No Script

من الخميس إلى الخميس

عُقولُنا تَبْكي

تصغير
تكبير

العِلمُ عمليةٌ عقلية، وهذا يعني ببساطة أن المادة العلمية تحتاج إلى مُستقبلات دماغية مُناسبة، هذه المُستقبلات هي التي تجعل الإنسان يستوعب المادة العلمية ويبدع في تطويرها، لهذا تهتم الدول في تعليم العلوم لأبنائها بطريقة تُمكّنهم من استيعابها والإبداع بها.

كل العالم من حولنا يتلقى طلبة العلوم ومنها الطب، يتلقَون علومهم بلغتهم الأم، وذلك لسبب بسيط وهو أن اللغة الأم هي البوابة الواسعة لدخول المعلومة بيُسر وسهولة إلى الدماغ، أمتنا العربية واجهت تحديات عظيمة؛ ولعل من أكبر التحديات التي واجهتها هو ذلك الحائط الكبير الذي بناه المستعمرون لدينا ليكون حائلاً بين لغتنا وبين العلوم.

لقد شهِدَ التاريخ للأمة العربية بإبداعاتها في الطب والعلوم، وحتى الذين لم يكونوا عرباً من العلماء تعرّبوا وتعلّموا بالعربية وأبدعوا بها، ولدينا في ذلك أمثلة لا تُعد ولا تُحصى، فمَنْ مِن علماء العالم مَنْ لا يعرف ابن النفيس، الرازي، وابن سينا وغيرهم كثير.

إننا اليوم إذا قارنّا الإبداعات القديمة بما تُعاني منه أمتنا العربية، منذ أن تمّت مُحاصرة لغتنا وطردها من محافل الجامعات، إذا قارنّا سنكتشف الحقيقةَ المُرّة، حقيقة أننا سنبقى أمة متخلفة في النواحي العلمية طالما تم تعليم المعرفة والعلوم لأبنائنا بغير لغتهم الأم.

أحياناً ألتقي بأشخاص من الذين سيطرت على عقولِهم ثقافة غربية فأجدهم مؤمنين إيماناً راسخاً بأن الطب والعلوم لا يمكن تدريسهما إلا باللغة الإنكليزية، ولكنهم يُفاجَأونَ عندما أُخبرهم أن العالم كله لا توجد فيه دولة أو شعب يتكلم لغة واحدة يتعلم بغير لغته الأم، ويزداد استغرابهم حين يُدركون أن دولاً صغيرة كمالطا وشيلي وبورما وغيرها عشرات من الدول، كبيرة كانت أم صغيرة، تدرس لغة الطب بلغتها، يزدادُ استغرابهم وقليل منهم مَنْ يُراجع نفسه ويُطالب بحق لغتنا المفقود منذ عقود طويلة.

إن الدول التي أعطت للغتها مكانتها في العلم تجدُ أبناءَهم يُبدعون في العلم والبحث العلمي ويتسابقون مع غيرهم من الدول في الإنتاج البحثي.

لقد بيّنت الدراسات الحديثة التي قام بها باحثون عرب، وهي متوافرة للراغبين، أن الأطباء والعلماء العرب يجدون صعوبةً في فَهم المادة العلمية فهماً كاملاً؛ ويجدون صعوبة أكبر في كتابة البحوث والدراسات العلمية، لهذا فإن إنتاجهم ضعيف؛ ونشرهم محدود جداً، ومن المُحزن حقاً أن نرى إسرائيل وهي التي زُرعت بيننا، تدرّس أبناءها الطب والعلوم باللغة العبرية، لهذا تنشط إسرائيل في مجال البحوث العلمية وتنشر كل عام أضعاف النسب التي تنشرها أمة العرب مُجتمعة، (6000 ورقة علمية لكل مليون مواطن إسرائيلي مقابل 1000 ورقة لكل مليون مواطن عربي).

علينا أن نُفرّق بين أمرين؛ أن نتعلّم لغة أجنبية وأن نتعلّم بلغة أجنبية، يجب على شبابنا أن يتعلموا بل يُتقنوا لغة أجنبية أو أكثر حتى يستطيعوا التواصل مع العالم الخارجي أُسوة ببقية دول العالم، أما أن نحرم لغتنا من التداول العلمي ونحرم أبناءنا من الفهم الصحيح والإبداع الخيالي المرتبط باللغة الأُم فهذه خطيئةٌ كبيرةٌ يدفع ثمنها علماؤنا وقدراتهم على التنافس العالمي، فهم مقارنة بغيرهم من علماء العالم مُصابون بإعاقة ذهنية تمنعهم من الإبداع العلمي بسبب حِرمانهم من التفكير بلغتهم الأم.

اتحاد أطباء العرب تحركوا هذه الأيام وبقوة من أجل تعريب الطب إنقاذاً لحضارتنا القادمة من الجمود؛ ورغبة منهم في أن تُشارك الأمة العربية أمم العالم، تشاركها الإنتاج العلمي وتُساهم في التقدم الحضاري الطبي في العالم.

لقد وجدت من الأطباء المشاركين في لجنة التعريب روحاً متدفقة؛ وحماساً منقطع النظير وجميعهم من المخضرمين الذين أدركوا إدراكاً يقينياً، بفضل التجارب الكبيرة والطويلة التي مرّوا بها، أدركوا أن لا أمل يُرجى من أمتنا العربية في مجال الإنتاج الطبي والعلمي إن لم تكن لغتنا في المقعد الأمامي بالجامعات والمعاهد والمختبرات، كل ما يرجوه الأطباء العرب أن يجدوا مسؤولين يُدافعون عن حق أبنائنا في فهم العلم بالطريقة الصحيحة، ويُدافعون عن حقوق أمتنا؛ ويصُّدون عنا أولئك الدُخلاء الذين يعيشون بيننا وهم يحتقرون أمتنا ويُحاربون (دون سند علمي) حقَّ لغتنا في أن تكون وسيلة العلم لتُنير عقول أبنائنا وتَفتحَ أمامهم إبداعات الطب والعلوم ليكونوا إضافات حقيقية للعالم أسوة بزملائهم في الدول الأخرى.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي