مشاهدات
الأنشطة الطلابية... حاجة لا ترف
قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين منا عندما نتناول موضوع الأنشطة المدرسية للطلاب، أننا نتحدث عن برامج ثانوية بالنسبة إلى ما نعتبره أساسياً في البرامج التعليمية الأكاديمية الأخرى، أو قد يصنفه البعض في خانة الكماليات التي يمكن أن نستغني عنها لسبب أو آخر.
وإن كنا لا نناقش هذا الأمر بشكل مباشر حول نظرتنا إلى مفهوم الأنشطة المدرسية ومدى أهميتها، إلا أن ممارسات بعض التربويين، والأهالي، تشير إلى هذه الحقيقة التي ذكرناها في مقدمة موضوعنا، حيث إن من النادر أن نجد من الأهالي من يدقق بمستوى الأنشطة المدرسية ونوعيتها، خلال اختيار مدرسة أبنائه، وفي المقابل فإن المدرسة أيضاً تركز في الإعلان عن برامجها الأكاديمية بشكل أكبر من الإعلان عن أنشطتها المدرسية الداعمة.
فماذا نقصد بالأنشطة المدرسية الداعمة؟ وما الهدف منها؟
تعد الأنشطة الطلابية جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية، بما تهدف إليه في بناء وصقل شخصية المتعلم ليكون إنساناً اجتماعياً فاعلاً منفتحاً على قضايا عصره، ومواطناً صالحاً، يمتلك المهارات اللازمة لمواجهة التحديات التي تصادفه في حياته اليومية، وتساعده في معايشة وفهم الواقع من خلال إيجاد فرص حقيقية تسمح له بالتنافس الإيجابي، وتقبل الآخرين، وتنمية مواهبه المختلفة...
وتتمثل الأنشطة المدرسية في التالي:
- تفعيل دور الأندية المدرسية المتنوعة التي تلبي ميول وهوايات وقدرات المتعلّمين، وتلاحظ الفروقات الفردية بينهم، وتعزز حبهم لمدرستهم وقضاء وقت أطول فيها مع أصدقائهم في أمور مشتركة تهمهم جميعاً.
- إقامة المباريات المختلفة ذات الأهداف الأكاديمية المختلفة والرياضية والفكرية، والصناعية والحرفية... داخلياً، وخارجياً بما يضيف جواً من التنافس والحماس سيؤثر بشكل إيجابي في زيادة شعور المتعلمين بالفرح، والانتماء للمدرسة ولمعلميها، ومن ناحية ثانية سيزيد من قابلية التعلم لديهم.
- الرحلات التعليمية والترفيهية:
وتعتبر الرحلات التعليمية من أهم العوامل المساعدة في تحقيق المكتسبات التعليمية وإيصال المفاهيم الأكثر صعوبة، لما تقدمه من وسائل حسية مباشرة، ومستوى عال من المشاركة بين المتعلّمين، كما تلعب الرحلات الترفيهية في تعزيز المهارات الاجتماعية ورفع روح المواطنة والانتماء إلى الأرض والولاء لها من خلال التركيز على تطبيق القواعد والقوانين المطلوب اتباعها في أماكن الرحلات، كما تساعد في تنمية مهارات التواصل وبناء علاقات وصداقات موجهة في جوّ أكثر راحة للمتعلمين...
- الزيارات العامة والهادفة:
وترتبط بالأنشطة التي تركز على المناسبات الاجتماعية والإنسانية، والوطنية... كتنظيم زيارات لدور المسنين، أو ذوي الاحتياجات الخاصة... أو زيارة آثار وطنية، وذلك لتنمية الحس الوطني الإنساني والاجتماعي لدى المتعلمين.
- تنفيذ الأنشطة التطوعية:
يعتبر مفهوم الخدمة الاجتماعية من المفاهيم التي يتم التركيز عليها في البلدان المتقدّمة والناجحة، لأن تعزيز فكرة التطوع بخدمات اجتماعية منذ أيام الدراسة، سيساعد على إدخال هذه الفكرة في أذهان تلاميذتنا ليكونوا فاعلين في المستقبل ومسؤولين في حياتهم الخاصة، وفي مجتمعهم.
- إقامة معارض المنتجات الطلابية:
إن مثل هذه المعارض تكون لها أهمية على أكثر من صعيد، فمن الناحية التعليمية ستحفز المتعلمين على بذل الجهد الكبير، والعمل بدقة وجودة في عملهم، لأنهم سيسعون لتقديم الناتج الأفضل، كما ستعزز مهارات التعاون والتواصل بين مجموعات العمل، وتعطيهم فرصة أكبر للمشاركة ومناقشة أفكارهم وبالتالي فهم ما يتعلمونه.
- إحياء المناسبات الوطنية:
لتنمية حس المواطنة، وتكريس تمسكهم بالعادات والتقاليد، وتعزيز الاعتزاز والفخر بما لديهم من تراث الرعيل الاول، كما أن المشاركة في إحياء هذه المناسبات قد تسمح بتنمية المواهب المختلفة خاصة ما يرتبط بالتمثيل وإلقاء الكلمات والخُطب وغيرها...
- إقامة الأنشطة الثقافية:
إعداد مجلة المدرسة، وزيارة المعارض كمعارض الكتب ومراكز الأبحاث العلمية، إن تعزيز هذا النوع من الأنشطة المدرسية، سيزيد من التنوّع الثقافي وتنمية الحس العلمي والبحثي لدى المتعلّمين، ويجعلهم أكثر انفتاحاً على عصرهم، وعالمهم، كما سيحفز لديهم حب المعرفة، ويجعلهم أكثر وعياً لمجتمعهم، وغيرها من المجتمعات.
- دور وزارة الشؤون:
فهي المسؤولة عن المراكز الشبابية المنتشرة فى جميع المناطق السكنية، فالمفترض قيامها بدورها المنوط بها في الاهتمام والعمل على عودة تلك الأنشطة، والقيام أيضاً بدورها الفاعل في استقطاب الشباب كما كانت تفعل في السنوات السابقة.
- دور المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب:
المكتبات العامة لها دور بارز في تنمية ثقافة الإنسان المحب للاطلاع، وتساعد الطالب والباحث في الاستزادة مما تحويه من درر في شتى صنوف العلم والمعرفة، وللأسف بدلاً من تأصيل هذا الدور والارتقاء به حتى لا تفقد المكتبة العامة هويتها وروادها ولتظل المصدر الأساسي في اقتباس المعلومات في ظل تطور عالم التكنولوجيا والاتصالات وثورة الانترنت، نجد مكتباتنا العامة الآن في وضع لا تحسد عليه...
- دور الهيئة العامة للبيئة:
إنّ تعزيز المفهوم البيئي لزيادة حس المسؤولية المشتركة لدى الطلاب من الأهداف الأساسية والمهمة في تربيتهم على المسؤولية المشتركة والحفاظ على الموارد المستدامة للأجيال اللاحقة، من هنا فإن إشراك المتعلمين في أنشطة بيئية تناسب فئاتهم العمرية، كالمشاركة في حملات التشجير والنظافة والزراعة والرحلات البيئية الاستكشافية... ينمي لديهم حب الطبيعة والبيئة ويساعدهم في الحفاظ عليها والاهتمام بها.
وفي سياق الحديث عن أنواع الأنشطة كما تقدم، سأكتفي بما تم عرضه، لأجيب عن السؤال الأساسي وهو لماذا يدور الحديث اليوم حول الأنشطة المدرسية؟
- في زمن لم يعد التعليم قائماً على شرح بعض الحقائق والمفاهيم، وأصبحت المعرفة في متناول الجميع صغيراً وكبيراً، وذلك نتيجة الانتشار الواسع لاستخدام الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة، وحيث زادت الرغبة بالتعلم الفردي المستقل، بما سيزيد حتماً من ضعف المهارات التواصلية والاجتماعية، وحس المواطنة لدى أبنائنا، أصبح من الضروري أن تعمل المؤسسات التربوية على التفكير بالعوامل الجاذبة، والمحفزات التي تعزز انتماء المتعلمين للمدرسة، وتشعرهم بالحاجة إلى تواجدهم فيها لوقت أطول، ولعل الأنشطة المدرسية هي إحدى هذه الطرق.
والأهم من ذلك كله أن الأنشطة المدرسية تساعد إلى حد كبير في الكشف عن المواهب المختلفة والميول في الاتجاهات المستقبلية للتلميذ ذاته وللمعلمين وللأهل، لأن إتاحة الفرصة أمام المتعلمين في المشاركة بأنشطة متنوعة تعطيهم ثقة بأنفسهم وقدراتهم وتتيح لهم تحديد مواطن القوة والضعف، والتركيز على ما يرغبون ويقدرون القيام به، وقد يبرعون في جانب من الجوانب غير المواد الأكاديمية.
أخيراً، قد تختلف الأنشطة المدرسية في مضامينها وأنماطها وأساليبها، لكنها حتماً تتشابه في أنها تهدف في غاياتها النهائية للوصول إلى منفعة الإنسان والمجتمع، فهي من أهم الوسائل الناجحة لتنمية مهارات المتعلمين، وجعل التعلم أكثر معنى لديهم، وجعلهم أكثر انتماءً وتعلّقاً بمدرستهم، وأكثر وعياً لمواهبهم وقدراتهم ولاحقاً أكثر فعالية في مجتمعهم.
في الجيل السابق كانت تلك الأنشطة فاعلة ولها دور اجتماعي فعّال لإشغال وقت الفراغ، والشباب لم يكونوا يعانون من مشاكل الفراغ، والمفترض من الجهات المسؤولة أن تتبنى تلك الأفكار الإيجابية التي تطرح لبناء جيل فاعل لما فيه خير الوطن.
اللهمّ احفظ الكويت آمنةً مطمئنةً، والحمدُ لله ربّ العالمين.