مصر ردّت على «التحرش السياسي» ووصفت مواقف نصر الله بـ «العبثية واستدعاء بطولات زائفة»

لبنان يخسر صوته في الأمم المتحدة وارتيابٌ في بيروت من أصوات «التخويف الأمني»

تصغير
تكبير

- الاعتصام النيابي المفتوح في البرلمان... هل يتحوّل «قنبلة صوتية؟»
- الدولار على تحليقه فوق 51 ألفاً والمرحلة الأولى من تحقيقات الثلاثي الأوروبي انتهت

لم يَحَتَجْ لبنان لأن يخسرَ للمرة الثانية في نحو 3 سنوات حقَّه بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ليتعمّق واقعُ «الدولة الفاشلة»، مع وقف الإعلان الرسمي، والتي لا تنفكّ تستجلب المزيدَ من شعور الازدراء الدولي تجاه السلطات الرسمية... ولا تَطَلّب الأمرُ هزتان أرضيتان شعر بهما سكان الشمال اللبناني خصوصاً ومحافظتي طرطوس وحمص (في سورية)‏‏‏‏‏‏ لتذكير أبناء «بلاد الأرز» بأنهم يقفون فوق أرض مهتزّة تُنْذِر بـ «ابتلاع» ما بقي من «ممرات آمنة» تقيهم الانكشافَ المميت على تسونامي الانهيار... ولا اقتضى، لتأكيد الغرق المتمادي في لعبة المناكفات والنكايات السياسية فوق ركام واقع مالي واقتصادي ونقدي مدمّر، أن يتحوّل الاعتصامُ المفتوح لعددٍ من نواب المعارضة في مقرّ البرلمان عنصرَ تَجاذُبٍ إضافياً في «الحرب الباردة» الرئاسية التي يشتدّ «اشتعالُ» كل شيء من حولها.

هكذا مضى لبنان بالسباحة في بحر هائج بلا «سترة إنقاذ»، وبتفويت التقاط «حبل نجاة» تلو الآخَر، أولاً بالإمعان في «دفن الرأس في الرمال» منذ 3 سنوات ونيف عبر تأخير تهيئة «المهبط الاضطراري» للسقوط الحرّ من إصلاحات مالية وهيكلية بعضها «تجاوزه الزمن»، وثانياً بإشاحة النظر عن «الأصل السياسي» للانهيار الشامل والمتمثّل في اقتياد البلاد إلى خارج نظام المصلحة العربية وتحويلها، بقوة الأمر الواقع، حلقة رئيسية في قوس النفوذ الإيراني.

ولم يكن ينقص لبنان إلا «تَحَرُّش» سياسي بالقاهرة التي لم تتوانَ عير وزارة خارجيتها عن انتقاد التصريحات الأخيرة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله حول الوضع الاقتصادي في مصر.

وكان لافتاً في هذا السياق اعتبار المتحدث باسم الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، انّ تصريحات نصرالله «عبثية»، مضيفا انّ «تصريحاته تحاول استدعاء بطولات زائفة» وذلك رداً على ما أعلنه الأمين العام لـ «حزب الله» (الخميس) في إطار حديثه عن أن «التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والتبعية بالمواقف السياسية للولايات المتحدة، ليست سبيلاً للنهوض بالدول، والتغلب على الأزمات».

وقال نصر الله: «أدعوكم، وعلى كل حال بعض الحاضرين أجروا دراسات وكتبوا ‏مقالات جميلة، أدعوكم إلى مراقبة موضوع مصر والأردن، لكن مصر على وجه ‏الخصوص التي هي أول دولة أقامت سلاماً مع العدو الإسرائيلي، وعملت كامب ديفيد وملتزمة ‏بالمعاهدة التزاماً دقيقاً». وأضاف: «لمصر أفضل العلاقات مع أميركا ودول الخليج وتسير مع صندوق النقد الدولي. أين أصبحت؟ ما هو وضع مصر الآن؟. هل لبنان أهمّ لأميركا من مصر؟ هل ‏‏لبنان أهمّ لأوروبا من مصر؟ هل لبنان أهمّ للسعودية من مصر؟ هل لبنان أهمّ ‏للخليج من مصر؟ ما الذي ينقص دول الخليج أن تأتي بـ 100 مليار، 200 مليار، ‏‏300 مليار - يحسبوا حالهم عم يلعبوا كرة قدم – وتستنهض دولة عربية على حافة ‏الانهيار».

وإذ عَكَسَ الردّ المصري عدم استعداد القاهرة للتهاون مع أي إساءاتٍ تتناولها، فإن توقيت التعرض لمصر ترك علامات استفهام حول خلفياته وسط تقارير تحدثت عن أنها قد تنضمّ للاجتماع الرباعي الفرنسي - الأميركي - السعودي - القطري في باريس والذي تردّد أنه أرجىء من يوم غد الاثنين ولمدة أسبوعين، وإن كان هذا اللقاء يُدرَج في سياق تفعيل «الممر الإنساني» لدعم الشعب اللبناني أكثر منه وضع خريطة طريق لخروج بلاد الأرز من الأزمة السياسية التي يختزلها مأزق الانتخابات الرئاسية التي كلما تأخرت بفعل التعقيدات الداخلية وتعدُّد حسابات اللاعبين المحليين في مقاربة هذا الاستحقاق ومآلاته كان عرضةً لمزيد من «الرياح المُعاكِسة» التي تهبّ من ملفات إقليمية وليس أقلها تَصاعُد التوتر الأوروبي - الإيراني واحتدام الـ «ميني حرب عالمية» في أوكرانيا.

وعلى وقع «تَوَسُّل» لبنان الرسمي الخارج لدعمه وفرْملة الارتطام المريع الذي يتجه إليه، وفي موازاة تأكيد المؤكّد لجهة عجْزه عن ضبْط الاستهداف الكلامي لدول عربية أو المساهمة في ضرب أمنها القومي، فإنه لم يتوانَ عن «جلْد نفسه» مجدداً عبر تطور فضائحي شكله خسارة الوطن الصغير حقه بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة المكونة من 193 دولة لتَأخُّره عن دفْع مليون و835 ألفاً و303 دولارات، مستحقات مالية تراكمت عليه عن العامين الماضييْن لميزانية تشغيل المنظمة الدولية، بحسب ما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس.

ورغم أن لبنان، وهو من الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة ومن المساهمين في وضع شرعة حقوق الإنسان، كان عاش التجربة نفسها العام 2020 واستعاد حقه بالتصويت في العام ذاته بعد دفع جزء من المستحقات، فإن تكرار هذه الخطيئة عَكَسَ المزيد من تحلُّل الدولة ومؤسساتها وعدم قدرتها حتى على استباق ما يشبه «إعلان إفلاس» سياسي وديبلوماسي لن يغطيه تَدارُك الموقف سواء بتبادُل الاتهامات وتقاذُف المسؤولية أو ترتيب مخرج مالي يعيد للبنان صوتَه في المنظمة الدولية ولكنه بالتأكيد لن يرمّم صورتَه وسمعتَه ولن يسحبَ «غسيلَه الوسخ» الذي بات منشوراً «على سطوح مانهاتن».

اعتصام البرلمان... أمام اختبار

وفي هذا الوقت، بقي الوضعُ الداخلي أسيرَ الحلقة المقفلة التي يدور فيها الاستحقاق الرئاسي والتي لم يبدّل في أفقها المسدود استمرارُ الدولار في التحليق القياسي عند حدود 51200 ليرة، وسط ارتيابٍ أوساط مطلعة من ضخّ إعلامي عن «أمرٍ ما» أمني يُخطّط للبنان عبر مجموعات إرهابية داعشية وغيرها وهو ما يطرح علامات استفهام في اتجاهين:

• الأول هل الأمر في سياق تحضير «اتهام جاهز» استباقاً لتطورات ذات طابع أمني لا يُعرف هل ستكون إيذاناً - في حال حصولها - بدخول عملية «عض الأصابع» الرئاسية مرحلةً أكثر شراسة وتالياً الرغبة باستدراج انتخاب رئيس «على الحامي» بحيث يرسو الاستحقاق على الاسم الأكثر «جاهزية» للتسويق وجذْب أصوات عابرة للاصطفافات تحت ضغط «الوضع القاهر»، أي سليمان فرنجية.

• والثاني هل أن أي تحريك للوضع الأمني سيكون ذات صلة بعناوين أخرى تفرض نفسها على المشهد الداخلي انطلاقاً من الانهيار المالي ومتفرعاته، وبملامح تدويلٍ قد يتجه اليه التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وبدأ يطلّ من تحقيقات الثلاثي الأوروبي في قضايا فساد وشبهات تبييض أموال رُبط بها حاكم مصرف لبنان ريضا سلامة وشقيقه رجا (انتهت مرحلتها الأولى التي جرت في بيروت مع 15 شخصاً) وتبرز مَخاوف، تعبّر عنها بعض الدوائر، من أن تكون في إطار رغبة خارجية في استثمار هذه «الخاصرة الرخوة» المرشحة للتوسع لتشمل القطاع المصرفي برمّته، كعامل ضغط في الملف الرئاسي ومجمل الوضع اللبناني. وهذا ما يفسّر بحسب هؤلاء مثلاً الترويج لتمديد جديد لحاكم «المركزي» الذي تنتهي ولايته في يوليو المقبل (ما لم يكن تم انتخاب رئيس) بقبولٍ من غالبية الأطراف الوازنة في الموالاة بما فيها الثنائي الشيعي «حزب الله» والرئيس نبيه بري.

وفي موازاة هذه الهواجس، بقيت الأنظار على مقر البرلمان وتحديداً القاعة العامة التي تجرى فيها جلسات الانتخاب الرئاسية والتي حوّلها نواب التغيير «ساحة اعتصام مفتوح» في إطار حضّ بري على الدعوة لجلسات متتالية حتى انتخاب رئيس وتشجيع النواب الآخرين على الخروج من وضعية انتظار حلول خارجية وإيجاد دينامية داخلية «تلبنن» الاستحقاق.

وفي اليوم الثالث على هذا الاعتصام المفتوح، الذي يشكل ركيزته النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا والذي يتناوب فيه عدد من نواب التغيير على المبيت في القاعة (مع خلف) ثم على الحضور نهاراً تضامناً مع زملائهم، تبرز تقديراتٌ بأن هذا التحرك الذي باغَت فيه خلف وصليبا أولاً النواب التغييريين الآخرين (المنقسمين على نفسهم أساساً) كما سائر نواب المعارضة قد يتحوّل «ظاهرة إعلامية» أو «قنبلة صوتية» ما لم تشهد الساعات المقبلة دعماً شعبياً لهذه «الانتفاضة الناعمة» أو احتضاناً شاملاً من كل مكوّنات المعارضة التي:

• إما حضر بعض أحزابها من باب «رفْع العتب» تجاه الشارع وسط عدم تحبيذ أن تظهر كمَن «لحق بأجندةٍ» وضعها التغييريون.

• أو عبّر بعضها الآخر عن توجُّس من هذا التحرك الذي يمكن أن يتحوّل معه نواب التغيير أسرى على «شجرةٍ» قد يصعب النزول عنها، وذلك ما لم يكن الاعتصام مدخلاً سريعاً لتوحُّد كل المعارضة على اسم ميشال معوّض أو مرشح آخر يجسّد مواصفاته (سيادياً وإصلاحياً)، وتالياً تشكيل غالبية 65 صوتاً قادرة على جعْل المعارضة تمسك بالمبادرة في الاستحقاق الرئاسي فتكون لها التسمية وللموالاة حق الفيتو.

ولم يكن عابراً أن رئيس البرلمان قابَل محاولة «مدّ اليد» على صلاحيته الحصرية بتوجيه الدعوة إلى جلسات انتخابٍ، بتحديد موعد الخميس المقبل، ليس لجلسة رئاسية على ما درجت العادة، بل للجان المشتركة.

وجاء لافتاً الربط الضمني بين استئناف جلسات الانتخاب وبروز مؤشرات مسبقة لتفاهمٍ في هذا الملف وفق ما عبّر عنه موقف نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي أبلغ الى قناة mtv «أنني علمتُ من الرئيس بري أنه مستعد لالغاء جلسة اللجان المشتركة وأي جلسة أخرى، لتحديد جلسة رئاسية اذا لمس بوادر تفاهم أو مَخْرج لإنتاج رئيس، وجلسة اللجان ليست بديلاً من جلسة الانتخاب بل مسعى للتشريع وتسيير عمل المجلس».

وكان زوار بري نقلوا عنه «واضح أن الخارج لا يقدم ولا يؤخر، وأن الحل داخلي، يحتاج إلى حوار حقيقي، لكن ليس هناك تجاوب مع الحوار حتى الآن».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي