الليرة اللبنانية إلى قاع جديد... الدولار الأسود فوق الخمسين ألفاً

اعتصامٌ مفتوح لنواب معارضين في البرلمان لانتخاب رئيس

خلف وصليبا نواة الاعتصام النيابي المفتوح
خلف وصليبا نواة الاعتصام النيابي المفتوح
تصغير
تكبير

- اتساع رقعة النواب المعتصمين وتحركات شعبية في ساحة النجمة لدعمهم
- كتلة جنبلاط تلوّح بمقاطعة جلسات الانتخاب المقبلة
- باسيل لم «يحرق المَراكب» مع «حزب الله» فوزّع أصوات كتلته بين «الأبيض» و«الأولويات الرئاسية»

... وَجْهان لعملةٍ واحدة. هكذا أَمْكَنَ وصْفُ الانهيار السياسي المريع الذي عبّر عنه الفشل المتمادي للبرلمان أمس، وللمرة 11 منذ 4 أشهر، في انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتحويل حكومة تصريف الأعمال «كيسَ ملاكمة» في «سباق الحواجز» إلى قصر بعبدا، والانهيارُ المالي – النقدي المروّع الذي دَخل أمس أيضاً مرحلة جديدة من العصف مع تسجيل «الدولار الأسود» رقماً قياسياً هو الأكثر «توحُّشاً» متجاوزاً 50 ألفاً و250 ليرة.

وفيما كانت القاعة العامة للبرلمان تشهد فصلاً جديداً من مسرحيةٍ مُمِلّة كَسَرَ رتابتها هذه المرة إطلاقُ نواب التغيير نواةَ انتفاضة برلمانية – سياسية – شعبية للضغط لعقد جلسات متتالية حتى انتخاب رئيسٍ، عبر بدء عدد منهم اعتصاماً مفتوحاً على طريقة الـsit-in داخل هذه القاعة أقلّه حتى موعد الجلسة المقبلة، فإن القاعَ الجديد الذي بلغتْه الليرة أنْذر بأن سرعة الانهيار قد تسبق الجميع وتتحوّل نهراً جارفاً.

فمع «الاحتراق» اللاهب لليرة التي تراجعتْ قيمتُها بأكثر من 95 في المئة منذ بدء الانهيار المالي في 2019 بحيث باتت أمس أكبر ورقة نقدية متداولة وهي من فئة 100 ألف ليرة والتي كانت تساوي 67 دولاراً قبل 3 أعوام تساوي الآن دولارين فقط، وورقة الخمسين ألفاً تساوي دولاراً واحداً، اسودّ الأفق أكثر وزاد حبْسُ الأنفاس حيال نهاية النفق الذي يستعدّ في 1 فبراير لتلقي صدمة جديدة.

وأبدت أوساط مطلعة قلقها البالغ من الارتجاج المالي – النقدي الكبير الذي يتخذ شكلَ هزّاتٍ متتاليةٍ يُخشى أن تكون بمثابة «إنذار سبّاق» لزلزالٍ خطير، مذكّرة بأنه بعد 12 يوماً سيبدأ سريان قرار تعديل سعر الصرف الرسمي ورفْعه إلى 15 ألف ليرة مقابل كل دولار، في تدبير يحدث للمرة الأوّلى منذ العام 1997 (حين جرى تثبيته على 1507 ليرات) ومن ضمن منحى «فوضوي» لتوحيد سعر الصرف.

وإذ تزاحمتْ الأسئلةُ عن تداعيات سعر الـ 15 ألفاً على السوق السوداء و«الودائع الحبيسة» و«كوتا» سحب الـ «لولار» وتَفاقُم ظاهرة الـ «بيرا» (مصطلح يُطلق على الليرة العالقة بالبنوك وغير القابلة للتسييل) وكيفية سداد القروض وجوانب أخرى تبقى رهن تعاميم منتظَرة من «المركزي»، فإنّ المخاوف تَدَحْرَجَت بإزاء ما ينتظر اللبنانيين الذين بالكاد تَجَرّعوا مضاعفة الدولار الجمركي 10 مراتٍ في قرارٍ مازال يولّد تشظياتٍ متعدّدة الاتجاه.

وفي موازاة هذا العامل الضاغط الذي يشي بأن يتحوّل «عودَ ثقابٍ» لمجمل الواقع اللبناني، حاول نوابُ التغيير رميَ حَجَرٍ في المياه الراكدة الرئاسية حيث باغتوا الجميعَ أمس بعد جلسة الـ لا انتخاب بنقْل المعركة من لعبة عدّ أصوات باهتة إلى عملية عض أصابع سياسية يُراهن على أن تصبح نقطة «الجاذبية السياسية» التي ينشدّ إليها غالبية مكوّنات المعارضة وتُخْرِج أطراف الموالاة من وضعية تعطيل الجلسات.

وبإعلان النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا فور انتهاء الجلسة بدورتها الأولى والأخيرة بدء اعتصام مفتوح في القاعة العامة نفسها «لكسْر الجمود بوقفة ضمير وحُسن تطبيق الدستور وقول إنّه لا يُمكن قفْل الجلسات»، بدا واضحاً أن هذا الحِراك غير المسبوق سيطبع المرحلة المقبلة بعدما لم تتأخّر قوى أخرى في الالتحاق به وسط قرْع «أجراس» العودة للشارع تضامناً مع النواب ولانتخاب رئيسٍ «الآن وليس غداً».

ولم يكد خلف وصليبا أن يباشرا اعتصامهما حتى انضمّ إليهما النواب سينتيا زرازير وفراس حمدان وأسامة سعد وعبدالرحمن البزري وسليم الصايغ (من الكتائب) وأديب عبدالمسيح والياس جرادة وبولا يعقوبيان ووليد البعريني (من الاعتدال الوطني)، وسط مؤشرات إلى أن رقعة مَن سيفترشون القاعة العامة ستتسع، دون أن يُعرف إذا كان كل هؤلاء سيبيتون معاً أم سيتم اعتماد «مُناوَباتٍ» يبقى فيها ثابتون ومتحرّكون لاعتباراتٍ لوجستية حضرت منذ لحظة المفاجأة المعدّة باتقان.

وفي حين لم يأبه النواب لانقطاع الكهرباء عن البرلمان بعد الثانية والنصف بعد الظهر «فحالنا كغالبية اللبنانيين القابعين في العتمة والبرد والذين نتحرك باسمهم»، برزت إشكاليةُ قفْل أبواب مجلس النواب على المعتصمين، قبل أن «يزفّ» نائب رئيس البرلمان الياس بو صعب توفير «ممر آمن» لهم، بحيث سيُترك لهم «باب جانبي سيكون مفتوحاً للنواب فقط، على أنّ يُفتح الباب الرئيسي الثلاثاء صباحاً»، وذلك بالتوازي مع عملية «محاكاة» أجراها النواب لكيفية تأمين الطعام ومستلزمات «الصمود» الأخرى.

وكانت يعقوبيان أوضحت أن «خلف وصليبا مجهزين حالهم للبقاء حتى الجلسة المقبلة»، فيما أكد النائب ميشال دويهي «أن علينا انتخاب رئيس ويجب أن نبقى داخل البرلمان، والضغط الشعبي مطلوب»، قبل أن يعلن رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل أنّ «خطوة خلف وطنيّة بامتياز وسنواكبها، وللأسف لم يتمّ تنسيقها معنا، ويُمكن أن ننضمّ في أيّ وقت لهذه الخطوة» وهو ما حصل لاحقاً، وسط انطباعٍ بأن الملف الرئاسي دَخَلَ دينامية جديدة يجري رصْد تأثيراتها على الجدار المسدود.

ولم تمرّ سياقات جلسة الانتخاب من دون إشارة ضغط موازية أطلقها الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه وليد جنبلاط، حيث أعلن النائب هادي ابو الحسن بإزاء عجْز المجلس عن انتخاب رئيس والحاجة للخروج من الأزمة «أننا ولكسر الجمود بعد إجهاض محاولتين للحوار قد نضطر إلى تعليق مشاركتنا في الجلسات المقبلة وندعو كل القوى الى التشاور لنجد حلاً»، فيما كانت العيون شاخصة على تصويت تكتل النائب جبران باسيل في ضوء «التوتر العالي» في علاقة «التيار الوطني الحر» بحليفه «حزب الله».

وجاء لافتاً تفادي باسيل «حرْق المراكب» مع «حزب الله» رغم تغطية الأخيرة أول من أمس وللمرة الثانية جلسةً لحكومة تصريف الأعمال واستمرار عدم مراعاته رؤية التيار للملف الرئاسي والترشيحات إليه، وهو لم يعمد إلى إسقاط اسم في صندوقة الاقتراع بل اكتفى بتقسيم أصوات التيار بين «الأولويات الرئاسية» والورقة البيضاء التي بقيت بالـ 37 صوتاً متقدّمة على مرشح المعارضة ميشال معوض الذي حاز 34 صوتاً إضافة إلى صوتين (من التغييريين) أُرفقا بعبارة «ميشال معوض العدالة لضحايا تفجير 4 أغسطس (المرفأ)».

وكان وهج قضية تفجير المرفأ أصابَ الجلسةَ الرئاسية حيث نفّذ أهالي الضحايا تحركاً أمام البرلمان في إطار الضغط على النواب الـ 128 لتوقيع تعهُّد بدعم استمرار التحقيق في «بيروتشيما» وأن يبقى المحقق العدلي المعلَّقة مهمته منذ نحو 15 شهراً على رأس التحقيق وبت دعاوى الردّ بحقه وإقرار تشريعات تحول دون «التعسف باستخدام حق الدفاع لوقف التحقيق، فالمطلوب ألا يتمكن المجرم أو الهارب من وجه العدالة من أن يستفيد من هذه الثغرة لتوقيف التحقيق بطلبات رد أو مخاصمة غير جدية».

في المقابل كان أهالي 17 موقوفاً في هذا الملف (منذ أغسطس 2020 من دون محاكمات) يعتصمون أمام قصر العدل في بيروت مطالبين مجلس القضاء الأعلى ورئيسه سهيل عبود بتسهيل تعيين قاضٍ رديف لبتّ طلبات التخلية معلنين «اننا نتعاطى مع قضاء خائف من الرأي العام ومن أهالي ضحايا الانفجار الذين نتعاطف معهم ونؤكد وقوفنا إلى جانبهم»، داعين القضاء لأن «يكون منصفاً مع الجميع والافراج عن أهلنا فوراً، فهم أصبحوا أيضاً ضحايا الملف والتجاذبات السياسية والقضائية».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي