عين / شكرا جمانة
توجهت إلى مكتبتها الخاصة، وقررت أن تختار ثلاثة كتب وتفتح باب القفص أمامها، أرادت أن تبدأ بالأجمل، فلا فضل في الاستغناء عما يمكن الاستغناء عنه، أمسكت ثلاثة كتب عزيزة وشعرت بقلبها يتفطر, فهي ترى أن لكل كتاب روحا تسكننا وتساءلت كيف يتم التخلي عنه بهذه الطريقة؟ تراهم أطفالا ربيناهم وربونا على مر السنين، بل إنها ابتعدت أكثر في نظرتها تلك لتحس أنها تزوج ابنتها «خطيفة» إلى مجهول.
في صباح العاشر من يوليو الماضي تمكنت الشاعرة والكاتبة اللبنانية جمانة حداد من اختيار ثلاثة كتب بالعربية لثلاثة كتاب لبنانيين، وكتبت عليها اسمها وتاريخ اليوم وأطلقت سراحها في بيروت (واحد في جنينة الصنائع، آخر على طاولة مقهى في وسط المدينة، ثالث في دكان صغير في شارع الحمراء)، وأملها أن تنتقل في جميع أرجاء الكون الفسيح.
تلك كانت فكرتها لإطلاق ظاهرة من لبنان أسمتها (الكتاب المسافر) على غرار ظاهرة عالمية تشهد رواجا كبيرا في الغرب اليوم، تحت اسم «Book Crossing»، والتي يهدف مؤسسها إلى تحويل العالم مكتبة ضخمة، وتسهيل القراءة المجانية.
فكرتها بسيطة جدا وتتمثل بأن تقوم بترك كتاب انتهيت من قراءته في مكان عام بعد أن تقوم بكتابة اسمك وتاريخ إطلاقك له، ليقوم من يجده بعد قراءته بنفس الأمر من تدوين اسمه وتاريخ تركه في مكان عام آخر، وهكذا دواليك.
فعلا فكرتك. مبادرتك يا جمانة نبيلة ورائعة, والمغامرة بخوض هذه التجربة الجديدة على مجتمعنا العربي أمر تستحقين الإشادة والشكر عليه، حتى مع عدم معرفتنا بنتائجها ومدى نجاحها لغاية الآن، كما أن أمر التخلي عن كتاب وإلقائه في «عالم المجهول» هو الآخر أمر صعب وخصوصا عند طبقة محبي الكتب واقتنائها.
مجرد التفكير بعمل كهذا لمحاولة النهوض بمشكلة القراءة وهجر الكتب في وطننا العربي الكبير، يدل على مدى ما يجب أن يكون عليه حال المثقف العربي من سعي للنهوض بمستوى الثقافة العربية وتطويرها للأفضل.
وتقول الشاعرة جمانة في ختام مقالها «هذا الصباح، لا تخافوا إذا وجدتم كتابا متروكا في الأمكنة التي ذكرت. الكتب التي نثرتها مفخخة حتما، لكنها لن تحيلكم رمادا بل ستزيدكم جمالا. رجائي الوحيد ممن يجدها وتعجبه أن يتابع السلسلة، فيقرأها ثم يدون اسمه والتاريخ عليها، وتركها بدوره. ثلاثة كتب مسافرة. ثلاثة أحلام. ثلاثة من أولادي، مصيرها منذ اليوم بين أيديكم. اعتنوا بها».
أتمنى أن يحذو كل واحد منا في جميع أقطار بلداننا العربية حذو الشاعرة جمانة حداد ولتكن أحلامنا، أولادنا في كل بقعة نطأها.