللألة «ارتميس».
اليونانية
ورد اسمها في الكتابات اليونانية القديمة حيث ذكرها عالم النبات «بيلني» والمؤرخ اليوناني «آريان» الذي دون سيرة الاسكندر وقالا ان اسمها القديم «ايكاروس» وأن الاسكندر هو من أمر بتسميتها به.
امتازت جزيرة فيلكا عن باقي جزر الكويت منذ القدم بمميزات عديدة أهمها: خصوبة أرضها وكثرة آبار مياه الشرب المنتشرة على طول سواحلها مما ساعد على الزراعة، فقد كانت أراضيها الزراعية تغطي أكثر من 70 في المئة من مساحتها حتى الربع الأول من القرن العشرين، بالاضافة الى صلاحية شواطئها لرسو السفن وخلو معظمها من الصخور والشعب المرجانية، ولهذه المميزات وغيرها اتخذها الانسان مستقراً له منذ أقدم العصور.
الثالث
اكتشفت فيها آثار مهمة تعود الى عصور ما قبل الميلاد والعصور الاسلامية المتعاقبة، كما كانت احد المراكز التجارية في عصر السلوقيين الذين أتوا بعد الاسكندر واستقروا فيها وعمروها. وقد عثر فيها على مجموعة من النقود احداها يحمل صورة الامبراطور «انطيوخوس الثالث» الذي حكم الامبراطورية السلوقية ما بين أعوام 253 - 187ق.م.
وكانت للجزيرة ايضاً صلات تجارية مع كل من فارس وحضارة المعينيين. أشهر قراها القديمة التي كانت آهلة بالسكان حتى مطلع القرن التاسع عشر هي: سعيدة، القرينية، الدشت، القصور، رويسية والصباحية.
عُرفت قديماً بكثرة مزاراتها التي فتن العامة بها، ومن أشهر هذه المزارات: مقام الخضر الذي أزيل من قبل بلدية الكويت في صيف عام 1976، وكانت الوفود تصل الى الجزيرة أيام الاربعاء والخميس والجمعة لزيارته، بالاضافة الى زيارة قبر كل من محمد البدوي وشيخ غريب.
أنجبت هذه الجزيرة العديد من العلماء والادباء والربابنة والمهندسين الاقتصاديين والقضاة والرياضيين الذي تتبوأوا مناصب عليا في الدولة.
مسيعيد
وعلى مدى تاريخها الطويل ظهر فيها ايضاً علماء أجلاء تركوا مصنفات مختلفة ونسخوا العديد من المخطوطات الاسلامية وغيرها، أمثال: الشيخ مسيعيد بن أحمد مساعد الذي ترك أثراً مهماً يُعد أقدم مخطوطة خطت في جزيرة فيلكا الى الان، وهو كتاب الموطأ للإمام مالك كتبه في الجزيرة عام 1682م. والشيخ عثمان بن سند أشهر علماء القرن التاسع عشر وله أكثر من 40 مؤلفاً في مختلف العلوم، وله شعر كثير ويقال انه كان يحفظ القاموس المحيط عن ظهر قلب. ولدا هذا العالم الجليل في جزيرة فيلكا عام 1766م.
كما أنجبت هذه الجزيرة الكثير من الربابنة ترك بعضهم مصنفات ملاحية بخطه أمثال: الربان الكبير منصور الخارجي والنوخذة عبدالمجيد الملا صاحب أكبر وأقدم روزنامة بحرية، والمعلم سلطان شعيب.
المصدر
مصدرنا من هذا البحث هو من كتابين المؤرخ الفاضل الذي أرخ تاريخ جزيرة فيلكا خالد سالم محمد وهو يشكر على خدمة تاريخ بلده الكويت نسأل الله له التوفيق والسداد.
فهناك ميناء «سعيدة» القرية الاسلامية القديمة والتي كانت آهلة بالسكان حتى نهاية القرن التاسع عشر واكتشفت بعض آثارها أخيراً، وقرية «الصباحية» التي يقال آن آل الصباح الكرام حلوا بها قبل نزولهم الكويت في بداية وصولهم الى هذه البقعة من الأرض، وعنهم أخذت تسميتها.
قرية
وكذلك قرية «القرينية» وهي أشهر قرى الجزيرة الزراعية، وظلت هذه القرية تنتج مختلف أنواع الخضار وبعض الفواكه حتى نهاية الخمسينات من القرن الماضي.
وهناك قرى تاريخية أخرى لازالت محتفظة بأسمائها القديمة مثل: قرية المطيطة ورويسية والدشت والقصور وأم الدخان، وتشهد معالمها الدارسة على أنها كانت في يوم ما عامرة.
أما أشهر المناطق القديمة جداً والتي اكتشف فيها أهم آثار الجزيرة التي تعود الى العصر اليوناني فهي: منطقة «سعد وسعيد» التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي منها. وتحتوي أرضها على الحفريات التي اكتشف فيها المعبد اليوناني والقلعة اليونانية وقصر حاكم الجزيرة في ذلك العصر، وبعض دور السكن والكثير من المخلفات الاثرية الأخرى.
حجر
كما اكتشف فيها أهم أثر تاريخي هو: حجر «ايكاروس» والذي عُرف من خلال الكتابة التي دونت عليه، أن هذه الجزيرة كانت تُعرف بهذا الاسم في عصر الاسكندر.
هذا ما كشفته البعثة الدنمركية للتنقيب عن الاثار والتي وصلت الى الجزيرة في نهاية فبراير عام 1958 برئاسة البروفيسور ب.ف جلوب أستاذ ما قبل التاريخ في جامعة آهوس بالدنمارك وأربعة من زملائه، وقد قام البروفيسور «جلوب» بجولة في أنحاء الجزيرة تفقد خلالها المعالم الاثرية فيها، وقال عبارة مشهورة وقتها: «ان هذه الجزيرة بمثابة متحف مفتوح للآثار».
الدنماركية
وأعقبت البعثة الدنماركية بعثات أخرى للتنقيب عن الاثار، أهمها: البعثة الفرنسية التي بدأت أعمالها في عام 1983 بالموقع نفسه أولاً وانتقلت بعد ذلك الى مواقع أخرى. وجزيرة فيلكا ليست غنية بالآثار فقط، فهي كانت غنية بأهلها وبأرضها وشواطئها المليئة بالخيرات. فقد كانت تنتج كميات كبيرة من الحبوب سنوياً وبخاصة القمح والذي يزيد انتاجه عن خمسين طناً يكفي للاستهلاك المحلي والباقي منه يصدر الى مدينة الكويت.
كما كانت سفنها البخارية الخشبية في الخمسينات وما قبلها تصل ميناء الكويت يومياً محملة بعشرات الآلاف من سمك الزبيدي الذي اشتهرت به الجزيرة وذلك لبيعه في أسواق العاصمة، فضلاً عن المنتوجات الزراعية وبخاصة الجزر والبطيخ والرقي والخضراوات الورقية التي تصدر الى أسواق الكويت ايضاً من قبل تجار الخضار «الطراريح» الذين كانوا يتفقون مع أصحاب المزارع لشراء منتوجهم السنوي.
وهي غنية بأهلها حيث أنجبت العديد من الرجال في مختلف المجالات.
البحري
ففي المجال البحري ظهر فيها الكثير من الربابنة الكبار ترك بعضهم مصنفات بحرية مهمة، وقادوا أكبر السفن التجارية الى سواحل الهند وشرقي افريقيا، كما كان يستعان بخبرتهم الملاحية بعض نواخذة دول الجوار في قيادة سفنهم الى موانئ الخليج العربي وبحر العرب.
كما ظهر فيها الكثير من العلماء الأجلاء والشعراء والفنانين والقضاة والمستشارين والرياضيين ممن تبوأوا مناصب عليا في الدولة.
فجزيرة فيلكا هي كيان وأصالة وعمق تاريخي وتراث بالنسبة الى الدولة الأم الكويت، وكان بودنا لو أبقي عليها عامرة بأهلها وبخصوصيتها، وقبلة للزوار من سكان الكويت ولغيرهم، ولكن أملنا فيما ينتظرها من مستقبل زاهر.
التسمية
شغل اسم الجزيرة معظم المؤرخين والباحثين والرحالين، فحاولوا أن يفسروه تفسيراً مناسباً، فتضاربت أقوالهم واختلفت آراؤهم، فمنهم من قال: إن اللفظة يونانية قديمة ومحرفة عن كلمة «فيلكس» وتعني الجزيرة السعيدة، وذهب البعض الى أن التسمية «برتغالية» مأخوذة من كلمة «فيلشا» البرتغالية ومعناها: الهواء النقي. ومن قال انها كانت تسمى الجزيرة البيضاء.
أما المسترش. فورستر فقد قال بأنها كانت تسمى في العصور القديمة جداً بجزيرة «أفانا» Appfana أو أبفانا، وذكر انها تقع في رأس الخليج العربي، وذلك في دراسته الجغرافية عن جزيرة العرب التاريخية سنة 1844.
ويرى بعض الباحثين ان اسم الجزيرة القديم جداً هو: «أجاروم» وبنوا رأيهم هذا على الكتابات المسمارية التي وجدت على بعض الأواني المصنوعة من الحجر الصابوني، والتي عثر عليها في حفريات منطقة سعد وسعيد، ويتردد في هذه الكتابات اسم «أجاروم».
«ايكاروس»
ويرون أن هذا الاسم ربما يكون الاسم القديم لجزيرة فيلكا خلال الألفين الثاني والأول قبل الميلاد، وأن هذا الاسم سبق اسم «ايكاروس» الذي أطلقه عليها الاسكندر.
وظلت هذه الاقوال والآراء والاجتهادات غير معززة بالدليل القاطع الى ان جاءت البعثة الدنماركية للتنقيب عن الاثار الى الجزيرة في نهاية فبراير عام 1958، واكتشفت فيما آثار حجر يعود تاريخه الى عصور ما قبل الميلاد أطلق عليه فيما بعد حجر «ايكاروس» وباكتشاف هذا الحجر الاثري المهم تأكد أن هذه الجزيرة كانت تُعرف في عصور ما قبل الميلاد باسم جزيرة «ايكاروس»، ومن خلال اكتشاف هذا الحجر ايضاً اتضحت حقيقة أخرى وهي ان لفظة فيلكا ليست يونانية ولم تكن تسمى بها الجزيرة خلال عصور ما قبل الميلاد.
الدشت
تقع بقايا أساسات هذه القرية في الشمال الشرقي من الجزيرة، ويطلق أهالي الجزيرة على هذه الأساسات «خرايب الدشت».
وقد كانت هذه القرية آهلة بالسكان حتى منتصف القرن التاسع عشر، وفيها جامع كبير تقام فيه صلاة الجمعة. ويذكر بعض الأهالي من كبار السن ممن التقيت بهم أنهم سمعوا أن الشيخ عثمان بن سند العلامة الذي ولد في جزيرة فيلكا كان يؤم المصلين فيه أثناء زياراته الخاطفة الى الجزيرة.
والدشت كلمة فارسية تعني الصحراء. وكانت هذه القرية مفصولة عن ساحل الجزيرة بممر مائي، ومع مرور الزمن ردم هذا الممر والتصقت جزيرة الدشت بأرض الجزيرة، وتوجد حالياً بالقرب من هذا الساحل آثار لصخور مرجانية كبيرة كانت فيما مضى جزءاً من قرية الدشت القديمة وتبرز أحياناً عند الجزر، أشهرها صخرة كبيرة تسمى «الظاهرة» وسميت بهذا الاسم لأنها تظهر بوضوح في أثناء انحسار مياه البحر.
القرينية
القرينية تصغير لكلمة القرين التي أطلقت على مدينة الكويت في بداية تأسيسها. وهي من قرى الجزيرة القديمة والمشهورة والتي لا يزال ينبض في أرضها عرق الحياة على شكل بقايا مجموعة من أشجار النخيل والسدر وأطلال البيت الكبير الذي بناه الشيخ جابر الصباح في نهاية القرن التاسع عشر.
في الغالب أن لفظة «فيلكة» أو «فيلچة» كما ينطقها الأهالي، هي لفظة عربية، مشتقة من طبيعة أرض الجزيرة الخصبة، ومحرفة عن اللفظة العربية القديمة: «فليجة» ومعناها الأرض الطينية البيضاء المستخلصة للزراعة، ومأخوذة من التسمية العربية «فلج» وهو النهر الصغير.
وقد كانت هذه التسمية معروفة لدى العرب منذ القدم وأطلقت على هذه الجزيرة لما كانت تمتاز به قديماً من وفرة الزراعة وخصوبة التربة، وكثرة ينابيع المياه العذبة، بالاضافة الى كونها مركزاً رئيسياً في الطريق التجاري ما بين البصرة وسائر موانئ الخليج العربي والهند وشرقي أفريقيا، فقد كانت السفن تتردد - والى عهد قريب - بالمياه العذبة منها، وتحتمي قرب شواطئها ابان هبوب الرياح الشديدة.
تلفظ
وكانت تلفظ قديماً - حسب اجتهادي - «فليجة» بتقديم اللام على الياء، مع مرور الزمن حُرفت وأدخلت عليها الـ «چ» الفارسية فصارت تنطق «فليچة» وهي كما ذكرت مأخوذة في الاصل من لفظة «فلج» العربية وجمعها أفلاج. وهي مجاري المياه العذبة.
وهذا غير مستبعد حيث أن أرض الجزيرة كانت في العصور القديمة، وما بعدها بعدة قرون عبارة عن غابة تغطيها مختلف أنواع الاشجار، كما كان فيها عدة أفلاج وهي مجاري مياه صغيرة تتخلل المزروعات، لذا لا يستبعد أن اسمها اشتق من تلك الأفلاج فسميت فيلچة نسبة اليها.
وهناك رواية محلية قديمة يتناقلها كبار السن في الجزيرة توضح هذا المعنى وتؤكده، وهي أن الجزيرة كان يتوسطها قديماً فلج أو عدة أفلاج من المياه العذبة، وأن أول من قال بذلك خالد سالم محمد أول من قال في كتابه الأول جزيرة فيلكا لمحات تاريخية واجتماعية الذي أصدرته عام 1980، ونُقل عنه بعد ذلك.
الزور
الزور هو الاسم القديم للساحل الغربي للجزيرة المقابل لمدينة الكويت. والآهل بالسكان. والزور في اللغة هو أعلى الصدر، وبما أن هذا الجزء من ساحل الجزيرة يمتاز بأنه شاطئ رملي عريض ويرتفع عن سطح البحر فقد اشتق اسمه من هذه الصفة.
وقد كان هذا الساحل آهلاً بالسكان الى أن أتى الغزو الصدامي واكتسح كل جزء من أراضي الكويت بما فيها الجزر وأجبر الأهالي على النزوح عنها تاركين وراءهم بيوتهم وأمتعتهم وإرثاً طويلاً من الذكريات والأحداث التي توارثوها عن الآباء والاجداد.
ويعود استقرار الأهالي في هذا الجزء الى منتصف القرن الثامن عشر بعد أن عمَّ الوباء القرى القديمة التي كانوا يسكنونها وخلف وراءه الخراب والدمار.
الصباحية
تقع على الساحل الجنوبي الشرقي من الجزيرة، وقد اشتهرت قديماً بوفرة نخيلها الباسق والذي بلغ أكثر من 400 نخلة لدرجة ان السفن قديماً كانت تستدل على الجزيرة من رؤية نخيل الصباحية، كما أن فيها الكثير من الآبار العذبة. وقد بنى أحد أمراء آل الصباح قصراً فيها جعله مصيفاً لعائلته.
ذكر ج.ج لوريمر عام 1904: أن فيها 90 نخلة. وذكر بعض المؤرخين أن سبب تسميتها بهذا الاسم نسبة الى آل الصباح لأنهم نزلوا فيلكا قبل نزولهم أرض الكويت.
تل سعيد
عثر في تل سعيد على الكثير من الآثار المهمة جداً والتي تعود الى عهد الاسكندر وأهمها وأكبرها القلعة اليونانية وهيكل الآلهة المحلية كما اكتشف أحد الأعمدة الكبيرة بقاعدة مزخرفة، بالاضافة الى معبد يحتوي على العديد من التماثيل المختلفة الأحجام، وتاج عليه زخارف ورسومات على شكل سعف النخيل، ودلت الكتابات التي وجدت منقوشة على بعض الآثار التي اكتشفت في هذا التل على أن آثار هذا المكان تدل على انه كان مركزاً ثقافياً ودينياً وادارياً للجزيرة في العهد الهليليني.
كما عثر في هذا المكان أيضاً على أهم اثر تاريخي هو حجر «ايكاروس» والذي تأكد من خلال الرسالة التي نقشت عليه أن هذه الجزيرة كانت تسمى في عهد الاسكندر بهذا الاسم وهو «ايكاروس».
وتبين أنه سُحب من مكانه وألقي على الأرض بقوة، ظهر ذلك من تكسر أجزاء منه وطمس بعض حروف كلماته.
ويبلغ طول الحجر 116 سم وعرضه 62 سم والرسالة التي كتبت عليه باللغة الاغريقية وموجهة الى أهالي «ايكاروس» فيلكا وعدد سطورها 43 سطراً.
كما اكتشفت الى الشمال من هذا التل قلعة يونانية برزت مبانيها بصورة واضحة المعالم، وعثر في بعض غرفها على جرار كثيرة مختلفة الاشكال والاحجام بالاضافة الى عدد من الاختام التي صنعت محلياً ومرسوم على وجهيها صوراً لحيوانات ونباتات وأشكال انسانية عُرفت بعد ذلك باسم الاختام الدلمونية وعددها 400 ختم، ودل ذلك على أن الجزيرة كانت ذات طابع حضاري محلي منفرد ومستقر منذ أقدم العصور البرونزية.
هذا تقرير مختصر عن الحفريات الأولى التي أجرتها البعثة الدنماركية للتنقيب عن الاثار في موسمها الأول، وتوالت بعد ذلك الاكتشافات الاثرية سواء من البعثة الدنماركية او البعثة الفرنسية للتنقيب عن الاثار التي أعقبتها.
سعيدة
تقع قرية سعيدة في أقصى الشمال الغربي من أرض الجزيرة، وقد كانت آهلة بالسكان حتى منتصف القرن التاسع عشر، وتمتاز بساحل طبيعي فسيح ودوحة كبيرة، وكان هذا الساحل فيما مضى ميناءً تجارياً يربط الجزيرة بجيرانها خاصة وانه يقابل ميناء الفاو العراقي وقريباً نسبياً منه. ولا تزال بعض آثار هذه القرية بارزة للعيان على شكل مقابر قديمة وبقايا أساسات مباني. وقد اكتشفت فيها حديثاً آثار اسلامية منها مسجد اثري واضح المعالم.
رويسية
من المناطق الاثرية وهي منطقة قديمة ومشهورة عند أهالي الجزيرة نظراً لوجود قرية كانت آهلة بالسكان في هذه المنطقة، وتبدو على بعض مساحات أرضها بقايا أساسات لبيوت وقبور دارسة.
ويتناثر الحصى وكسر الفخار والزجاج فوق أرضها لعدة أمتار مما يدل على أنها كانت مسكونة الى عهد ليس ببعيد.
وتقع هذه المنطقة الى الشمال من قرية سعيدة، ولها رأس من الأرض يمتد قليلاً داخل البحر يسمى «رأس رويسية»، وهي ملجأ جيد للسفن عند هبوب «رياح الكوس»، كما أنها مكان جيد لصيد السمك ونصب الحظور.
الموقع
تقع جزيرة فيلكا في مواجهة جون الكويت تبعد عن رأس «عجوزة» حيث أبراج الكويت 14 ميلاً بحرياً، كما تبعد عن رأس الأرض في السالمية 9 أميال بحرية، وعن رأس الصبية 7 أميال بحرية.
وهي أهم جزر الكويت وأشهرها، طولها 14 كيلومتراً وعرضها في بعض الجهات 6.5 كيلومتر، وتبلغ مساحتها الاجمالية 44 كم. وهي منخفضة وأعلى نقطة فيها هي: مرتفعات «شبيچة» وترتفع عن سطح البحر حوالي ثلاثين قدماً.
معظم سواحلها رملية ولكن توجد صخور ممتدة داخل البحر بالقرب من سواحل «القحة» و«ظهر طعان» في جنوب الجزيرة، وعند منطقة «البلط» و«سعيدة» في شمالها.
يحيط بها من الشمال الغربي وحتى الجنوب الغربي داخل البحر حد رملي موحل يسمى «الضاروب» تكون عليه المياه في حالة الجزر غير عميقة.
أما المنطقة البحرية المواجهة لساحلها الغربي والذي كان آهلاً بالسكان قبل الغزو الصدامي فيسمى «البندر الكبير» حيث كانت ترسو عنده السفن التجارية الكبيرة «الأبوام» وغيرها. والمجرى البحري من ميناء الكويت الى جزيرة فيلكا بين مطلع الأصل والثريا.
تقع الى الشمال منها جزيرة «مسكان» وتبعد عنها 3.2 كيلومتر، والى الجنوب منها تقع جزيرة «عوهة» وتبعد عنها 4.8 كيلومتر. والمنطقة البحرية الممتدة من شمال «الضاروب» وحتى جنوبه باتجاه ساحل الجزيرة الغربي تسمى «الوكر» وعرفت منذ القدم بوفرة سمك «الزبيدي» وسمك «الروبيان» فيها، كما تقع في هذه المنطقة بعض الصخور المرجانية الكبيرة التي تغمرها مياه البحر وتكثر عندها الأسماك وهي: «العظلة» «الحدبة» و«أم التمر».
والجزيرة ذات موقع استراتيجي مهم، حيث تتخذ من قبل خفر السواحل الكويتية نقطة مراقبة بحرية أمامية للحفاظ على الأمن وقطع دابر المتسللين.
عُرفت منذ القدم كمرفأ جيد للسفن ترسو عند شواطئها وتتزود من آبارها بالمياه العذبة، كما كانت من أولى المحطات التي ترسو عندها السفن التجارية القديمة في طريقها من «أور» الى جنوب الخليج، وقد اتخذها الاسكندر قاعدة لجنوده اثناء مروره في هذه المنطقة في حملته التوسعية نحو الشرق.
وقد اكتسبت مكانة مقدسة على مر العصور حيث كانت مقراً لإله المياه العذبة عند السومريين المعروف باسم «إنكي» بالاضافة الى كونها مقراً لإله البحر المسمى «زيوس» عند اليونانيين، وللألة «ارتميس».
اليونانية
ورد اسمها في الكتابات اليونانية القديمة حيث ذكرها عالم النبات «بيلني» والمؤرخ اليوناني «آريان» الذي دون سيرة الاسكندر وقالا ان اسمها القديم «ايكاروس» وأن الاسكندر هو من أمر بتسميتها به.
امتازت جزيرة فيلكا عن باقي جزر الكويت منذ القدم بمميزات عديدة أهمها: خصوبة أرضها وكثرة آبار مياه الشرب المنتشرة على طول سواحلها مما ساعد على الزراعة، فقد كانت أراضيها الزراعية تغطي أكثر من 70 في المئة من مساحتها حتى الربع الأول من القرن العشرين، بالاضافة الى صلاحية شواطئها لرسو السفن وخلو معظمها من الصخور والشعب المرجانية، ولهذه المميزات وغيرها اتخذها الانسان مستقراً له منذ أقدم العصور.
الثالث
اكتشفت فيها آثار مهمة تعود الى عصور ما قبل الميلاد والعصور الاسلامية المتعاقبة، كما كانت احد المراكز التجارية في عصر السلوقيين الذين أتوا بعد الاسكندر واستقروا فيها وعمروها. وقد عثر فيها على مجموعة من النقود احداها يحمل صورة الامبراطور «انطيوخوس الثالث» الذي حكم الامبراطورية السلوقية ما بين أعوام 253 - 187ق.م.
وكانت للجزيرة ايضاً صلات تجارية مع كل من فارس وحضارة المعينيين. أشهر قراها القديمة التي كانت آهلة بالسكان حتى مطلع القرن التاسع عشر هي: سعيدة، القرينية، الدشت، القصور، رويسية والصباحية.
عُرفت قديماً بكثرة مزاراتها التي فتن العامة بها، ومن أشهر هذه المزارات: مقام الخضر الذي أزيل من قبل بلدية الكويت في صيف عام 1976، وكانت الوفود تصل الى الجزيرة أيام الاربعاء والخميس والجمعة لزيارته، بالاضافة الى زيارة قبر كل من محمد البدوي وشيخ غريب.
أنجبت هذه الجزيرة العديد من العلماء والادباء والربابنة والمهندسين الاقتصاديين والقضاة والرياضيين الذي تتبوأوا مناصب عليا في الدولة.
مسيعيد
وعلى مدى تاريخها الطويل ظهر فيها ايضاً علماء أجلاء تركوا مصنفات مختلفة ونسخوا العديد من المخطوطات الاسلامية وغيرها، أمثال: الشيخ مسيعيد بن أحمد مساعد الذي ترك أثراً مهماً يُعد أقدم مخطوطة خطت في جزيرة فيلكا الى الان، وهو كتاب الموطأ للإمام مالك كتبه في الجزيرة عام 1682م. والشيخ عثمان بن سند أشهر علماء القرن التاسع عشر وله أكثر من 40 مؤلفاً في مختلف العلوم، وله شعر كثير ويقال انه كان يحفظ القاموس المحيط عن ظهر قلب. ولدا هذا العالم الجليل في جزيرة فيلكا عام 1766م.
كما أنجبت هذه الجزيرة الكثير من الربابنة ترك بعضهم مصنفات ملاحية بخطه أمثال: الربان الكبير منصور الخارجي والنوخذة عبدالمجيد الملا صاحب أكبر وأقدم روزنامة بحرية، والمعلم سلطان شعيب.
المصدر
مصدرنا من هذا البحث هو من كتابين المؤرخ الفاضل الذي أرخ تاريخ جزيرة فيلكا خالد سالم محمد وهو يشكر على خدمة تاريخ بلده الكويت نسأل الله له التوفيق والسداد.