ليس لديّ احصائية دقيقة عن نسبة الزيادة في أعداد الوفيات في الكويت، ولكن لديّ شعور ان تلك النسبة تزداد باضطراد يوما بعد يوم، وذلك من خلال اعداد الجنائز التي يصلى عليها يوميا في المقبرة ومن خلال اعداد اللوحات الارشادية التي تدل على بيوت العزاء والتي تكاد تراها في كل شارع ومنطقة.
الموت مصيبة بكل ما تعنيه الكلمة سواء أكانت للكبير المريض ام الصغير السليم، ولا يشعر بحجم الصدمة والمصيبة مثل الام المكلومة والاب الحنون، ولولا ايمان الناس بالقضاء والقدر وبأن امر الله تعالى نافذ لا محالة لمات الاحياء من شدة حزنهم على موتاهم، كما قالت الخنساء في رثاء اخيها «صخر»:
يذكرني طلوع الشمس صخر
وأذكره عند كل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي
على اخوانهم لقتلت نفسي
لكن المسلمين لديهم من الايمان بالقضاء والقدر ما يجعل صبرهم اكبر بكثير من غيرهم على المصائب.
في الكويت ظاهرة عجيبة في التعامل مع الموت لاتكاد تجدها في اي بلد آخر، فلا يكاد يتوفى احد الا ونرى آلاف البشر يتدفقون على المقبرة وعلى منزل التعزية ليواسوا اهل الفقيد، وترى اناسا لم ترهم منذ عشرات السنين، كما ان حضور كبار رجالات الدولة لبيوت التعزية وعلى رأسهم سمو أمير البلاد وولي عهده - حفظهم الله - هي ظاهرة لا يمكن ان تجدها في اي بلد وتدل على ان مجتمعنا بفضل الله تعالى متماسك ومليء بالمحبة والتآخي بين الناس.
يتخلل العزاء ذكريات جميلة ومناقشات مفيدة دون تحضير مسبق لاسيما بين كبار السن الذين يذكرون اهل الميت بمآثر الفقيد ويترحمون عليه، ويسدون نصائح للحاضرين ثم يذكرون الناس بالموت وقربه من الجميع، فتتحول تلك الايام الثلاثة إلى ورشة عمل تحت عنوان «تذكر الآخرة والاستعداد للموت» اما النساء فهن اشطر من الرجال في تعزية اهل الميت والوقوف مع ام الميت او زوجته او ابنته، وبعض المواعظ التي تقوم بها بعض الداعيات استغلالا للحدث وتخفيفا من هول الصدمة على اهل الميت، حتى انني اسمع عن بعض الامهات اللاتي فقدن ابناءهن بأنهن يشعرن بالوحشة بعد انتهاء العزاء من كثرة الحنان الذي وجدنه ممن عادوهن للتعزية ووقفن معهن في مصيبتهن، لا اراكم الله مكروهاً.
د. وائل الحساوي
[email protected]