أكد أن الـ 15 سنة الأخيرة كانت الأكثر انفلاتاً مالياً قيمة وفساداً

«الشال»: لا اقتصاد بالكويت وماليتها غير مستدامة

تصغير
تكبير

- الكويت فشلت خلال 60 عاماً في خلق مصادر دخل بديلة للنفط
- الإيرادات في علم المالية العامة معظمها ضريبية بينما تموّل الضريبة 2.5 في المئة فقط من نفقات الكويت
- النفقات العامة منذ 1960 تزيد سواء ارتفعت أسعار النفط أو انخفضت
- 37 مليار دينار ستحتاجها الكويت لتغطية نفقاتها بحلول 2036/ 2037 على أساس إنفاق السنة الحالية
- الإدارة العامة اختارت مبدأ اقتسام الثروة الناضبة بدلاً من تنميتها

أفاد مركز الشال للاستشارات الاقتصادية بأن السياسات المالية للكويت قادتها للأسف إلى حصاد لعنة مواردها بدلاً من نعمتها، منوهاً إلى أن استمرار تلك السياسات على خرابها بات مستحيلاً.

وأوضح «الشال» في تقريره الأسبوعي أنه من أجل بعث الأمل في احتمالات الإصلاح، سنفترض أن السياسات المالية السابقة جاءت نتيجة سوء تقدير حكومي في معظمها وليس سوء نية، وسنفترض أيضاً أن توجهات الغالبية النيابية مصدرها نقص في الحقائق والمعلومات، أو ضعف ثقة في الحكومة وفي ما تقدمه من بيانات، متمنياً الوصول إلى توافق جناحي الإدارة العامة على تسمية جهة أو جهات محايدة، ولتكن أجنبية، لا علاقة لها بحيثيات السياسة المحلية، تعمل لهما إسقاطاً رقمياً مبسّطاً على المستقبل لمعرفة كم هي التكاليف الباهظة التي ستدفعها غالبية الشعب حال اصطدام الكويت بحائط، فقرارهما اليوم هو الحد الفاصل ما بين ازدهار أو دمار البلد.

الإيرادات العامة

وأشار التقرير إلى أن الإيرادات العامة، في علم المالية العامة التقليدي، في معظمها إيرادات ضريبية، موضحاً أنه حتى تكون تلك الإيرادات نامية ومستدامة، لابد من ضمان بيئة أعمال منافسة، والعمل على ضمان نشاط اقتصادي متنامٍ على الدوام.

وبيّن «الشال»، أنه في بريطانيا مثلاً، فإن نصيب مساهمة الدخل الضريبي 74 في المئة، ومثلها سنغافورة، وترتفع بالسويد إلى نحو 83 في المئة، وتنخفض في أميركا إلى 65 في المئة، فيما تبلغ في دول نفطية مثل النروج نحو 77 في المئة، وفي الاقتصاد السعودي وهو في بدايات مشروع تنويع مصادر دخله نحو 33 في المئة.

وذكر التقرير أنه في الكويت، ليس هناك اقتصاد، فهناك مالية عامة لا ينطبق عليها تعريف المالية العامة في علم المالية العامة، تموِّل الضريبة نفقاتها العامة بنسبة 2.5 في المئة فقط، وصلب إيراداتها العامة هي استبدال أصل بنقد، أي استخراج نفط واستبداله بدولار أميركي، لذلك تصبح مخاطره عالية إن لم تستثمر حصيلتها في خلق مصادر دخل بديلة، وهو ما فشلت الكويت فيه على مدى الستين سنة الماضية.

الفترة الأفضل

وأفاد بأن أفضل فترة كانت الربع الأول من تلك الستين سنة الممتد من السنة المالية (1960/ 1961-1975/ 1976)، إذ بلغت الإيرادات العامة النفطية نحو 195 في المئة حجم النفقات العامة، لذلك كانت حقبة تعززت فيها احتياطات الكويت المالية، وشهدت نهايتها إنشاء صندوق احتياطي الأجيال القادمة، حيث كانت الحقبة الأفضل منذ الاستقلال.

وأضاف التقرير «عكسها تماماً كانت حقبة السنوات الخمسة عشر التالية (1976/ 1977-1992/ 1993)، فبعد ارتفاع شديد لأسعار النفط إبان الثورة الإيرانية في 1979 و1980، انتكس سوق النفط أسعاراً وإنتاجاً حتى انفرطت منظمة أوبك في ديسمبر 1985، وزامنت بدء انفلات السياسة المالية ما ضاعف من معدل الإنفاق السنوي لتلك الحقبة ليصبح 10 أضعاف مستوى الحقبة التي سبقتها»، منوهاً إلى أن الرواج أصاب سوق النفط بعدها بسبب ظاهرة النمو الصيني غير المسبوق في فترة الخمسة عشر سنة اللاحقة (1993/ 1994-2006/ 2007)، وخلالها بلغت إيرادات النفط 112 في المئة حجم النفقات العامة التي طالها بعض الانضباط في تسعينات القرن الفائت، ولم يزد معدل نمو نفقات تلك الحقبة سوى بنحو 62 في المئة عن معدل الحقبة السابقة لها.

وأوضح أنه في حقبة الـ15سنة الأخيرة (2007/ 2008-2021/ 2022)، أصيب سوق النفط بثلاث نكسات، كانت آخرها جائحة كورونا، وتعافى بسبب بدء رواج أداء الاقتصاد العالمي، ثم تلقى سوق النفط دفعة كبيرة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وغطت إيراداته خلال تلك الحقبة نحو 103 في المئة من إجمالي النفقات العامة.

أسباب استثنائية

ولفت إلى أنه خلال تلك الحقبة انفلتت تماماً السياسة المالية المحلية، وأعلنت الحكومة رسمياً احتمال عجزها عن دفع الرواتب والأجور في صيف 2020، مشيراً إلى أن السنوات الـ15 القادمة (2022/ 2023-2036/ 2037) ستكون سنوات حرجة من زاوية هبوط إيرادات النفط، وزاوية الضغوط الطبيعية لزيادة النفقات العامة، إلى جانب مخاطر أداء الاقتصاد العالمي الضعيف شاملاً الصين.

وأكد «الشال» أن الوعي المبكر بتلك الحقيقة وما تتطلبه من ضبط لمصارف تلك الإيرادات، ومن أجل مستقبل مئات الألوف من الشباب القادمين إلى سوق العمل إلى جانب متطلبات حياتهم الضرورية الأخرى، سيصبح الفاصل بين الاستقرار أو الضياع، هو مضمون ما نتخذه من قرارات اليوم في حصافة إنفاق الإيرادات العامة.

مسار النفقات

وبيّن «الشال» أنه بالنسبة لمسار النفقات العامة للحقب الأربع السابقة نفسها، نلاحظ أن النفقات العامة مجرد متغير تابع بشكل شبه كامل في ارتفاعها مع كل ارتفاع في الإيرادات النفطية، ولكنها غير مرنة ولا تنخفض وإنما ترتفع في معدلها حتى في حالة انخفاض إيرادات النفط.

وذكر أنه في الحقبة الأولى (1960/ 1961-1975/ 1976)، كان معدل النفقات العامة 300 مليون دينار سنوياً، وكانت مصارف تلك الأموال نظيفة وحصيفة.

وتابع «في الحقبة التالية (1976/ 1977-1992/ 1993)، ارتفع المعدل السنوي للنفقات العامة لنحو 10 أضعاف أو من 300 مليون دينار إلى 3.101 مليار، ولكن أهمية وجدوى مصارفه انحدرت كثيراً، فمستوى منشآت التعليم انحدر، ومقارنة جودة مبنى ثانوية الشويخ مقابل مباني جامعة الكويت المشتتة أو حتى مبناها الجديد واضحة، وكذلك مباني المستشفى الأميري والصباح مقارنة بمتاهات مستشفى مبارك والعدان، كما بدأ فساد وانحدار مستوى التعليم والخدمات العامة والبنى التحتية».

ونوه التقرير إلى أن الحقبة الثالثة (1993/ 1994-2006/ 2007) كان فيها بعض الحصافة في جانب السيطرة على حجم النفقات العامة وليس مصارفها أو استخداماتها، إذ بلغ فيها المعدل السنوي للنفقات العامة 5.025 مليار دينار بزيادة 62 في المئة عن معدل الحقبة السابقة لها، وسبب ضبط النفقات في جانب منه كان خسارة الكويت نحو 65 في المئة من حجم احتياطي الأجيال القادمة بسبب الغزو وتكاليف تمويل الحرب وإعادة البناء، ومن جانب آخر بسبب تغير إيجابي في نوعية القائمين على المالية العامة، ولكنه كان وعي موقت.

وبين أنه بالنسبة للحقبة الأخيرة (2007/ 2008-2021/ 2022) فكانت الأسوأ من زاوية الانفلات المالي من ناحيتي القيمة وحجم الفساد ضمنه، مشيراً إلى أن «غالبية فضائح الفساد الكبرى التي نعرفها حالياً جاءت من رحم تلك الحقبة، وإن مهّدت لها الحقبة السابقة في قضايا سرقة الاستثمارات وناقلات النفط».

إلى أين؟

وذكر «الشال» أن الكويت بلد مالية عامة غير مستدامة، تعتمد بشكل شبه كلي على بيع أصل ناضب واستبداله بنقد، إذ ساهم ذلك النقد في تمويل نفقاتها العامة بمعدل 90 في المئة على مدى 60 عاماً، ما يعني أن الهدف الثابت في كل خطط التنمية وبرامج الحكومة وهو تنويع مصادر الدخل، جاءت نتائجه صفراً أو أدنى قليلاً، إذ اختارت الإدارة العامة للبلد مبدأ اقتسام ثروتها الناضبة بدلاً من تنميتها.

وأكد التقرير أن «مبدأ اقتسام ثروة البلد هدفه خائب وهو شراء استقرار الكراسي، لكن حتى هذا الهدف الخائب لم يشتر استقرار الحكومات المتعاقبة، بينما استقرارها يضمنه الحصافة والإنجاز».

وأفاد بأنه يتضح بالأرقام بأن سيناريو مكرراً أو استنساخاً للماضي لإدارة المالية العامة على خطورته الجسيمة، بات أمراً مستحيلاً، مبيناً أنه «في سيناريو مخفف سنعتمد إسقاطاً من التاريخ على المستقبل لنمو النفقات العامة بدءاً من معدل متواضع وهو 18.2 مليار دينار وهو معدل الإنفاق السنوي للسنوات الخمسة عشر الفائتة، وسنتبنى معدلا لنمو تلك النفقات هو الأدنى في السيناريوهات التاريخية السابقة، أو زيادة بنحو 62 في المئة للسنوات الخمسة عشر القادمة، وحينها ستحتاج الكويت إلى إيرادات نفطية بنحو 30 مليار دينار بحلول 2036/ 2037، والأمر أكثر استحالة لو اعتمدنا نفقات الأساس بمستوى السنة المالية الحالية البالغة 23 ملياراً، فوفق هذا السيناريو، تحتاج الكويت إلى 37 ملياراً لتغطية نفقاتها العامة بحلول 2036/ 2037، والأمر سيكون أسوأ لو اعتمدنا سيناريو أكثر احتمالاً للتحقق وأخذنا في الاعتبار الضغوط المؤكدة على أسعار وإنتاج النفط».

ونوه التقرير إلى أن ذلك سيقود الكويت إلى خيارين، الأول السحب من احتياطي الأجيال القادمة، وهو خيار يعني تآكل يتسارع لأصله مع انحدار متصل لإيراداته، فيما الخلاف يبقى حول وقت نضوبه كما حدث لسيولة الاحتياطي العام سابقاً، وليس حتميته، أما الخيار الثاني فهو دخول مصيدة الاقتراض من السوق العالمي، وبمرور الوقت يكبر بند أصل سداد القروض وفوائدها ضمن مكونات الإنفاق العام، مشيراً إلى أن النماذج الفاشلة في العالم حولنا التي تبنت هذا السيناريو أكثر من أن تعد، ومعها تفقد البلد استقلاليتها واستقرارها.

18.21 مليار دينار سنوياً معدل نفقات 15 عاماً

ذكر تقرير «الشال» أن معدل النفقات العامة في (2007/ 2008-2021/ 2022) بلغ 18.21 مليار دينار مرتفعاً بنحو 3.6 ضعف عن معدل الحقبة التي سبقتها، حيث حدث ذلك رغم تعرض سوق النفط لثلاث نكسات، وكل مصارف تلك الأموال انحدرت في إنتاجيتها، سواء إن كان على مستوى بناء رأس المال البشري، أو مستوى الخدمات العامة، في حين أن استمرار نمو تلك النفقات على فسادها ورداءتها حتى لو قبلنا به، بات مستحيلاً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي