No Script

قيم ومبادئ

استبدال الراتب... قرض بفائدة!

تصغير
تكبير

مهما حاولت مؤسسة التأمينات الاجتماعية إثبات أن نظام استبدال جزء من الراتب يختلف عن نظام القرض بفائدة، إلا أن الأدلة التي ساقتها لا تنهض للاستدلال، بل هي لا تعدو عن كونها صورة من صور التحايل توصلاً للربا المحرّم شرعاً بنوعية ربا الفضل وربا النسيئة.

ومع أن القرض الحسن الذي جاءت به الشريعة ينسجم مع أهداف ومقاصد المؤسسة إلا أنني لا أعلم سبباً موضوعياً يمنعها من الأخذ به، لا سيما أن الماده الثانية حددت دين الدولة الإسلام والمشرّع في المذكرة التفسيرية حثّ للأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية فقال ما نصه (ما وسعه ذلك) وكلام فقهاء القانون واضح تماماً بالنسبة الى القرض الحسن، بأن حكمه مباح مطلقاً وأما بالنسبة للمقترض فإن لم يكن له به حاجة فحكمه أنه مكروه ولهذا لم يُرشد النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك الرجل الذي أراد أن يتزوج - وليس له مال ولا مهر - الى أن يقترض بل زوّجه بما معه من القرآن، وهذا من حُسن تربية ولي الأمر لرعاياه فلهذا ينبغي للإنسان ألا يقترض إلا لأمر لا بد منه.

وعوداً على بدء، أقول إن عملية استبدال جزء من الراتب في حال التقاعد أو أثناء العمل فإن مقصود العملية بالنسبة للعميل (المستبدِل) عقد تمويلي وأما بالنسبة للتأمينات الاجتماعية فهو استثمار وأرباح تُضاف إلى الأصول التي تملكها، وذلك عن طريق التمويل الربحي بفائدة مشروطة مسبقاً طبقاً لصيغة العقد وبناء على الجداول المستخدمة في تحديد الآجال الخاصة بالمديونيات مع ذكر الفائدة الربوية المستحقة عليها، والذي يؤكد ذلك عند رغبة المستبدِل بإيقاف الأقساط المؤجلة عليه، حيث يُلزم عندها بدفع مبلغ مالي معيّن لبراءة الذمة وتصفية بقية عملية الاستبدال والتي هي مبنية اساساً على مبدأ مخالف لأحكام الشريعة وهو رأسمالي بحت ويُسمى (تكلفة رأس المال نظير الأجل) فيدفع أصل الدَين مضافاً إليه الفوائد الزائدة عليه!

وعليه يُمكننا ان نخلص إلى القول بان نظام استبدال جزء من الراتب نظير مبلغ كاش يتسلمه المتقاعد يمكن تكييفه على أنه عقد بيع مال بمال، ولكنه يدخل فيه الأجل والتفاضل في المقدار، وهذا هو ربا النسيئة وربا الفضل.

كما أن هناك محذوراً ثالثاً، وهو اشتمال الاستبدال على الجهالة وذلك بتعليق الالتزامات في العقد مع مبدأ الاحتمال والشك بين الحصول وعدمه، وهذه وحدها كافية لإبطال هذا العقد، فكيف إذا اضيفت اليها صورة الربا بنوعيه ؟ ولا ينبغي في ظل الأهداف السامية التي تسعى إليها مؤسسة التأمينات الاجتماعية منذ إنشائها، لا ينبغي ان نغفل عن الغرض الاستراتيجي والهدف من إنشائها وهو تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي للعملاء، ومعاونتهم لمواجهة تقلبات الزمان، فإذا كان القرض الحسن الذي جاءت به الشريعة بلا زيادة يُحقق هذا الهدف بأكمل صوره المؤدية الى تحقيق التكافل والتعاون والصلة مع ما فيه من راحة نفسية للعميل بحيث لا يأكل مالاً حراماً وخالياً من الشبهات التي تمحق البركة ويعيش بعدها المقترض في قلق من مخالفة أحكام الشريعة، فضلاً عن تراكم الأعباء المالية عليه وهذا كله حاصل اليوم، حيث غلّبت المؤسسة الأهداف الاستثمارية والربحية السريعة على حساب مصلحة المشتركين أنفسهم، وهذا لا شك انحراف مخالف للدستور الذي حث على التكافل، وأوضح أن رأس المال له وظيفة اجتماعية مؤثرة في استقرار المجتمع.

فإن مما لا شك فيه، ومع ثورة المعلومات والاستثمار الرقمي الذي تنوّعت معه صيغ التمويل الإسلامي المعاصر بصورة لفتت اليها أنظار البنوك العالمية لما للاقتصاد الإسلامي من مرونة وصلاحية لمواجهة تقلبات الأسواق، كما أنه حقق نجاحات متواصلة في السوق المالي والمصرفي، والتأميني العالمي، وأنا أعلم ان مؤسسة التأمينات الاجتماعية تملك من الملاءة والكفاءة المهنية ما يُمكنها من تقديم عملية الاستبدال وفق أحكام الشريعة الإسلامية التي هي دين الدولة بصيغ التمويل التجاري المتوافق مع أحكام الشريعة وضوابطها الشرعية، والأمثلة كثيرة مثل المضاربة والصكوك والمرابحة، وتكون بذلك المؤسسة قد ضربت عصفورين بحجر كما يُقال، وهذا فضل من ضرب عصفور بحجرين !

فهل فهمنا المقصود؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي