مئات الآلاف يحتجّون رفضاً لرفع سن التقاعد

فرنسا تدفع ضريبة قرارات رئيسها والحرب الأوكرانية

تصغير
تكبير

تتحضر فرنسا لنتائج تظاهراتٍ أصابتْ بالشلل قطاعاتٍ عدة احتجاجاً على إصلاح نظام التقاعد الذي يدعمه إيمانويل ماكرون ونوابُه في الجمعية الوطنية.

لكن ما حقيقة هذا القرار ولماذا يَتخذ الرئيس الفرنسي قراراً غير شعبي تعترض عليه غالبية الفرنسيين، وما أسباب الأزمة الحقيقية والمتعددة؟

هناك أسبابٌ عدة تدفع المجتمعَ الفرنسي للخروج إلى الشارع، وهي تتعلّق بطبيعة وثقافة الشعب، بأوضاعه الاقتصادية وبرئيسه والثقة التي منحهه إياها.

أولاً، حصل ماكرون على 24 في المئة من أصوات الناخبين في الدورة الأولى أثناء السباق الرئاسي، وهذا يمثل أقل من 15 في المئة من الشعب الفرنسي.

وقد انتُخب ديموقراطياً لأن خصمه اعتُبر أسوأ منه وتفادياً لوصول اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان التي نافست ماكرون في الدورة الثانية الى الرئاسة.

وتالياً، لم يكن اختيار الشعب نابعاً من دعْمه لبرنامج رئيسِه المنتخَب بمقدار ما كان إشهار «لا» لمنافسيه، وهذا ما يدفع عدداً كبيراً من الفرنسيين للاعتراض على خياراته.

ثانياً، كان ماكرون طَرَحَ فكرة تمديد نظام التقاعد من سن الـ62 إلى 64 أثناء حُكمه الأول.

إلا أن هذا الخيار يُعتبر مثيراً للجدل وستحاربه النقابات وعدد لا يُستهان به من السكان.

ولهذا السبب أجّل المشروع لفترته الرئاسية الثانية لمعرفته أنها فرصته الأخيرة قبل نهاية عهده ولتفلُّته من أي حساباتٍ تتّصل بولاية جديدة.

أما النقطة الثالثة فتتعلق بالأزمة الديموغرافية التي تمر بها فرنسا وأوروبا في شكل عام.

إذ ان عدد السكان الأصليين يتراجع بسبب خيار العائلات إنجاب طفل واحد، أو طفلين كحد أقصى لعدد أقلّ من العائلات.

وهذا يعني أن عددَ السكان يتقلص ومعه الجيل الجديد الذي عليه أن يدفع الضرائب لتُدفع تعويضات نهاية الخدمة لأولئك الذين وصلوا إلى مرحلة التقاعد.

وتالياً فإن النظام الصحي المتقدم والتسهيلات الصحية التي توفّرها القارة الأوروبية أطالت عمر السكان لما بعد 85 عاماً، وهذا يعني أن دفْع تعويضات نهاية الخدمة أصبح عبئاً ثقيلاً على الحكومات.

ولم يجد الرئيس خياراً سوى زيادة الضرائب أو رفْع سن التقاعد لتحصيل المال اللازم للحكومة الفرنسية.

وهذان الخياران من أصعب الخيارات والأقلّ شعبية التي يمكن ان يتخذها رئيس جمهورية في ظل حُكم رئاسي.

إلا ان رفْع الضرائب سيتسبب بهجرة الشركات الكبيرة التي بدأت تُنشئ فروعاً لها في الولايات المتحدة بسبب نقص وارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا وبسبب التسهيلات الضريبية التي تقدّمها أميركا للشركات الصناعية.

علماً أن أوروبا تعتمد على صناعتها التي تؤمّن الثروة لاقتصادها نظراً لافتقار القارة للموارد الطبيعية الغنية التي تدرّ على الدول مدخولاً دائماً مثل النفط والغاز والمعادن النادرة.

ولكن طبيعة الشعب الفرنسي أن يتمسك بمكتسباته: فقد خفضت الحكومات السابقة ساعات العمل من 42 ساعة إلى 35 ساعة أسبوعية مقابل الراتب نفسه.

واليوم تحاول دول أوروبية عدة أن تفرض العمل لغاية سنّ 65 أو حتى 67 عاماً (الدنمارك واليونان وآيسلندا وإيطاليا والنروج).

وتالياً فإن فرنسا تحاول التقدم نحو سن التقاعد المعتمَد لدى أكثر الدول الأوروبية لتحصيل المال اللازم واستمرار دفْع المستحقات للمتقاعدين.

لكن أزمة «كورونا» التي شلّت اقتصاد الدول الغربية (ودولاً أخرى طبعاً) لسنتين، تسببت بضربة كبيرة لمدخول الحكومات، خصوصاً بعد التدابير غير المسبوقة التي اتخذتها فرنسا بتأمين قروض تضمنها الدولة لجميع الشركات كي تدفع الرواتب لجميع الموظفين من دون إستثناء.

وهذا ما تسبب بنقض كبير في خزينة الدولة التي تحاول استعادة عافيتها.

إلا أن الحربَ الروسية - الأميركية على الأراضي الأوكرانية، دفعت أوروبا لفرض عقوبات على الطاقة الروسية الرخيصة واستبدالها بغاز نروجي وأميركي وبسعر أغلى بأربعة أضعاف من تكلفة الشراء التي كانت معتمَدة لسنواتٍ طويلة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن دول أوروبا تقدمت بمساعدات مالية وعسكرية تجاوزت 30 مليار يورو، ما دفع الحكومات الأوروبية إلى فرض سقف لأسعار الطاقة على الشركات الوطنية لتدفع هي الفارق ولامتصاص غضب الشارع.

وتالياً لا يمكن فصْل القرارات الاقتصادية عما يحدث في القارة وكيف تنجرّ أوروبا خلف المصالح الأميركية التي تتعارض مع مصلحة الشعوب الأوروبية.

لكن فرنسا تشهد للمرة الأولى أعداداً ضخمة من المتظاهرين من أعمار مختلفة قدّرتها وزارة الداخلية بـ 1.28 مليون، بينما قدّرتها النقابات العمالية بـ 3.5 مليون.

ومهما كان العدد، فإن شلَل وسائل النقل الجوية والبرية وتوقُّف توزيع النفط أدى إلى عدم وصول المواد المختلفة، منها الغذائية، إلى السكان وتوقّفت محرقة وفرْز النفايات عن العمل وتراكمتْ آلاف الاطنان من النفايات في شوارع باريس.

ودعتْ النقاباتُ إلى تظاهرات أخرى في الأيام المقبلة وإلى توقف قطاعات أخرى عن العمل للضغط على الرئيس الذي «لا يستمع إلى الشعب ولا يريد إجراء استفتاء» كما تتّهمه النقابات.

تمر القارة العجوز بأخطر مراحل اقتصادية شهدتْها منذ قرون. فقد بدأت الدول بفتح الباب للمهاجرين الشرعيين بهدف زيادة عدد السكان وإعادة الحياة إلى الاقتصاد.

إلا أن سياساتِ المسؤولين يجب ان تتماشى مع مصالح شعوبها وألا يُوجِد هؤلاء فراغاً كبيراً بينهم وبين احتياجات شعوبهم، كما أظهرت السياسات الأوروبية الخاطئة في حرب أوكرانيا والتي تضرب الاقتصاد أكثر، ولاسيما إذا انخرطت الدول الأوروبية - المُستدينة بتريليونات من اليورو - بإعادة إعمار ما دمّرتْه الحرب في أوكرانيا القريبة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي