هل تشنّ أميركا وإسرائيل حرباً على إيران أم أن رفع الصوت... «زوبعة داخل الفنجان»؟

صورة أرشيفية لنتنياهو خلال حديثه في الأمم المتحدة عن النشاطات النووية لإيران
صورة أرشيفية لنتنياهو خلال حديثه في الأمم المتحدة عن النشاطات النووية لإيران
تصغير
تكبير

رفعتْ إسرائيل الصوتَ من جديد، مُبْدِيَةً استعدادَها لتوجيه ضربة عسكرية لإيران استباقاً لحصولها على منظومة الدفاع الجوي الروسية «أس - 400»، أو لمنْعها من حيازة أسلحة نووية.

ويتزامن هذا «التسريب» مع زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لإسرائيل، بعد زيارة مماثلة قام بها قائد القوات الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي، وسط تقارير صحافية تحدثت عن أن تل أبيب طلبت تعاوناً عسكرياً لتوجيه ضربة إلى إيران... فهل تستطيع إسرائيل منفردة أو بالتعاون مع أميركا شنّ حرب على إيران أو حتى ضرْب مفاعلاتها النووية؟ وما تبعات العمل العسكري في الشرق الأوسط؟

ليس بجديد على إسرائيل التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، رفْع الصوت في وجه إيران والتهديد بتوجيه ضربة عسكرية استباقية، كما هي الحال دائماً تبعاً للعقيدة التي تسمح فيها إسرائيل لنفسها بمهاجمة دول وخرق القوانين الدولية من دون محاسبة.

وقد ظهر نتنياهو مراراً في الأعوام الماضية على منبر الأمم المتحدة وفي محافل أخرى بـ «رسومات»، زَعَمَ فيها أن إيران أصبحتْ على مسافة قريبة من إنتاج القنبلة النووية من دون أن تصل طهران إلى المستوى المطلوب للقدرة النووية العسكرية، بحسب ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

إلا أن الأخبار الأخيرة المتداوَلة حول آثار تدلّ على وجود يورانيوم منقى بنسبة 83.7 في المئة، دفعتْ جهات عدة إلى رفْع الانذار حتى ولو كانت هذه الآثار لا تؤشّر إلى خط إنتاجٍ (بل ذرات مشبعة) يتّجه نحو الـ90 في المئة، أي إلى النسبة العسكرية التي تتيح إنتاج 25 كيلوغراماً من اليورانيوم النقي، وهي الكمية الضرورية لصنْع قنبلة ذرية.

جمدت أوروبا الاتفاقَ النووي الذي خرجت منه أميركا عام 2018 والتزمت به إيران لعام كامل قبل أن تبدأ برفع التخصيب إلى درجة 5 في المئة إلى حين وصول الرئيس جو بايدن إلى سدة الحكم، والذي وعد بالعودة إلى الاتفاق النووي.

إلا أن عدم تقديم الولايات المتحدة الضمانات اللازمة، دفعتْ طهران إلى رفْع التخصيب إلى نسبة 60 في المئة، من دون أن تتسبب الخطوة في إقناع الإدارة الأميركية بالإفراج عن عشرات المليارات من الدولارات المحتجَزة لدى الغرب، ولا برفع العقوبات التي أضاف عليها بايدن عقوباتٍ جديدةً في سنوات رئاسته.

وبدا أن التزام إيران بعدم إنتاج القنابل النووية وغياب مؤشرات تدلّ على ذلك، دفع الإدارة الأميركية إلى خفض التصعيد في وجه طهران مع ابقائها تحت العقوبات القاسية ما دامت تتحدى الأحادية الأميركية، وتتمتع بحلفاء أقوياء مخلصين لها، وتقف إلى جانب روسيا في خندق واحد في مواجهة حلف «الناتو»، وتدير ظهرها للغرب وتوقّع الاتفاقات الإستراتيجية مع الصين.

ويتزامن تهديد تل أبيب مع الوضع الداخلي المتأزّم وانتقاد علني أميركي لأعضاء من الحكومة الإسرائيلية، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي يسلّح المستوطنين ويدفعهم للهجوم على القرى الفلسطينية، ووزير المالية بتسلإيل سموتريش، الذي دعا علناً إلى حرْق قرية حوارة الفلسطينية.

ويتظاهر مئات الآلاف (400 ألف بحسب آخر الإحصاءات) من الإسرائيليين ضد حكومتهم التي تريد إلغاء استقلالية القضاء الممثل بالمحكمة العليا وتغيير التوازن بين السلطات، حيث يرفض المتظاهرون الالتحاق بالخدمة العسكرية في ظل الحكومة الحالية نظراً إلى أنهم يشكلون الجزء الأكبر من الاحتياط الذي يعتمد عليه الجيش «الذي لا يُقهر»، والذي يبدو أنه يُقهر من الداخل ومهدَّد بالتآكل ويدفع إسرائيل نحو أخطر أزمة احتياط منذ إعلان كيانها.

وبدا أن هذا الواقع يدفع نتنياهو للهروب إلى الأمام والتلويح بضرب إيران في محاولة لإظهار الحاجة إلى التوحد داخلياً ضد عدو أكبر خارجي، وفي اعتقاده أنه يستطيع حرْف الأنظار عن أزمته الحقيقية في الداخل، والتي لا يجد مَخْرجاً لها من دون أن يتسبب في إسقاط حكومته التي نشأت من خلال تحالف المتطرفين، أمثال بن غفير وسموتريش.

وهذا لا يعني ان حال العداء الأيديولوجي الثابت بين إيران وإسرائيل، تتغير أو تنخفض، بل إن طهران تدرك أن حلفاءها أقوياء في فلسطين ولبنان وسورية والعراق، وهي جبهات يمكن أن تتوحّد لتفتح النار على تل أبيب في حال مواجهة عسكرية شاملة مع إيران وفي حال تطلبت المعركة انخراط الجبهات المتعددة.

لا تستطيع تل أبيب وَحدها توجيه الضربة لطهران من دون مساعدة أميركية ليصار إلى تقاسم التبعات، خصوصاً أن بعض المنشآت النووية الإيرانية موجودة في عمق الجبال وتحتاج إلى «أم القنابل» الأميركية غير المتوافرة لإسرائيل.

كما تحتاج إلى إمكانات أميركا اللوجستية وتزويد طائراتها بالوقود في الجو لقطع المسافة وضرب إيران والعودة إلى قواعدها.

وهذا يعني أن الضربات التي ستُوجَّه إلى إيران تحتاج إلى أيام عدة متواصلة - بين 3 إلى 5 أيام - لاستهداف المنشآت النووية والعسكرية. كذلك تحتاج إلى تحالف غربي، وبالأخص أوروبي، وهذا غير متوافر بسبب عدم اقتناع المجتمع الغربي بالذهاب إلى حرب مع إيران، خصوصاً أن نتائج الحرب ضد روسيا ترهق هذه الدول التي مازالت منغمسة فيها.

ولكن هل تتوقع إسرائيل وأميركا أن تتفرّج إيران على قدراتها تُقصف من دون أن تنبس ببنت شفة؟

هذا ما لن يحصل. فإيران تستطيع أن تردّ منفردةً بالصواريخ الدقيقة والمسيَّرات، كما لديها القدرة للردّ مجتمعة.

وهذا يعني تَعَرُّض عشرات القواعد العسكرية الأميركية والإسرائيلية ضمن مسافة قدرة الصواريخ الإيرانية، مثلما قصفت قاعدة عين الأسد في العراق بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني ورفيقه أبومهدي المهندس على طريق مطار بغداد عام 2020.

إيران، قطعت أشواطاً مهمة في إنتاجها العسكري المتطور والذي أصبح يصنّع ويورد ليس فقط إلى حلفاء الشرق الأوسط بل إلى دولة عظمى، مثل روسيا التي استفادت من الخبرات العسكرية الإيرانية، وفي مجالات تكتيكية أخرى لم يُكشف النقاب عنها بعد.

من هنا، فإن إسرائيل المأزومة لا تملك القدرات لضرب إيران من دون أن يتسبب ذلك بتدميرٍ متقابل سيزيد من حنق الإسرائيليين على قادتهم إذا تشارَكتْ صواريخ طهران التي تُطلق من مسافة بعيدة مع حليفها في لبنان الذي يستطيع إغراق منظومات الدفاع الإسرائيلية من مسافة قريبة لتصل الصواريخ المدمّرة إلى أهدافها ولو بنسبة قليلة.

لا توجد رغبة لدى الولايات المتحدة في خوض حرب جديدة، ما دامت حرب أوكرانيا مستمرة وتشكل خطراً مباشراً على هيمنة أميركا التي تخشى أيضاً الصين وضرورة مواجهتها يوماً ما في المستقبل.

ولذلك فإن تعدُّد الجبهات سيُضْعِف أميركا أكثر بسبب نتائج الحروب، منذ أفغانستان والعراق وسورية وليبيا، حيث لم تظهر قدرة واشنطن على السيطرة على هذه الدول بعد احتلالها، بل على العكس. ولهذا فإن رفْع الصوت حيال إمكان الحرب ضد إيران، ما هو إلا «زوبعة داخل فنجان» إسرائيلي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي