من صعوبة التعلم إلى أول عربي يلقي كلمة الخريجين في «جورج واشنطن»
سعد الطامي... عندما يهزم التصميم كل مستحيل
كونا- هل كنت لتصدق لو قيل لك إن الطالب سعد الطامي، أول عربي يلقي كلمة الخريجين في كلية إليوت للعلاقات الدولية التابعة لجامعة جورج واشنطن، والذي عانى تأتأة وصعوبات في التعلم منذ المرحلة الابتدائية؟
انتهت قصة سعد في الجامعة، وبدأت نجاحاته ورؤاه لأن تكون أساساً لنموذج يمثل الكفاءة الوطنية الشابة التي تعول الكويت عليها لترجمة الإنجازات العلمية إلى واقع ملموس يسهم بشكل إجرائي في حل مشكلات الوطن... إنها قصة تفتح آفاق الأمل وتضع الممكن موضع المستحيل.
في الواقع أن الشاب الذي أبهر العالم، تغلب على صعوبة في النطق، ونوع من صعوبات التعلم يُعرف بفرط الحركة ونقص الانتباه، كانا يلازمانه منذ الصغر.
رغم ما عاناه صغيراً وكبيراً، بلغ سعد ذلك المبلغ بفضل أبوين، تفانيا وضحيا وعملا بدأب لتنشئة الأبناء كأفضل ما تكون التنشئة، وبرعاية معلمين أحبوا الكويت وأخلصوا لها فعملوا من أجل فلاح أبنائها دون كلل أو ملل.
فرط في الحركة والذكاء ... عريف حفل في الابتدائية
عندما التحق بالمرحلة الابتدائية اشتكى معلموه من فرط حركته رغم إشادتهم بذكائه وتفوقه، فسلك الوالدان معه مسلكاً تربوياً كان له عظيم الأثر في التغلب على تلك الصعوبة.
ولم يكن فرط الحركة المشكلة الوحيدة التي يعانيها بل كانت لديه تأتأة لاحظتها معلمته الفاضلة نورة القحطاني، انتهجت نهج المعالجة الناجعة، فرشحته وهو ابن الصف الأول، ليكون عريف حفل التفوق بالمدرسة، وهو ما عارضته الإدارة متعللة بصغر سنه.
وأدى الكلمة بطريقة أبهرت الحضور وضربت المثل للمعلمة التي تؤمن بقدرات تلاميذها وتعمل بجد لتخليصهم من مشكلاتهم.
«تحدث شارك ناقش» ...وصية الوالد اليومية
على الشق الآخر عمل الوالدان بروح الفريق فالأم تكفلت بالعمل على صعوبة التعلم بوضع برنامج تتغلب من خلاله على أعراض المشكلة والأب حمل على عاتقه التعامل مع التأتأة.
دفع الأب سعد نحو تحدي ذاته والإعلان عن نفسه بشكل فاعل وعملي ومسؤول، فبدأ معه بإشعاره بأهمية المشاركة الدورية في الإذاعة المدرسية، فكان سؤاله اليومي على مائدة الغداء «ماذا قدمت اليوم في الإذاعة؟».
من هذا السؤال اليومي رغب الوالد في وضع سعد موضع المسؤولية، وكان يكرر على مسامعه صباح مساء «تحدث شارك ناقش»، ليختار الموضوع ويصوغه ويقدمه والأخذ بزمام المبادرة والاعتماد على النفس والمضي قدماً في طريق التخلص من التأتأة.
الطفل نجم برامج التلفزيون
في الصف الرابع فوجئ سعد بوالده ذات صباح يهاتف الإعلامي غالب العصيمي، لإشراكه في برنامج تلفزيون الأطفال، وهو ما رحب به العصيمي فصار سعد أحد أعضائه.
أثمرت جهود الأسرة والمدرسة وتلفزيون الكويت فلمع نجم سعد، حتى أن مديرة إدارة الأنشطة في منطقة الأحمدي التعليمية وقتها كانت تطلبه، للمشاركة في المناسبات التي تنظمها، وكذلك رئيسة قسم الخدمة الاجتماعية في المنطقة المربية الفاضلة بيبي رمضان.
لا نوم في الجامعة... الطالب أمام حالته وجهاً لوجه
في 2018 وبعد قضاء سعد سنتين بالمرحلة الجامعية في جامعة توليدو بأوهايو، وحصوله على تقدير ممتاز عانى بسبب صعوبات في النوم، فلجأ إلى طبيب متخصص بمستشفى الجامعة فشخص حالته، إنه يعاني فرط الحركة ونقص الانتباه.
وبعد تردد اتصل بوالدته، وأخبرها فردت بطريقة طبيعية «أعلم». وقالت «من بداية دراستك الابتدائية قرر الطبيب إعطاءك حبوباً، لكنني رفضت وتكفلت ببذل كل جهد كي تتغلب على الحالة، وهو ما حدث بكل مراحلك الدراسية».
وقال «بالفعل نصح الطبيب الحالي بتناول أدوية أيضاً ولكنني لن آخذها.. أعرف الآن كيف أتعامل مع حالتي وهذا نصف الحل»، فثمنت الأم قراره.
قرأ سعد عن حالته وعرف متطلبات التعامل مع أعراضها. بدأ بضبط ساعات عمله ونومه، فاشترى ساعة مخصصة بالأساس للطبخ ليضبط عليها وقت مهماته وجعل دفتر الملاحظات رفيقاً له، ليحدد ما يجب عليه فعله والوقت المخصص له.
ضبط بندول حياته ليوائم بين متطلبات الدراسة وحاجته إلى قسط وافر من النوم، فنجح واستطاع إنهاء دراسته، وإلقاء كلمة الخريجين الشهيرة.
4 معايير لكلمة الخريجين ... والتقييم من 6 أساتذة
أنهى سعد مقررات التخرج وأثناء ملء نموذج التقديم لكي يدرج في قائمة الخريجين، فاجأه سؤال: هل ترغب في الترشح لإلقاء كلمة الخريجين؟ فلم يتردد في وضع علامة الإيجاب أمامه.
بعد خضوع طلبات الخريجين لإلقاء الكلمة للتقييم على يد 6 أساتذة وفق 4 معايير، تتضمن التفوق الأكاديمي والخطابة وتزكية المعلمين والأنشطة الطلابية، تسلم سعد بريداً إلكترونياً باختياره، مطالباً إياه بتأكيد القبول خلال 24 ساعة، وهو ما قد كان ليقوم بالمهمة التي لم يسبقه إليها أي عربي.
سعادة وحزن... لغة لا رسمية بل مشاعر ما يعتمل في داخله
خطط سعد لكلمته فاتجه إلى دراسة آخر 10 كلمات لخريجي جامعته ووجد أنها تقليدية مقروءة. فقرر ألا يفعل ذلك. كما وجد أنهم يستخدمون لغة موغلة في الرسمية، فاختار أن تعبر كلمته عن المشاعر الحقيقية التي تعتمل داخله.
تنازع سعد خلال إلقائه كلمته شعوران، سعادة بالتخرج، وحزن لتركه تلك الحياة الدراسية الثرية بالأحداث والوقائع الرائعة، التي جعلته يضع في قرارة نفسه ألا يتركها، حتى أنه حدد معالم خطته لنيل درجة الدكتوراه ليظل ملتصقاً بها.
قال سعد كلمته فانتشرت عبر وسائل التواصل في كل أنحاء الوطن العربي وحظيت بتفاعل واسع لم يتوقعه سعد نفسه، وتوالت عليه كلمات الثناء التي يستحقها من قيادات سياسية وشعبية على الصعيدين المحلي والدولي.
امتياز مع الشرف... «بيتا غاما سيجما»
حصل سعد على بكالوريوس العلوم الإدارية في تخصص التمويل من جامعة توليدو بامتياز مع مرتبة الشرف مع حصوله على علامة «بيتا غاما سيجما» التي تضم مجتمع الشرف الأكثر عراقة لطلبة العلوم الإدارية وهي مخصصة لأفضل 10 في المئة من الطلبة في أفضل 5 في المئة من كليات الشؤون الإدارية على مستوى العالم.
بعد حصوله على درجة البكالوريوس شرع سعد في تكملة مشواره لنيل الماجستير في تخصص العلوم السياسية الذي كان يهواه منذ الصغر فاتجه إلى واشنطن واختار الالتحاق بجامعة جورج واشنطن.
جامعة السفراء
استحوذت جامعة جورج واشنطن على لب سعد، لتميز موقعها وتوفيرها طاقماً تدريسياً مميزاً وجلسات نقاشية مع كبار الساسة الأميركيين، علاوة على تخريجها عدداً كبيراً من الديبلوماسيين الأميركيين الذين عملوا في الكويت، ومن بينهم 5 سفراء ولذا يطلق عليها «المغذي الأكبر للخارجية الأميركية».
كلية إليوت
التحق سعد بكلية إليوت للشؤون الدولية التي تعج بكبار عرابي السياسة الأميركية، ضمن ما يربو على 250 دارساً من كل أنحاء العالم، وأخذ ينهل من علمها ويتفاعل مع مجريات الحياة العلمية فيها، حتى صارت جزءاً من شخصيته.
دعم... وإعجاب
دعمت عميدة الكلية أليسا أيرس سعداً بشكل كبير قبل الكلمة وبعدها. كما أبدى رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب غريغوري ميكس إعجابه بالكلمة، ومازحه قائلاً «أعرف أنك كنت مذيعاً في برنامج أطفال.. أريدك أن تعلمني كيف أتعامل مع بعض زملائي في الكونغرس».