في المطالعة الأولية التي تناولناها في الحلقة الأولى من أن «خدمة الوطن تكليف وليست تشريفاً»، نسهب في تسليط الضوء اليوم على أن هناك فعلاً خطأ في فهم مسؤولية عمل القيادي، فتلك الوظيفة ليست للبهرجة والتفاخر والتعالي والكسب المادي، إنما هي لخدمة الوطن والمواطنين والحفاظ على مقدرات الدولة، والإمكانات التي تمنح للقيادي لمباشرة أعماله الوظيفية العامة ليست مطلقة وإنما الهدف منها تحقيق (الصالح العام).
فالقيادي إذا ارتكب أفعالاً لا تمت بصلة للصالح العام وجر مصلحة سواء لنفسه أو لغيره من المقربين منه، يجب أن يحاسب بصرامة لإخلاله بمهام عمله.
فالهدف من الوظيفة كقيادي هو توفير البيئة الصحيحة لأبنائنا واحفادنا ليتسلموا الأمانة ويكملوا مسيرة بناء الوطن مستقبلاً.
فبينما معظم الرجال والنساء المخلصين الذين خدموا هذا الوطن، وهم يمثلون غالبية الشعب ومنهم قياديون، اخلصوا لهذا الوطن ولمسؤولية الوظيفة دون منّة أو استعطاف لمعاش تقاعدي، هم آخر من يفكر بهم.
إن طرح قضية المعاش الاستثنائي مستحقة شعبياً لوقفه وإسقاطه حتى تعم العدالة بين الشعب.
وقد حرص الإسلام على قيام الإنسان باتقان عمله وأداء واجباته بنشاط واستقامة وأن يبتعد عن الغش والخداع وأكل أموال الناس بالباطل.
القيادي الناجح يفرض النجاح ويعبر بمؤسسته من مرحلة الركود والبقاء في مؤخرة الركب إلى مرحلة الانجاز والاستقرار والسير في مقدمة الركب، بل هو من يتخذ القرار الحازم.
فالقيادي يجب أن يكون واسع الثقافة وعالي التعليم، يعرف كيف يتخذ القرار الصحيح للوصول إلى الهدف المرجو لتطوير إدارته، ومن الصفات التي يجب أن تتوافر فيه رجاحة العقل وحكمة التصرف والكفاءة والرؤية الثاقبة.
فلذلك يجب متابعة كل القياديين، فمن يعمل وله بصمة واضحة لا بأس بمكافأته ومن لا بصمة لديه ولا يعمل شيئاً غير الكلام وهدر الوقت والمال وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح فتجب محاسبته واعفائه.
(قياديون ولكن)؟
يجب البحث والتدقيق في اختيار القياديين، بل يجب أن يتصف شاغلو تلك المهنة بصفات منها أن يكون متحدثاً لبقاً بارعاً، من خلال كلامه يحدد الهدف المطلوب ويحدده بدقة، فكل كلمة تقال تحسب عليه وعلى الجهة التي يمثلها.
التناقض
قبل أشهر عدة أعلنت الحكومة بأنها تعاني من أزمة مالية حادة، وأنها قد لا تستطيع دفع الرواتب بسبب نفاد السيولة المالية؟ والآن نجد بأن البذخ المالي والإسراف وبعثرة الأموال يميناً وشمالاً يقر لبعض الأطراف دون الأخرى عن طريق المحاباة وإعطاء أموال طائلة كرواتب استثنائية وكأنه أمر عادي - فهل يوجد تخبط أكثر من هذا؟
من وجهة نظرنا فإن جميع العاملين في مختلف الوظائف يجب أن يقّدروا، ولا تمايز و لا أفضلية لجهة ما على الأخرى، وهناك الكثيرون ممن يعملون بإخلاص، وفيهم من الكفاءة والإنتاجية والإبداع في أداء المهام الموكله إليهم، فلا يجوز بأن يتم استثناء فئة ما للحصول على راتب استثنائي مدى الحياة، فالعدالة مطلب أساسي تقّرها جميع الأديان السماوية.
وهنا نطرح سؤالاً عاماً:
هل كل من استثني من القرار له بصمة واضحة في تطوير العمل في القطاع الذي يعمل فيه؟ من الواضح بأن هناك فئة مختارة تستفيد من الحصول على هذه الميزة المالية بسبب المحاباة والواسطة، والأصل بأن يكون العمل خالصاً لما فيه خير الوطن، والجميع يعمل نظير الأجر فلا داعي للتفرقة بين الموظفين نظير عطايا خاصة لفئة دون فئة.
ولنسأل رجال القانون، هل المادة 80 أقرت لمساعدة أصحاب الرواتب المتدنية عند الاحالة إلى التقاعد، أم هي أقرت لمساعدة الوزراء والنواب والفئات الأخرى المختارة أصحاب الرواتب العالية؟
الوطن ليس مالاً ينتهبه البعض انتهاباً بل هو حب وتضحية وإخلاص له لرفع رايته عالياً بين الأوطان.
ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعَهُ
وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا
عهدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً
كنعمةِ قومٍ أصبحُوا في ظلالِكا
فقد ألفته النفسُ حتى كأنهُ
لها جسدٌ إِن بان غودرَت هالكا
وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إِليهمُ
مآربُ قضاها الشبابُ هنالكا
إِذا ذَكَروا أوطانهم ذكَّرتهمُ
عهودَ الصِّبا فيها فَحنُّوا لذالكا
اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.