النائب العام التمييزي ادعى على بيطار ومنعه من السفر وأخلى كل الموقوفين
تفجير مرفأ بيروت «انفجر» بالقضاء... انقلابٌ على المحقق العدلي؟
- بيطار أكد «لن أترك الملف وقرارات عويدات غير قانونية»
- دولار الـ 57 ألف ليرة «يحرق» اللبنانيين وصفيحة البنزين فوق المليون
... انقلابٌ قضائي - سياسي، «7 مايو قضائي». توصيفان ضجّتْ بهما بيروت أمس ما أن لاحتْ مَعالِمُ عمليةِ انقضاضٍ مضادّ على المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار واندفاعته بالعودة «من تلقاء نفسه» لاستئناف مهمّته قافزاً فوق «الأسلاك الشائكة» التي شكّلتْها عشرات دعاوى الردّ والمخاصمة بحقه من سياسيين مدعى عليهم والتي جمّدت تحقيقاته منذ 13 شهراً.
ورغم أن مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بادعائه أمس على بيطار ومنْعه من السفر وقراره بتخلية الموقوفين الـ 17 جميعاً في ملف المرفأ استخدم «السلاح نفسه» الذي شهره بيطار بوجهه كما بوجه الأطراف السياسيين الذين كبّلوا يديه، فإن «القتال» القضائي بـ «السلاح الأبيض» الذي يشهده قصر العدل وأروقته أثار مخاوف كبرى في اتجاهين:
* انعكاساته الخطيرة على الجسم القضائي الذي لم يسبق أن عاش «انشطاراً» عمودياً كالذي يمزّقه حالياً حتى في عزّ أيام الحرب.
* تَشَظّي قضية المرفأ برمّتها و«دفنها» في ترجمةٍ «متأخّرة» لقرارٍ سبق أن اتُّخذ بـ «قبع» المحقق العدلي في «بيروتشيما»، وهي القضية التي أُعلن معها القضاء عملياً «سلطة فاشلة» يُخشى أن يُفتح معها بابُ ريح دولي يهبّ على لبنان محمَّلاً بـ«غبار» صراعات المنطقة وحروبها.
وفيما كان يسود بيروت «سكون مدوّ» على الجبهة القضائية وسط انشغالِ اللبنانيين بمحاولة «اللحاق» بالوثبات القياسية على مدار الساعة لـ «الدولار الأسود» الذي ناطح أمس 57 ألف ليرة رافعاً سعر صفيحة البنزين لِما فوق المليون ومتسبباً باضطراباتٍ في سوق المحروقات والخبز وغيرها ويتحركات احتجاجيةٍ في أكثر من منطقة إحداها أمام مقرّ مصرف لبنان في الحمراء، تأكّد المؤكّد لجهة أن ملف المرفأ لم يكن يأخذ إلا «استراحة ما بين عاصفتين».
فالقاضي عويدات بدا وكأنه أعاد «تنظيم الصفوف» وانبرى لـ «هجوم معاكِس» بعدما استوعب «الصدمة» التي شكّلها ادعاءُ بيطار عليه و3 قضاة آخرين وكبار القادة الأمنيين واستئنافه تحقيقاته متّكئاً على اجتهادٍ قانوني «استوعب» من خلاله صلاحيات النائب العام التمييزي وعطّل أي مرتكزاتٍ تتيح ردّه أو تنْحيته عن القضية قبل إصدار قراره الاتهامي، وهو ما أتاح له «الإفتاء» بإكمال مهمته من حيث توقّفت.
وبـ «العيار الصاعق» نفسه، ردّ عويدات على بيطار واختار جَعْلَ «المَنْفذ» القانوني ولو بالاجتهاد الذي لجأ إليه المحقق العدلي لاعتبار نفسه «مولجاً بصلاحيات النائب العام لدى محكمة التمييز» خطاً باتجاهيْن فـ «استعار» عويدات صلاحيات بيطار وذهب أبعد في ما خص تخلية الموقوفين (من دون محاكمات) فأشار إلى إطلاقهم جميعاً وليس فقط خمسة وذلك ارتكازاً على «الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» (العهد الدولي الخاص) الذي أقر في 1966 وصادق عليه لبنان في 3 نوفمبر 1972 «مع منْعهم من السفر وجعلهم بتصرّف المجلس العدلي».
وإذ بدا القرار على طريقة «قلْب السحر على الساحر» عبر إظهاره انسجاماً مع معاهدة دولية كانت تجري العُدّة لاستخدامها ضدّ لبنان ربْطاً بوجود موقوفٍ في القضية يحمل الجنسية الأميركية وأيضاً كسْب جزء من الرأي العام الذي كان يثير ملف هؤلاء في الشارع، فإنّ عويدات لم يكتفِ بهذا التطور الصادم بل أعقبه بالادعاء على المحقّق العدلي ومنْعه من السفر على خلفية «التمرّد على القضاء».
وإذ أعلن مدعي عام التمييز أنه استدعى بيطار للمثول أمامه اليوم، قال الأخير في أول تعليق له على ما أصدره عويدات إن «المحقّق العدلي وحده مَن يملك حق إصدار قرارات إخلاء السبيل وبالتالي لا قيمة قانونية لقرار عويدات»، مشدداً على أنّ «أي تجاوب من القوى الأمنية مع قرار النائب العام التمييزي بتخلية الموقوفين سيكون بمثابة انقلاب على القانون».
وأكد بيطار أنه «لن يترك ملف المرفأ وما قام به مدعي عام التمييز مخالف للقانون كونه متنحياً عن ملف المرفأ ومدعى عليه من قبلي ولا يحق له اتخاذ قرارات بتخلية موقوفين في ملف قيد النظر لدى قاضي التحقيق».
ولكن موقف بيطار «المحاصَر» بدا مجرّد «ضربة سيف في الماء» إذ سرعان ما ظهّر عويدات أن «الأمر لي» على مستوى الأذرع التنفيذية في الجسم القضائي، حيث بوشرت إجراءات تنفيذ إشارات تخلية الموقوفين من الأجهزة الأمنية المعنية التي كانت تبلّغت أول من أمس من النائب العام التمييزي عدم الاستجابة لأيّ من القرارات أو الإشارات التي تصدر عن بيطار سواء بإبلاغ مدعى عليهم أو تخلية موقوفين باعتبارها «كأنها لم تكن» وصادرة عن مرجع مكفوفة يده.
وذكر تلفزيون «ام تي في» أن «الضابط العدلي الذي أرسله عويدات إلى منزل بيطار» (لإبلاغه بالادعاء عليه وموعد المثول أمامه) قال للأخير «الرّيّس عويدات بدو يشوفك» فأجابه بيطار «أنا اللّي بدّي شوفو وأنا اللي مدّعي عليه ومحدّدلو جلسة استماع بعد أيام» فغادر الضابط.
وكان أبرز من خرجوا من السجن أمس مدير عام الجمارك بدري ضاهر الذي سبق لـ «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) أن خاض حملةً واسعة لإطلاقه منذ أن أوقف مع 16 آخرين من إداريين وأمنيين في المرفأ (وغيرهم) في اغسطس 2020 وبقوا من دون محاكمة في ظل إغراق مهمة بيطار بالدعاوى التي كفّت يده منذ 13 شهراً ولم يتم بتّها بفعل عرقلة مرسوم التعيينات في الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
وفي موازاة ذلك، يبرز ترقُّبٌ ثقيل لاجتماعٍ يعقده مجلس القضاء الأعلى اليوم ويُنتظر أن يحضره عويدات الذي تراجَع عملياً عن قراره بالتنحي عن النظر في كل ما له علاقة بقضية المرفأ (نظراً لعلاقة مصاهرة تربطه بالمدعى عليه النائب غازي زعيتر)، وسط علامات استفهام حول هل يتيح توافر نصاب انعقاد الاجتماع إكمال «الانقلاب» على بيطار عبر تنحيته، رغم اجتهاداتٍ بأن ذلك غير ممكن ولو جاء بناء على طلب من وزير العدل باعتبار أن مهمة المحقق العدلي تنتهي بصدور قراره الاتهامي.
وإذ لاح بالتوازي سباق مكتوم بين ما يُضمر لبيطار وبين احتمال أن يعمد لتفجير «أم القنابل» بإصدار القرار الاتهامي على طريقة «اشهد اني بلغت»، كان بارزاً رغم الانكفاء السياسي النسبي عن الملف في ضوء تحوّل عويدات «رأس حربة» التصدي للمحقق العدلي، أن «حزب الله» وعبر قناة «المنار» اعتبر ما قام به بيطار «طرقا لأبواب الفتنة من جديد، وعلى الجسم القضائي أن يبقى مستنفراً لحماية نفسه وسمعته وحتى وحدته»، لافتاً إلى أن ما جرى «ليس اجتهاداً قضائياً وانما فعل تدميري لما تبقى من آمال بالوصول الى حقيقة تفجير المرفأ»، ومتحدثاً عن «نيات شيطانية».
في إطار برنامج غير مسبوق لدعم رواتبهم
100 دولار شهرياً من أميركا لكل عسكري ورجل أمن في لبنان
في تطوّر هو الأول من نوعه، أعلنت سفيرة الولايات المتحدة في لبنان دوروثي شيا أن الإدارة الأميركية حصلت على موافقة الكونغرس على «إعادة تخصيص جزء كبير من المساعدات الأميركية الأمنية لدعم الرجال والنساء الذين يعملون بجد في الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والذين يلتحقون بمراكزهم بإخلاص من أجل حماية وطنهم».
جاء ذلك في كلمة ألقتْها شيا خلال مؤتمر إطلاق «برنامج دعم عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي» بالتعاون بين الولايات المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي سيوفر 72 مليون دولار على شكل دعم مالي موقّت لرواتب عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي المستحقّين.
وأكدت السفيرة أن الدعم سيكون بمساعدة مالية «تساهم في تأمين مقومات صمود عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي وعائلاتهم وذلك في ضوء إلحاح الوضع الإقتصادي المتردي في لبنان»، موضحة أن هذه المساعدة ستوافر لكل العناصر المستحقّين، وذلك بموجب قانون الولايات المتحدة، مبلغ 100 دولار شهرياً لمدة ستة أشهر، بمجموع 72 مليون دولار.
وإذ شددت على أن بلادها تقدّم للمرة الأولى هذا النوع من الدعم المالي إلى القوى العسكرية والأمنية في لبنان، موضحة أنه سيوفر مساعدة «للجنود وعناصر الخدمة الأبطال»، ألحت على القادة السياسيين أن يقوموا بانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة وتطبيق إصلاحات اقتصادية فورية.
وجاء إطلاق البرنامج في لقاء عقد في بيت الأمم المتحدة (مبنى الإسكوا) وسط بيروت، في حضور الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان ميلاني هاونشتاين، قائد الجيش العماد جوزيف عون، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وضباط ورتباء من الجيش وقوى الأمن الداخلي وشخصيات إعلامية وعسكرية.
وأشار بيان لـ (UNDP) إلى أنه «وفقاً لهذه الاتفاقية الجديدة، سيعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع مزوّد خدمات مالية على الصعيد الوطني للبدء بصرف الأموال بمجرد استكمال الآليات المناسبة».
وشدّدت الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان على أنّ «الأمن والاستقرار والتنفيذ السريع للإصلاح هي الشروط الأساسية للتنمية في لبنان»، مشدّدة على أنّ «الشفافية والمساءلة هما أمران أساسيان لمشروع بهذا الحجم والأهمية».
وأضافت: «وبصفته الوكالة المنفّذة، سيعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع شركاء موثوق بهم لضمان وصول الأموال إلى المستحقّين. كما استعان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بوكالة معترف بها دولياً كطرف ثالث لمراقبة العملية، وقد وضعنا آليات صارمة لضمان التزام المشروع بأعلى معايير العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان».