الولايات المتحدة تحت صدمة مقتل أميركي أسود على أيدي الشرطة
ممفيس (الولايات المتحدة) - أ ف ب - نشرت سلطات مدينة ممفيس الأميركية الجمعة مقطع فيديو مؤلماً يظهر شرطيين ينهالون ضرباً على رجل أسود في التاسعة والعشرين أفضى إلى وفاته، ما أثار احتجاجات محدودة في عدد من المدن الأميركية تنديداً بسلوك الشرطة من دون أن تتطور إلى اضطرابات كان يخشاها المسؤولون.
ووجهت إلى خمسة من عناصر شرطة ممفيس، وجميعهم أيضاً من السود، تهمة القتل من الدرجة الثانية لإقدامهم على ضرب تايري نيكولز، الذي توفي في المستشفى في 10 يناير بعد ثلاثة أيام على توقيفه بشبهة القيادة المتهورة.
يُظهر مقطع فيديو طويل التُقط بكاميرات الشرطة وكاميرا لمراقبة الشوارع عناصر الشرطة يعتقلون نيكولز ويحاولون تثبيته باستخدام صاعق ثم مطاردته بعد محاولته الفرار منهم.
وتظهر مشاهد لاحقة من الفيديو الذي يمتد قرابة الساعة وتُسمع في أجزاء منه أصوات، نيكولز وهو يبكي وينادي والدته ويئن بينما كان الشرطيون ينهالون عليه لكماً وركلاً.
وخلال مؤتمر صحافي في وقت سابق الجمعة، دعت والدة الضحية روفون ويلز إلى التزام الهدوء، لكنها توجهت إلى الشرطيين الذين ضربوا ابنها «حتى الموت» على حد تعبيرها، بالقول «لقد تسببتم بالعار لعائلاتكم بفعلتكم هذه».
وتحدث الرئيس جو بايدن مع والدة نيكولز التي قال إنها «من الواضح أنها تعاني ألماً شديداً»، وأثنى على «شجاعة الأسرة وعزيمتها» و«مناشدتها القوية» للحفاظ على سلمية الاحتجاجات.
نيكولز أب لطفل عمره أربعة أعوام، وكان يعمل لدى شركة فيديكس.
وكان يحب التزحلق على ألواح الركمجة والتقاط الصور، وكان على ذراعه وشم يحمل اسم والدته.
وقالت ويلز في المؤتمر الصحافي «قلبي يعتصر ألماً... أن تعرف أم أن ابنها كان يناديها في وقت الحاجة ولم أكن بجانبه».
أضافت «ابني كان طيب القلب... كان صالحاً. لا يوجد إنسان كامل لكنه كان قريباً من ذلك».
خرجت احتجاجات في ممفيس وواشنطن ونيويورك وفيلادلفيا وأتلانتا ومدن أخرى مساء الجمعة وإن بقيت محدودة وسلمية إلى حد كبير.
في وسط مدينة ممفيس، تجمع نحو 50 متظاهراً في حديقة عامة وأغلقوا لاحقاً طريقاً رئيسياً وساروا هاتفين «لا عدالة، لا سلام» و«قولوا اسمه: تايري نيكولز».
وأعلن البيت الأبيض أن كبار موظفيه عرضوا على رؤساء بلديات أكثر من 12 مدينة، من بينها أتلانتا وشيكاغو وفيلادلفيا تقديم مساعدة فيديرالية في حال خروج تظاهرات.
وقارنت قائدة شرطة ممفيس سيريلين ديفيس الفيديو بمشاهد ضرب رودني كينغ عام 1991 والتي أعقبتها أيام من أعمال شغب خلفت عشرات القتلى.
وقالت ديفيس «كنت في أجهزة تطبيق القانون أثناء حادثة رودني كينغ، وهذا يشبه كثيراً ذلك النوع من السلوك»، مضيفة «بل أقول إنه نفس السلوك إن لم يكن أسوأ».
وحشية الشرطة
وكانت والدة نيكولز اتهمت الشرطة بمحاولة إخفاء ضرب ابنها بعد أن جاؤوا إلى منزلها لإبلاغها بأنه أوقف بسبب القيادة تحت تأثير الكحول وبأنهم اضطروا لاستخدام رذاذ الفلفل والصاعق بعد مقاومته وتكبيلهم له.
وقارن كثيرون وفاة الشاب بمقتل جورج فلويد في مايو 2020، الأميركي الأسود الذي قضى اختناقاً تحت ركبة شرطي أبيض في مينيابوليس.
وأثار فيديو مقتل فلويد موجة من الاحتجاجات العنيفة في أنحاء البلاد وخارجها، وأعاد إطلاق الجدل في شأن العنصرية وسلوك الشرطة الوحشي في الولايات المتحدة.
دين الشرطي ديريك شوفين بالقتل في قضية غير مسبوقة، بعد أن ضغط بركبته على رقبة فلويد لنحو عشر دقائق.
وفي حديقة عامة في ممفيس حيث كان يقيم نيكولز، وضعت أزهار وأضيئت شموع قرب لافتات كتب عليها «العدالة لتايري».
وقال روبرت والترز (67 عاماً) الذي جاء في زيارة إلى المدينة مع زوجته إنهما سيعودان إلى منزلهما في فرجينيا تجنباً لاندلاع أعمال عنف.
وأضاف لفرانس برس «أنا مواطن أسود في أميركا وهذا الخوف شيء كبرنا عليه ونعيش معه» في إشارة إلى عنف الشرطة.
أوقف الشرطيون الخمسة المتورطون في ضرب نيكولز الخميس بعد تحقيق داخلي سريع توصل إلى أنهم استخدموا القوة المفرطة ولم يقدموا المساعدة.
وإضافة إلى تهمة القتل من الدرجة الثانية، يُتهم عناصر الشرطة بالاعتداء المشدد والخطف المشدد.
وأطلق سراح أربعة منهم بكفالة، على ما ذكرت وسائل إعلام أميركية نقلاً عن وثائق قضائية.
وحقيقة أن الشرطيين من السود «تؤلم» وفق والترز.
وقال «قد تعتقد أن هؤلاء الأشخاص، يجب أن يعرفوا (أكثر من غيرهم)، لكن الأمر يظهر أن أي شخص يمكن أن يقع في الفخ».
أضاف «أريد فحسب أن يحافظ الناس على الهدوء وألا يتسببوا بأضرار أو أذى».
توفي تايري نيكولز الأميركيّ الأسود البالغ من العمر 29 عاماً في المستشفى بعد ثلاثة أيام من تعرضه للضرب المبرح بأيدي عناصر سود من شرطة ممفيس وجّهت إليهم لاحقاً تهمة القتل.
وصرحت لورا كينغ ابنة رودني كينغ الذي أثار تعرّضه للضرب العنيف بأيدي شرطيّين عام 1991 موجة اضطرابات في لوس أنجليس، متحدثة لشبكة «سي إن إن»، «من المحزن أن الوضع مازال على حاله في أميركا، لا يسعني أن أصدّق».
وأضافت «علينا القيام بالمزيد، هذا غير مقبول».
وكان مقتل الشاب الأسود جورج فلويد حين ضغط شرطي أبيض بركبته على عنقه إلى أن اختنق، أثار تعبئة تاريخية في ربيع 2020، وصدرت تحت ضغط الشارع وعود في جميع أنحاء الولايات المتحدة بإقرار إصلاحات.
وبعد عامين من ذلك، بلغ عدد الذين قتلوا في احتكاك مع الشرطة مستوى قياسياً هو الأعلى منذ عشر سنوات وصل إلى 1186 قتيلاً خلال العام 2022، وفق ما أورد موقع «مابينغ بوليس فايلنس» (مسح عنف الشرطة)، وبينهم 26 في المئة من السود في حين أنّهم لا يمثّلون سوى 13 في المئة من مجموع السكان.
وعلى سبيل المقارنة، يقضي أقل من 20 شخصاً كل عام في فرنسا خلال تدخل للشرطة، وهو فارق على ارتباط خصوصاً بالكمية الهائلة من الأسلحة النارية المنتشرة في الولايات المتحدة، ما يفاقم مخاوف الشرطيين على سلامتهم ويحضّهم على المبادرة إلى إشهار سلاحهم.
وقتل 66 شرطياً أثناء أداء خدمتهم العام الماضي، بحسب الصندوق الذي أنشئ تكريماً لذكراهم.
غير أن المحامي بن كرامب الذي كان يمثل عائلة جورج فلويد ويدعم اليوم عائلة تايري نيكولز شدد على دور «ثقافة منتشرة على صعيد مؤسسة الشرطة تتساهل حيال الإسراف في استخدام القوة، وخصوصاً ضدّ الأقليّات».
وقال الجمعة خلال مؤتمر صحافي «يتحتم علينا إجراء هذا (النقاش) مراراً وتكراراً إلى أن يتوقّف ذلك».
«غير مفيدة وعدوانية»
ومن بين وعود 2020 إجراء مراجعة للحصانة الواسعة النطاق التي يحظى بها الشرطيون في الولايات المتحدة وإنشاء سجلّ للشرطيّين الذين يسرفون في استخدام العنف.
غير أن مشروع قانون فيديرالياً حظي عند طرحه بتأييد الحزبين الجمهوري والديموقراطي، فشل في الكونغرس في ظل ارتفاع ملحوظ في جرائم القتل، جعل الجمهوريّين يعودون إلى خطابهم التقليدي عن «القانون والنظام».
ومع استحالة تحقيق تقدم على المستوى الفيديرالي، تواصل النقاش محلياً خطوة خطوة وسط تباين كبير في المقاربات.
تضم الولايات المتحدة نحو 18 ألف كيان وهيئة مستقلة للشرطة، بين أجهزة الشرطة البلدية وأجهزة شرطة المقاطعات ودوريات الولايات وغيرها، ولكل منها قواعده الخاصة في الانتساب والتدريب والممارسات المسموح بها.
وعمد عدد من هذه الهيئات إلى مراجعة قواعد تدخلها، فحظرت بصورة خاصة تقنيات التثبيت بالخنق وعمّمت استخدام الكاميرات المثبتة وشددت العقوبات بحق العناصر العنيفي السلوك.
وفي هذا السياق، حظرت شرطة ممفيس على عناصرها اقتحام المنازل من دون سابق إنذار، وشددت على «واجب التدخل» حيال زملاء عنيفي السلوك، وراجعت تدريباتها على تقنيات خفض التصعيد.
ورغم ذلك، أقرت قائدة الشرطة المحلية سيريلين ديفيس بأن «الشرطيين عمدوا مباشرة إلى تصعيد التوتر» حين حاولوا توقيف تايري نيكولز لمجرد ارتكاب مخالفة لقانون السير.
ويرى الناشطون أن المشكلة تكمن في الصلاحيات الواسعة الممنوحة للشرطة الأميركية لتوقيف أشخاص حتى في قضايا مخالفات صغرى.
ورأت كاثي سينباك مديرة الفرع المحلي للاتحاد الأميركي للحقوق المدنية أنه «يجب أن نتوقف عن الاعتماد على الشرطة لمعالجة المشكلات المرتبطة بالفقر أو سوء الاستثمار في بعض الأحياء»، مضيفة أن «هذا يقود إلى أعمال أكثر تواتراً وغير مفيدة وعدوانية».
وبحسب أرقام منظمة«هيومان رايتس ووتش»، قتلت الشرطة الأميركية نحو 600 شخص في عمليات تدقيق مروري منذ 2017.
وخلال فيديو مدّته ساعة، تظهر ثلاث دقائق التقطتها كاميرا مثبتة على ارتفاع، مجموعة من العناصر تنهال بالركل واللكم والضرب بالهراوات على الرجل البالغ 29 عاماً وهو ممدد في زاوية رصيف في نور أضواء سيارات الشرطة.
ويظهر الشرطيون في الصور الأولى التي التقطتها الكاميرات المثبتة عليهم، خلف المقود يطاردون سيارة. وحين تتوقف السيارة، يخرج الشرطيون وجميعهم من السود ويهرعون وهم يصيحون «اخرج من السيارة! اخرج من السيارة اللعينة!».
غير أنه لا يتسنى لتايري نيكولز الامتثال للأمر إذ يحاول أحد الشرطيين إخراجه بعنف من سيارته. يُسمع الرجل عندها محاولاً تهدئة الوضع فيقول «لم أفعل شيئاً» و«كل ما أريده هو العودة إلى منزلي!»
لكن الشرطيين من حوله يصيحون «تمدد أرضاً! استدر!».
- مضرج بالدماء
«حسناً، أنا ممدد!» لكن الشرطيين لا يتوقفون عن الزعيق ويبدو عليهم الذعر. يحاول عندها التفلت منهم فيثبتونه مستخدمين غاز الفلفل والصاعق، لكنه ينجح في الفرار.
ويلي ذلك فيديو يتسم بعنف مروع، يظهر فيها تايري نيكولز ممدداً على الأرض حيث يثبته شرطيّان، ويسدد أحدهما له ضربة بركبته، وكانت هذه بداية تعرضه لضرب مبرح.
اقترب عندها شرطي ثالث حاملاً مطرقة وضربه بها مرتين. وتقدم عنصر رابع حين نجح زملاؤه في إرغام تايري نيكولز على النهوض فسدد له خمس لكمات مباشرة على وجهه وانهال الشرطيون بعدها عليه بالركل واللكم، فبقي تايري نلكولز واقفاً لوقت قصير قبل أن ينهار أرضاً.
ومضت بعدها ثوانٍ طويلة كان الرجل فيها يتخبط على الأرض قبل أن يجرّه الشرطيّون إلى سيّارة حاولوا عبثاً إسناده إلى بابها ليبقى جالساً.
تعرض الكاميرا بصورة عابرة وجهه المتورم والمغطى بالدماء. وتظهر الصورة الأخيرة ضوء سيّارة إسعاف لم تصل إلّا بعد 20 دقيقة. وبعد ثلاثة أيام على تعرضه للضرب، توفي تايري نيكولز في المستشفى في ممفيس.