إسقاط القروض، قضيةٌ مهمة ولَّدتْ صِراعاً بين طرفين، طرف تبنّى التحذير من إسقاط القروض للعامة، وخطره على الأمن الاقتصادي، ومستقبل الكويت، من أجل ذلك سطَّر مقالات، وأقام تجمعات، واستعان بلغة الأرقام والحجج الاقتصادية لإيقاف استباحة المال العام، في المقابل هناك الطرف الثاني الذي يُمثّله بعض نواب مجلس الأمة، فما زالت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية مُمسِكةً بورقةِ إسقاط القروض، يقف وراءها جزءٌ كبيرٌ من جمهور المُقترضين الذين يَحلُمون بإسقاط قروضهم والاستفادة من هذا القانون.
كلا الفريقين لديهما دوافع ظاهرة ودوافع خفية، الدوافع الظاهرة عرفناها وسمعنا بها، لكن ما لم يعرفه الكثيرون هي الدوافع الخفية التي لا يتم التصريح بها، وهي عادةً تكون المُحرّكَ الرئيسي لمن يقود ذلك الصراع، إننا لا نستطيع أن نشُّقَ قلبَ كل قائدٍ في الفريقين لنعرف نواياه الحقيقية؛ ولكن يُمكن أن نتَتَبَّع بعض التعليقات وفلتات اللسان لنجتهد في محاولة كشف النوايا.
كثيرٌ من المهتمين في الشأن السياسي والاقتصادي في الكويت لديهم معرفة بالصراع المجتمعي في الكويت، فهناك طبقات كثيرة من المجتمع توارثت «الظلم» بسبب تحكّم مجاميع قليلة في باب الاقتصاد، وصراع اليوم في قضية إسقاط الديون هو جزء من ذلك الصراع القديم، فإذا سألت نائباً ممن يُدافع عن إسقاط الديون عن خفايا دوافعه سيجيبك بسؤال كبير، إذا لم نُسقط الديون على الشعب، ونكسب رضاهم فأين ستذهب تلك الأموال الهائلة؟ هذا هو لُبُّ القضية، فكُلنا يعلم مضرةَ إسقاط الديون على اقتصاد الدولة ومستقبلها وعدم العدالة فيها، إننا كشعب، لا نحتاج إلى حجج وأرقام لنعلم ذلك، الذي يحتاج أن يعرفه شعب الكويت أين ستذهب تلك الأموال التي منعتها الدولة عن المقترضين؟
في الكويت لدينا غرفة للتجارة والصناعة تم تأسيسها عام 1956، ووضعها القانوني مشكوك فيه وفق الهيكلية الإدارية للدولة، ويتحكم في تلك الغرفة مجموعة قليلة من فعاليات اقتصادية كبيرة لهم تاريخ طويل في الاجتهاد الوطني، وعليهم أيضاً مآخذ لعل أهمها عدم الخضوع للنظام الهيكلي للدولة، بل واستعانوا أحياناً بالديموقراطية، وحملوا صندوقها بينما أبقت الحكومة على مفتاح الصندوق عندها كما قال الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، بالمقابل ومع فتح باب التجنيس في الستينات وما تلاها تم تغيير التركيبة السكانية وأصبحت الديموقراطية النيابية في الكويت ذات وجوه جديدة ومتطلعة للمشاركة في إدارة الدولة، تلك الإدارة التي يعتبرونها حقاً لهم أيضاً لما يملكونه من قواعد عددية كبيرة، هذا هو السرّ غير المعلن في قضية القروض وغيرها مما سيأتي لاحقاً ويهدد قضايا التنمية.
على المدافعين عن حق عدم إسقاط القروض أن يعيدوا ترميم الصورة وفق المتغيرات الجديدة، عليهم أن يدعو غرفة التجارة والصناعة أن تُعدّل أوضاعها القانونية، وأن تبتعد عن احتكار المناقصات الكُبرى، وأيضاً أن تُساعد في إنهاء الحرب التي تُشَّن على القُوى الاقتصادية الشابّة دون تمييز وأن تكون الغرفة داعماً لهم وقدوة، قدوة لأولئك الاقتصاديين الشباب.
من جهة أخرى، على الذين يدافعون عن إسقاط القروض أن يعلموا أنّ الصراع لا بد أن يكون بعيداً عن استخدام مُقدَّرات الوطن؛ وأمن مستقبله لتحقيق الفوز، وأنّ الوطن محتاج إلى شركاء في النجاح وليس شركاء في الغنائم، وإنْ لم يُدركوا ذلك سيكونون كـ (شمشون) الذي هدم المعبد على رأس الجميع.
سرّ الخلاف في الكويت معلوم، ويجب ان يحسم، لأنه خلاف سيتجدد كل فترة ويكبر، وإذا كنا اليوم نستطيع أن نجد له حلاً فغداً قد يكون وبالاً على الجميع، في الكويت لا يوجد أشخاص لهم فضل على الوطن فالوطن هو صاحب الفضل على الجميع؛ وأيضاً من بنى وحافظ على وحدة تراب الوطن في أوقات الشدّة والفقر وشظف العيش ليس كمن جاء في وقت الرخاء. إذا أدرك الكُلّ معادلة العدل والفضل فسينتهي الصراع؛ وسيتم حفظ فضل أهل الكويت جميعهم؛ وليس قلّة نادرة منهم وسوف يُقَدَّرْ لمن جاء متأخراً حُبُّهُ لوطنه وخوفه عليه واعترافه بفضل من سبقه في بناء الوطن.