ترويكا الشيوخ والمطلب الشعبي

تصغير
تكبير

أكد الدستور الكويتي على أن الأصل الجوهري للحكم وإدارة شؤون الدولة هو حماية البلاد من التهديدات الخارجية والداخلية وتحقيق مصالحها الوطنية والحفاظ على وجودها وتماسك مقومات وحدتها وضمان استقرارها، ولتحقيق ذلك تبنّى نظامها السياسي دستوراً آخذاً بالاعتبار ما يناسبها من النظم المعمول بها عالمياً الوراثية والرئاسية والبرلمانية، وإعمالاً بهذا الدستور اضطلعت الدولة في مسؤولياتها بالمحافظة على كيانها وتحقيق الاستقرار والطمأنينة لشعبها وتقديم الرعاية لمواطنيها، وعلى نحو مثالي ومُبالغ فيه أحياناً لدولة «الرفاهية» أو نموذج صارخ للدولة «المعيلة».

لقد كانت الكويت موضع تقدير وإعجاب دول المنطقة وشعوبها، ورغم ذلك فإن قراءة المشهد الحالي للبلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً تؤكد أنّ الدولة أصبحت تواجه عدداً من التحديات والصعوبات والتي في جوهرها ذات طبيعة سياسية تخلقها وتغذيها نزاعات فئوية ومصالح خاصة لها تداعيات ومردودات أخلت بأداء المؤسسات الدستورية وأجهزتها التنفيذية، وأضعفت دورها الريادي وجعلتها تواجه جُملة من الأزمات المتداخلة في علاقاتها والمتجددة في طبيعتها والمتحرّكة في آفاق أبعادها، ولعلّ أهم هذه الأزمات: الممارسة غير الرشيدة للديموقراطية، عدم استقرار التشكيل الحكومي، تفشي ممارسة الفساد بشتى صوره وأنواعه، عدم رضا المواطنين عن الأداء العام للحكومة وتراجع الثقة بها، سيادة مظاهر ازدواجية الولاءات والتسييس لكل شيء بغض النظر عن استحقاقاتها الموضوعية، أزمة فصل السلطات الدستورية وتراجع قيمة التعاون البناء بينهما وعدم إدراكهما لمهددات الأمن الوطني والتأكيد على قدسيته وجعله المحور الأساسي الذي تنطلق منه كل الجهود على المستويين الرسمي والشعبي.

إن تأمل الأوضاع الإقليمية والدولية وقراءة ما نشهده من صراعات دولية ومن تحولات في المواقف وتغييرات في الترتيبات وتراجع في الالتزامات على المستويين الإقليمي والدولي يجعل الاحتمالات بمستقبل المنطقة غامضاً والتوقعات مُبهمة والترتيبات مجهولة ومعقدة، خصوصاً في ما قد تؤول إليه نتائج الأوضاع المستقبلية في كل من إيران والعراق، وانعكاس ذلك على الأمن الوطني للمنطقة.

لا شك بأن التطورات والتحديات التي تحيط بالمنطقة العربية خصوصاً دول مجلس التعاون من اليمن، وباب المندب، والبحر الأحمر وصولاً إلى مياه الخليج من مضيق هرمز، إلى أقصى شمال الخليج الكويت والعراق هي تحديات غير مسبوقة في ظل توترات إقليمية بسبب فشل الأنظمة السياسية في كل من إيران والعراق وسورية ولبنان واليمن، الأمر الذي يستدعي والحالة هذه إلى تدارس هذه المرحلة وفق المنظور الكويتي للأمن الوطني في ما يخص ‏الاستعداد الداخلي لتداعيات المرحلة المقبلة وتأثيراتها المستقبلية الخطيرة.

إنّ هذه التحديات والأزمات تستدعي أن تتفاعل الحكومة وبشكل واضح وجلي في الشأن العام وتقوية دورها الريادي والارتقاء بأدائها وتعظيم هيبتها وتأكيد قدرتها على فرض القانون والحزم في تطبيقه، وتوفير الشفافية والرقابة وتفعيل قواعد المساءلة وترسيخ مبادئ العدل والمساواة. وهذا لا يتأتى إلّا باختيار وزراء حقيقيين مشهود لهم بالكفاءة والقدرة ولديهم الرؤية والإرادة الصلبة والثقة بالنفس وليس بموظفين بدرجة وزير.

ومن هذه المنطلقات فإن ترتيب بيت الحُكم أصبح مطلباً شعبياً مُلحّاً قبل أن يكون مطلباً للأسرة الحاكمة نفسها، ولنا تجربة بعد وفاة سمو الشيخ جابر الأحمد، طيّب الله ثراه، وتسلم سمو الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، مسند الحُكم والظروف التي واكبت ذلك الانتقال السياسي، ولا ننسى هنا دور الممارسة الديموقراطية في إضفاء صفة الشرعية خلال ذلك الانتقال بكل سلاسة.

ومن هنا نرى أهمية وجوب ترتيب بيت الحكم ليكون صمام الأمان الذي حافظ على الكيان الكويتي منذ التأسيس، وقد أثبتت هذه الممارسة بأنه نظام مرن يتفاعل ويتجاوب مع رغبات مواطنيه، إلا إن ما يتم تداوله من خلال وسائط التواصل الاجتماعي خاصة في الآونة الأخيرة من أقاويل هنا وهناك عن وجود صراع في سعي البعض للنفوذ بغض النظر ما إذا كان يستحق هذا النفوذ أم لا. إن هذا الأمر لا شك سوف يؤثر على الاستقرار السياسى الداخلي وعلى الأطراف ذات الصلة، ناهيك عن الصورة الباهتة التي ستطغى خارجياً.

لذلك فإنني كمواطن غيور أقترح بأن يقوم بيت الحكم بتشكيل فريق «ترويكا» من أبناء الأسرة المشهود لهم بالإيمان بالديموقراطية لمعاونة القيادة السياسية على ألا يتجاوز عددهم خمسة أشخاص تجمع بينهم معايير سمات رجال دولة من حيث الورع والحكمة والكفاءة والخبرة والتوافق الفكري، ونظافة اليد والسمعة الطيبة لدى الشعب مع ضمانات الاستمرار والاستقرار في عمل هذا الفريق لمواجهة هذه التحديات والأزمات التي تم ذكرها ولتحقيق رؤية الكويت 2035، وطموحات الدولة الإستراتيجية وخططها التنموية، على أن يكون هذا الفريق مساعداً صلباً للحكومة المقبلة في إعاده ثقة الشعب بها، على أن تقوم الحكومة بالتنسيق مع فريق الترويكا بتشكيل فرق عمل لمراجعة الدستور ونظم الانتخابات، ودراسة وضع الخطط لإنجاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى تعزيز مبدأ تعاون السلطات وتأكيد قيمة التعاون البناء بينهما كما حدث خلال إدارة أزمة جائحة كورونا، والعمل الناجح المبهر الذي قامت به حكومة سمو الشيخ صباح الخالد، في طريقة إدارتها وتعاملها المميز مع الجائحة بكفاءة عالية وفاعلية مؤثرة بالتعاون مع البرلمان، والتي حظيت آنذاك بإعجاب النواب والمواطنين والمقيمين، ونالت تقدير العالم في إدارة الأزمة.

حفظ الله الكويت وطناً وشعباً من كل مكروه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي