No Script

«لعنة» الحرب وشظاياها لا تستثني حتى من أوجدها

أوروبا في «عين العاصفة» الإيرانية والسبب... أوكرانيا

الحرس الثوري الإيراني
الحرس الثوري الإيراني
تصغير
تكبير

- مصادر إيرانية لـ«الراي»: فشل الغرب في تركيع روسيا دفعه للبحث عن «كبش محرقة»
- اعتبار جيوش أوروبية «إرهابية»... قد يعني إغلاق مضيق هرمز أمام سفن «القارة العجوز»

اندلع خلاف في أروقة الاتحاد الأوروبي حول كيفية معاقبة إيران بعدما فشلت التظاهرات في تغيير النظام الحاكم في «الجمهورية الإسلامية» أو «تحرير إيران»، كما قال الرئيس الأميركي جو بايدن. فبينما تعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلايين «دعم العقوبات ضد إيران والحرس الثوري»، وقالت إنها سمعت وزراء أوروبيين يؤيدون تلك العقوبات بالإضافة إلى اعتماد عقوبات جديدة، أعلن نائبها منسق العلاقات الخارجية جوزيب بوريل، أنه «يجب أن تتم الموافقة على القرار من محكمة العدل الأوروبية قبل أن يتصرف الاتحاد الأوروبي. لا يمكنك القول إنني أعتبرك إرهابياً، لأنني لا أحبك».

من الواضح أن ألمانيا متحمسة وترحب بإدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب، في حين أن فرنسا لا تريد أن تذهب بعيداً. وكحل وسط، اتفق وزراء خارجية الاتحاد في بروكسيل على فرض عقوبات على 30 فرداً إيرانياً، وحذت الولايات المتحدة وبريطانيا حذوهم، إذ لن يُسمح لهؤلاء بالسفر إلى الاتحاد الأوروبي وسيتم تجميد أصولهم (غير الموجودة).

إزاء هذه التطورات يصبح السؤال بدهياً عن سبب هذا التحول المفاجئ المناهض لإيران من الاتحاد الأوروبي؟

مصادر إيرانية رفيعة المستوى قالت لـ«الراي» إن «القضية برمتها تتعلق بفشل الغرب في الإطاحة بالرئيس فلاديمير بوتين وتركيع روسيا على ركبتيها، لذلك يجب البحث عن كبش محرقة.

وقد اتهم الغرب الطائرات الإيرانية بلا طيار بلعب دور في حرب أوكرانيا. لذا فهي رسالة أميركية لإبعاد طهران عن موسكو، على غرار الضغط على الصين بهدف منعها من دعم موسكو»، منبهة إلى أن «العقوبات على إيران من المرجح أن تعطي مفعولاً عكسياً، إذ إن العقوبات الغربية قربت إيران وروسيا أكثر من أي وقت مضى وأدت إلى رفع تعاونهما إلى مستوى إستراتيجي غير مسبوق».

ولم يكن عادياً تصويت معظم أعضاء البرلمان الأوروبي في الثامن من يناير الجاري، على إدراج الحرس الثوري على قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب. وأشار البرلمان الأوروبي إلى أن العقوبات فُرضت لدور الحرس الثوري في قمع التظاهرات التي تجتاح أجزاء عدة من البلاد منذ أشهر، لكنها خفتت في الآونة الأخيرة.

إلا أن الحرس الثوري، وبحسب المصادر الإيرانية، لم يشارك في أي عمل ضد المتظاهرين، رغم أن قوة «الباسيج» تعتبر جزءاً من الحرس.

لقد صدرت تعليمات لقوات مكافحة الشغب - والكلام للمصادر الإيرانية - بعدم استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين. لكن عشرات المدنيين وضباط الأمن قتلوا، ولا سيما في شمال غربي كردستان إيران على الحدود العراقية، وفي سيستان وبلوشستان على الحدود الجنوبية الشرقية مع باكستان وأفغانستان.

ويرى المسؤولون الإيرانيون أن قرار العقوبات البرلمانية (الأوروبية) غير الملزم هو بمثابة استفزاز وتحذير من أن الاتحاد الأوروبي قد يتخذ مثل هذه القرارات إذا واصلت إيران ضرب المصالح الغربية من خلال دعمها لروسيا.

ويعتقدون أن قراراً مماثلاً سيدفع مجلس الشورى الإيراني إلى اعتبار الجيوش الأوروبية «إرهابية»، كما هدد رئيس المجلس محمد باقر قاليباف.

وقد يعني هذا إغلاق مضيق هرمز أمام السفن الأوروبية أو تلك التي تحمل النفط الذي تستخدمه الجيوش الأوروبية.

كما أوضحت إيران نيتها الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية. وينطوي التهديد الإيراني عن غير قصد على إمكان وصول طهران إلى المستوى النووي اللازم (90 في المئة من التخصيب الغني لليورانيوم) لإنتاج القنبلة النووية التي يخشاها الغرب والعديد من دول الشرق الأوسط.

وتعتقد إيران أن منسق السياسة الخارجية الأوروبية «لا يتحدث عن رأيه الخاص، بل عن رغبة مسؤولي الاتحاد الأوروبي في التهدئة خوفاً من رد إيراني حاسم قد يؤدي إلى تسونامي من الإشعاع النووي الثقيل».

وعلى الرغم من أن أوروبا لم تنتهك أبداً أياً من آلاف العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، فإن العقوبات الغربية التي تلوح بها القارة العجوز، حتى لو كانت بلا تأثير، تعتبر غير مقبولة من إيران.

ويرى مسؤولون إيرانيون كبار أن «التحرك الأوروبي لا يتعلق فقط بالحرب في أوكرانيا، بل هو أيضاً وسيلة للضغط على طهران لتقديم مزيد من التنازلات في الملف النووي المحفوظ (رسمياً) في الثلاجة».

فثمة مصادر قيادية في إيران أكدت أن «الولايات المتحدة تفعل عكس ما تقول وتبعث رسائل إلى طهران حول رغبتها في استئناف المفاوضات عن طريق مسؤولين أوروبيين أو من خلال الممثلية في الأمم المتحدة».

الرسائل غير المعلنة التي بعثتها الولايات المتحدة عبر أوروبا تتناقض مع ما قاله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في وقت سابق بأن بلاده لم تعد تعتبر الاتفاق النووي مع إيران «أولوية».

ولإثبات قدرتها على الرد ولاعتقادها أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يتمتع باستقلالية القرار، تأخذ طهران عقوبات بروكسيل على محمل الجد، رغم عدم تأثيرها وعدم فعاليتها مقارنة بالعقوبات الأميركية القاسية منذ عقود.

وقد طالب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بالتنسيق مع الوزارات الأمنية والاقتصادية والمصرفية والعسكرية الأخرى لإعداد قائمة شاملة بالأفراد والكيانات التي ستضيفها طهران إلى قائمة العقوبات على أساس المعاملة بالمثل.

تخضع إيران للعقوبات منذ عام 1979. فبعد انتخاب كل رئيس أميركي، تفرض إدارته عقوبات كما لو كانت جزءاً من بروتوكول روتيني يتبعه كل رئيس يدخل إلى البيت الأبيض. وعلى مدار 43 عاماً، لم تغير طهران سياستها تحت التهديد أو بسبب العقوبات. بل على العكس من ذلك، دفعتها العقوبات إلى أن تصبح أكثر تشدداً وطورت قدراتها العسكرية،

وتالياً، فقد أدارت ظهرها للغرب لتتطلع إلى الشرق وإلى الدول غير المعادية لها. وباءت بالفشل جميع المحاولات للإطاحة بالقيادة الإيرانية ونظام الحكم من خلال التظاهرات واغتيال علماء نوويين وتخريب مفاعلاتها، ولم تمنعها أيضاً من بناء قدراتها العسكرية والنووية.

علاوة على ذلك، وصلت إيران إلى مستوى 60 في المئة من تخصيب اليورانيوم، وطورت أجهزة الطرد المركزي، وكذلك أفاضت على أحد حلفائها بالقدرات العسكرية لتتمتع بنفوذ كبير في دول عدة في الشرق الأوسط.

وتالياً، فإن القرارات الأوروبية تؤكد أن القارة العجوز أصبحت جزءاً من النظام الأميركي، في نظر إيران، وأن عقوباتها لم تعد مؤثرة مثلما كانت عليها قرارات الإمبراطوريات الألمانية والنمسوية والهنغارية والبريطانية، في التاريخ القديم.

أما اليوم، فإن آخر الإمبراطوريات تمثلها الولايات المتحدة... لكن ورغم معاناة العقوبات، وجدت الدول المعاقبة بدائل تخولها البقاء على قيد الحياة والتكاتف والتضامن للصمود في وجه أميركا (الصين وروسيا وإيران وفنزويلا وكوبا وسورية).

وظهرت منظمات دولية أخرى بديلة، مثل شنغهاي وبريكس (يمثل هؤلاء 40 في المئة من سكان العالم) في حين أن الغرب لا يمثل سوى 16 في المئة من العالم... هذه هي لعنة الحرب الأوكرانية وشظاياها التي لا تستثني حتى من أوجدها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي