No Script

بعد «حفْر» كارتر لبريجنيف في أفغانستان

هل يقع بوتين في فخ بايدن... الأوكراني؟

تصغير
تكبير

أعلن رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي، أن «من الصعب للغالية دحْر القوات الروسية من أوكرانيا هذا العام»، في إشارة إلى أن الحرب ستستمرّ لأعوام طويلة بحسب عقيدة (الرئيس جو) بايدن ما دامت كييف مستعدة للتضحية القصوى لحماية هيمنة الولايات المتحدة على العالم... فهل تنجح واشنطن في إقامة أفغانستان أخرى لإغراق موسكو في المستنقع الأوكراني وتفكيك روسيا - كما فككت الاتحاد السوفياتي؟ وهل يقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الفخ الذي سبق أن نُصب للرئيس السوفياتي السابق ليونيد بريجنيف عام 1979 في أفغانستان؟

وفقاً للرواية الرسمية للتاريخ، بدأت مساعَدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (أف بي آي) للمجاهدين خلال عام 1980، أي بعد غزو الجيش السوفياتي لأفغانستان في 24 ديسمبر 1979.

لكن الواقع، كما أكد مستشار الرئيس الأميركي جيمي كارتر للأمن القومي زبيغنيو بريجينسكي في مقابلة مع مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور» (1998)، هو خلاف ذلك تماماً. إذ ذكر المدير السابق لـ «سي أي آي» روبرت غيتس، في مذكّراته، أن الاستخبارات الأميركية بدأتْ بمساعدة المجاهدين قبل ستة أشهر من التدخل السوفياتي.

واقعاً، في 3 يوليو 1979، وافق كارتر، بحسب ما يؤكد بريجنسكي، على «التوجيه الأول للمساعدة السرية لمعارضي النظام الموالي للسوفيات في كابول. وفي ذلك اليوم بالذات، كتبتُ ملاحظة إلى الرئيس شرحتُ فيها أن هذه المساعدة في رأيي ستؤدي إلى تدخل عسكري سوفياتي. كانت تلك العملية السرية فكرة ممتازة.

كان لها تأثير جرّ الروس إلى الفخ الأفغاني. لقد أعطينا الاتحاد السوفياتي فيتنامه الخاصة».

كانت المقاومة الأفغانية هائلة وعفوية. لكن الأفغان لم يكونوا وحدهم. إذ حشد كارتر بسرعة تحالفاً إستراتيجياً لمحاربة السوفيات.

وفي غضون أسبوعين، أقنع الزعيم الباكستاني ضياء الحق بدعم استخباراته للمجاهدين، بتقديم اللجوء لهم والقواعد والتدريب. وأرسلت الاستخبارات البريطانية SIS ضباطاً إلى أفغانستان لتسليم أسلحة مختارة والقيام بعمليات تدريب.

ولمدة 10 أعوام تقريباً، كان على موسكو أن تخوض حرباً أدت إلى تفكك الإمبراطورية السوفياتية ونهاية الحرب الباردة.

ولم تتوقف الولايات المتحدة عند أضرار دعم المجاهدين، قياساً إلى ربحها الصافي بانهيار الإمبراطورية السوفياتية.

لقد دفع الشعب الأفغاني ثمناً باهظاً للحرب، إذ قُتل ما لا يقل عن مليون شخص، ولجأ نحو خمسة ملايين إلى باكستان وإيران، ونزح الملايين في الداخل... لكن أميركا حققت ما أرادت.

لم يرسل السوفيات يومها عدداً كافياً من الجنود لهزيمة المجاهدين، ولم يتمكنوا من تجنيد عدد كافٍ من الأفغان للقتال معهم. كانت الهزيمة السوفياتية عاملاً رئيسياً في تفكك «حلف وارسو» وتالياً اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، والتي وصفها بوتين بأنها «أكبر كارثة جيو - سياسية في القرن».

إذ ان الولايات المتحدة ضمت غالبية هذه الدول (التي أصبحت اليوم أكثر عدائية لموسكو من أي دول أخرى) إلى حلف «الناتو»، ضاربة بعرض الحائط وعوداً شفوية قطعها وزيرا خارجية الولايات المتحدة جيمس بيكر ووارن كريستوافر إلى الرئيسين ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين بعدم تمدد حلف شمال الأطلسي الذي كان يضم حينها 12 دولة، لتصبح 30 دولة بعد بضعة عقود.

وما أشبه اليوم بالأمس. حتى قبل أن تبدأ روسيا غزوها لأوكرانيا، اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، أن احتلال روسيا لأراضي أوكرانية، ربما بما في ذلك كييف، سيؤدي إلى تمرد داخل روسيا مثل ذلك الذي واجهه الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في الثمانينيات.

وتالياً فإن هدف نظام بايدن الآن هو السعي إلى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء والعمل وسط الرهان على ما إذا كانت أوكرانيا يمكن أن تكرر سيناريو أفغانستان.

فقد حشدت روسيا عشرات الآلاف من الجنود في مارس 2021 في محاولةٍ لثني أميركا عن تهيئة أوكرانيا للحرب التي كانت واشنطن تحضّر لها منذ أعوام عبر تدريب الجيش الأوكراني وخداع بوتين بالتوقيع على «اتفاقية مينسك» لشراء الوقت الكافي. لكن زعيم الكرملين لم يقدّر أن واشنطن تريد دخوله إلى أوكرانيا، وبالتحديد كييف، ليواجه مقاومةً شبيهة بتلك التي كمنت له في كابول في الثمانينيات.

ولم يرسل الجيش الروسي عدداً كافياً من الجنود لهزيمة الجيش الأوكراني في الأسابيع الأولى من بدء الحرب ونشر دباباته على أبواب العاصمة قبل أن يتدارك الأمر ويعدّل في أهدافه لتقتصر على أربع مقاطعات يقطنها أوكرانيون موالون لروسيا.

هذه هي النقطة الأهمّ التي يستفيد منها الجيش الروسي مستقبلاً بالعمل ضمن بيئة حاضنة من قوات لوغانسك ودونيتسك الأوكرانية ليصبح هؤلاء هم الحاكمون في أقاليمهم المستقلّة بعد الحرب.

وزجّت روسيا بقوات إضافية تحاشياً لأخطاء التجربة الأفغانية واستعانت بقوات «فاغنر» المحترفة لتجابه الجيش الأوكراني المدرَّب على أساليب القتال الغربية... ولكن موجات استدعاء الاحتياط في أوكرانيا أدت إلى وجود قوات جديدة غير مدرَّبة في صفوف جيشها، ما أضعفه بفعل الخسائر الفادحة التي أصابت قوات النخبة ورأس الحربة في المعارك أثناء الأشهر الأولى من الحرب. هذا بغض النظر عن الخسائر البشرية التي مُنيت بها روسيا أيضاً.

ووجدت الولايات المتحدة الدعم من أوروبا التي اعتقدت أن الحرب ستنتهي لمصلحة الغرب خلال أشهر قليلة. إلا أن المدة طالت وبدأت «القارة العجوز» تنوء تحت العقوبات التي فرضتْها هي على روسيا ليخرج التململ من نتائج الحرب إلى الشوارع الأوروبية بسبب التضخم وارتفاع الأسعار.

واستطاع الجيش الروسي احتلال أكثر المساحات التي تقع ضمن الأهداف المعلنة، لتبقى باخموت، كراماتورسك، وسلوفيانسك، لإكمال السيطرة على إقليم دونباس.

وهذا يعني أن الجيش الروسي لن يُستنزف بـ «حرب عصابات»، بل إن المواجهة أصبحت بين جيوش كلاسيكية وخطوط دفاع متقابلة. وستحاول أميركا إعادة الزخم للمعركة في الربيع المقبل إذا لم تنته روسيا من السيطرة على الأهداف المعلنة وإقامة خطوط دفاع صلبة لتحمي حدودها الجديدة التي لن تتخلى عنها.

من هنا، لن يقع بوتين في فخ بايدن الأوكراني كما حفر كارتر لبريجنيف في أفغانستان... فرغم أن بايدن حصل، مثل كارتر، على حربه الروسية بالوكالة، وحصل على الدعم الأوروبي الغربي، إلا أنه لم يستطع قلب النظام من الداخل في موسكو أو إزاحة بوتين. بل قوبلت واشنطن بسابقة تحدٍّ لهيمنتها على العالم وتشكيل محور جديد مؤلف من روسيا والصين ودول أخرى تستطيع إيجاد عالم متعدّد القطب.

ويوم تنتصر روسيا على «الناتو» في أوكرانيا، فإن اهتزاز الهيمنة الأميركية (وحلفائها) سيكون مدوياً... فلهيب كرة النار لا يفرق بين مُطْلِقها ومَن تستهدفه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي