No Script

الناظم الرقابي ردّ بأن النقاش الحكومي المصرفي على تسعير الدولار فني ويتعيّن تحديده وفقاً لاحتياجات الطرفين

البنوك تشكو لـ«المركزي»: «هيئة الاستثمار» استغلّت المتغيرات وأشعلت الفائدة

تصغير
تكبير

- الدولار صار عزيزاً على البنوك خصوصاً المضطرة
- 6 في المئة فائدة الوديعة الحكومية بالدولار لأجل سنة
- 200 نقطة هامشاً مطلوباً فوق «الليبور» مقابل 10 أيام «كورونا»
- تنافسية البنوك لم تغذِّ هذه المرة مسار الفائدة بل الطلب الاستثنائي
- تغير اتجاهات الفائدة عالمياً وتوقّع زيادتها قريباً حفّزا على القبول بتسعير تاريخي
- مناورة مصرفية للحفاظ على حبل الود الحكومي موصولاً تضمن تخلياً جزئياً وتفاوضاً

يبدو أن مسؤولي الخزينة في الهيئة العامة للاستثمار، قرروا التشدّد مع البنوك في تسعير ودائعهم بالدولار، بتبني آلية فائدة جديدة، دفعت بعض البنوك إلى الاعتذار عن تجديد ودائع استحقت آجالها، والتفاوض على أخرى بمعدل فائدة أقل من المستهدف تجنّباً للكسر الحكومي.

وفي هذا الخصوص، كشفت مصادر مصرفية أن الدولار الحكومي صار عزيزاً على البنوك، وتحديداً بالنسبة إلى المصارف المضطرة للحصول على مزيد من الودائع الحكومية أو للحفاظ على ترتيب هيكل ودائعها، مشيرة إلى أن الأسعار التي تطلبها «هيئة الاستثمار» على ودائعها الدولارية تتجاوز هامش الفائدة الذي كانت تقبل به خلال سنة جائحة كورونا 2020 بنحو يتراوح بين 17 و20 مرة، بحيث يختلف المعدل من بنك لآخر، فضلاً عن معيار حجم الوديعة في تحديد سعر الفائدة.

تحول «الهيئة»

ولفتت المصادر إلى أن طلب الفائدة العالية على ودائع الحكومة بالدولار لم يأتِ مدفوعاً بزيادة تنافسية المصارف على هذه الأموال، بل بسبب استغلال «هيئة الاستثمار» في نظر البنوك للظروف، وتحوّل تفكير القائمين عليها من أنهم مجرّد مزوّدي أموال بفائدة مناسبة إلى مستثمر طموح يستهدف تعميم أعلى فائدة ممكنة على جميع ودائعه، ولو كان سقفها استثنائياً.

وتفصيلياً، لاحظت البنوك في الفترة الأخيرة أن مسؤولي الخزينة في «هيئة الاستثمار» طلبوا من نظرائهم بالمصارف المحلية القبول برفع غير معتاد للفائدة على ودائع الدولار، وأن آلية التسعير الجديدة ستعتمد على أعلى فائدة متداولة بالسوق، ولو كانت مدفوعة بمعطيات خاصة لا تعتمد على المعيار التقليدي الذي يعتمد متوسط الفائدة المتداولة وليس الفردية.

ونتيجة لذلك، لمست البنوك أنه عندما يحل أجل وديعة بالدولار لـ«هيئة الاستثمار» يطلب مسؤولو الخزانة في الهيئة للتجديد هامش فائدة إضافي فوق المؤشر السعري لمتوسط سعر الفائدة المحسوب من التقديرات المقدّمة من البنوك الرائدة، أو ما يعرف بـ«الليبور» بما يتراوح بين 150 إلى 200 نقطة، مقابل نحو 10 نقاط كانوا يقبلون بها في فترة «كورونا»، دافعين بأن هناك بنوكاً تقبل بهذا التسعير.

فائدة عالية

ونتيجة لذلك، وصلت فائدة ودائع «هيئة الاستثمار» بالدولار لأجل سنة لنحو 6 في المئة، أخذاً بالاعتبار أن الفائدة الأميركية تتراوح بين 4.25 و4.5 في المئة، ما يجعل تكلفتها بنظر المصارف عالية جداً، خصوصاً وأنها تشكل أحد المصادر الرئيسية لها في منح القروض وتنظيم سلم استحقاقاتها.

ويتوزع هيكل ودائع «هيئة الاستثمار» عادة بين أسبوع و6 أشهر، وتصنّف على أنها مستقرة ومؤثرة في سلم اسحقاقات البنوك، كونها مدرجة ضمن نسبة القروض إلى الودائع أو ما يعرف بالـ(LDR).

وبالطبع، حاول صانعو السياسة الائتمانية في البنوك، إقناع مفاوضيهم في «هيئة الاستثمار» بأن تسعيرهم لفائدة الدولار، يمثل إشعالاً لأسعار الفائدة وإلى الحدود التي باتت تشكل ضغوطاً غير مستحقة على البنوك.

واشتكى مسؤولو البنوك إلى بنك الكويت المركزي بشكل شفهي في ما يشبه العتب المصرفي من الآلية الجديدة التي تتبعها «هيئة الاستثمار» في تسعير ودائعها بالدولار، إلا أن الناظم الرقابي أفاد بأن النقاش المصرفي الحكومي المفتوح بخصوص الفائدة فني، وأنه يتعيّن تحديد الأسعار وفقاً لاحتياجات الطرفين، أي «هيئة الاستثمار» والبنوك.

نقاش مشروع

من ناحيتهم، قرّر مسؤولو البنوك على ما يبدو الدخول في مناورة مصرفية ناعمة مع «هيئة الاستثمار»، حيث أبدى العديد منهم بطريقة ديبلوماسية عدم رغبة جزئية في التجديد، فيما قبلوا بتجديد ودائع أخرى بالسعر المطلوب، تفادياً لقطع حبل الود الحكومي.

وأشارت المصادر إلى أن ذلك السيناريو دفع إلى وجود فوائض بمعروض «هيئة الاستثمار» الدولاري، وإلى حدود شجّعت على العودة مجدّداً للتفاهم مع البنوك بفائدة أقل من المطلوبة حكومياً، وأعلى من المقترحة مصرفياً، خصوصاً أنه يتردد مصرفياً أن فروع بنوك أجنبية اعتذرت عن قبول هذه الأموال بالتسعير الجديد.

وإلى ذلك، سجلت الفائدة على بعض الودائع لأجل سنة تراجعاً إلى 5.75 في المئة، أي بانخفاض 25 نقطة عن المطلوب، وزيادة بمثلها على المقترح، فيما يعتقد مسؤولو البنوك أنها لا تزال فائدة عالية.

ولعل ذلك يجعل النقاش مشروعاً حول ما إذا كانت سياسة «هيئة الاستثمار» الجديدة في تسعير ودائعها بالدولار ستسهم في رفع تكلفة استقطاب البنوك للأموال المستقرة، أم أن هذا النشاط استثنائي، وسيظل المعيار في تحديد السعر وفقاً لمحددات العرض والطلب، خصوصاً وأن «هيئة الاستثمار» بدأت الفترة الأخيرة بتقديم أسعار تاريخية لم تعتد على عرضها منذ ما قبل الأزمة المالية العالمية 2008.

7 مرات

تحليلياً، يربط البعض تحرّك مسؤولي ودائع «هيئة الاستثمار» بالدولار لاستقطاب أعلى فائدة بزيادة تنافسية المصارف على الأموال المستقرة، مع تغيّر اتجاهات الفائدة عالمياً وتحديداً منذ مارس 2022، حيث رفع مجلس الاحتياطي الفيديرالي الفائدة منذ وقتها بمعدل 7 مرات، فيما يتوقع رفعها مرة ثامنة بداية الشهر المقبل.

وبينت المصادر أن مسؤولين في «هيئة الاستثمار» يحاولون الاستفادة النفعية من الزيادات المتتالية التي طرأت على سوق الفائدة، وما ترتب عليها من تحركات تنافسية نحو الودائع المستقرة، علاوة على خصوصية الفترة الماضية التي تزامنت مع إغلاقات نهاية العام، والتي عادة ما يتجه خلالها مديرو الخزينة إلى رفع مستويات الأموال المودعة لديهم، في محاولة منهم لتجميل بياناتهم مثلما يفعل مديرو المحافظ المالية العاملة في سوق الأسهم.

عين الحكومة مفتوحة على نمو الائتمان

وأفادت المصادر بأن البنوك وإن قبلت بالفائدة العالية التي تطلبها «هيئة الاستثمار» على ودائعها بالدولار، فإنها ترى في ذلك استغلالاً متشدداً لحاجة المصارف، منوهة إلى أن العين الحكومية باتت مفتوحة أكثر على الاستفادة من طلب الأموال المرتفع، وما يترتب عليه من فائدة أعلى يمكن تحقيقها، لا سيما مع النمو الائتماني المسجل خلال الأشهر الماضية، والمرجح استمراره بالنصف الأول من 2023.

وإلى ذلك، قالت مصادر مصرفية، إن البنوك الكويتية قادرة على التضحية بجزء من هامش أرباحها التي كانت تحقّقها من الحصول على الودائع الحكومية بأسعار أقل، في سبيل زيادة مستويات السيولة الجاهزة لديها، استعداداً للمشاركة في المشاريع الحكومية المرتقبة، أو في أي فرصة مناسبة، لا سيما في ظل المنافسة النسبية بينها على المال الحكومي، حيث سيتوقف ذلك على إستراتيجية كل بنك وحاجته لمزيد من الودائع، وقدرته على امتصاصها في مشاريع ترفع عائده.

وذكرت المصادر أن المعيار الذي يحكم البنوك عند التعامل مع الودائع الحكومية يتمثل في تحديد منافع وتكاليف هذه الأموال، إذ يتعين الأخذ بعين الاعتبار أن حسابات المصارف الواسعة لا تقتصر فقط على قياس كلفة ما تدفعه على الودائع الحكومية، بل مكاسبها في تحقيق استقرار سلم استحقاقاتها، كونها تعتبر أموالاً مستقرة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي