«الراي» تُضيء على أفق «سحْب السفراء» بين حزب الله والتيار الحر
ميقاتي رَفَع رصيده الحكومي... وعزلة باسيل تزداد
- وزيران من تكتل باسيل منحا ميقاتي أكثرية «ثلثين +»
- «تخريجة منسَّقة» رفعتْ الجلسة قبل لجوء «حزب الله» لـ «انسحاب اضطراري»
- ميقاتي «رَبَط» مع جلسة ثالثة على طريقة... «كل بند ملحّ جلسة»
لم يكتفِ رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في تثبيت «الفوز على الحافة» الذي كان حقّقه بفرْضِ انعقادِ أول جلسةٍ لحكومة تصريف الأعمال في ظل الشغور الرئاسي في 5 ديسمبر الماضي، إذ عزّز في الجلسة الثانية التي التأمت أمس النقاطَ في وجه «التيار الوطني الحر» مسجّلاً هدفين في مرماه واحدٌ بـ «ضربة مباشرة» والثاني بـ «تسديدة آجِلة» للأسبوع المقبل.
وجاءت «الجلسةُ الكهربائية» التي أُقرَّت فيها سلفة 62 مليون دولار لباخرتيْ غاز أويل راسيتين في المياه اللبنانية ومبلغ 54 مليون دولار لتشغيل وصيانة معامل الكهرباء والموافقة على تجديد العقد مع العراق لتزويد «بلاد الأرز» بالزيت الثقيل لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، مدجّجةً بالخلاصات التي بدت كلها برسْم التيار الحر (فريق الرئيس السابق ميشال عون) الذي تنعقد الحكومة للمرة الثانية «كاسرةً» اعتراضَه بالصوت الأعلى على اجتماعها في ظل الشغور الرئاسي ومقاطعته لجلساتها «التي تطعن بالشراكة والميثاقية».
وشكّل تغريدُ وزيري الاقتصاد أمين سلام والسياحة وليد نصار خارج «سرب» التكتل الوزاري الذي كان محسوباً على عون وانسحابهما من «جبهة المقاطعة» ليشاركا في جلسة أمس ما يشبه «الإنزال» خلف «السور العالي» الذي حاول رئيس «التيار الحر» جبران باسيل جاهداً رفْعه بوجه ميقاتي بما يحول دون تَوافُر نصاب الثلثين لالتئام الحكومة.
وعوض أن تنعقد جلسة أمس بنصاب الثلثين (16 من 24 وزيراً) «بلا زيادة أو نقصان» على غرار سيناريو 5 ديسمبر الماضي، تَوَسَّعَ عدد الحاضرين إلى 18، بما جَعَلَ ميقاتي يتقدّم أكثر على باسيل في «معركةٍ» تزداد مؤشرات ضمور تأثير رئيس «التيار الحر» في مجرياتها بما يشي بأنه بات «معزولاً» من ضمن مسارٍ «انكماشي» لـ «وزنه» السياسي الذي تَقاطَعَ في «تنفيسه» قرارُ حزب الله بإعلاء أولوية هموم الناس والاصطفاف في خندق ميقاتي - رئيس البرلمان نبيه بري، كما انفضاضُ وزيريْن عن تكتل باسيل رغم إعلان نصار أنه حضر وسجّل موقف التيار لجهة وجوب أن تصدر المراسيم بتواقيع الوزراء الـ 24 نيابةً عن إمضاء رئيس الجمهورية باعتبار أن صلاحياته انتقلت إلى مجلس الوزراء مجتمعاً.
وساهمت «ترتيباتُ تحت الطاولة» التي نَسَجَها ميقاتي، في الإبقاء على وحدة «الجسم الوزاري» لكتلة الثلثين + بحيث لم يحتجْ «حزب الله» لممارسة قراره الذي كان يقضي بتغطية بندي الكهرباء ثم انسحاب وزيريْه من الجلسة بحال الإصرار على المضي بها «تفادياً لمزيد من التوتير السياسي البلاد في غنى عنه».
ورغم أن هذا الانسحاب، الذي أريد منه توجيه رسالة إلى التيار الحر بأن «حزب الله» ليس في وارد تحدّيه، لم يكن ليُفْقِد الجلسةَ نصابَها، فإن ميقاتي أدار الجلسة بحيث لم يصل الأمر إلى جرّ الحزب لمثل هذه الخطوة، بعدما أعطى العديد من الوزراء في مستهل الاجتمع إشارات إلى أن مغادرة أي وزير ستعني انسحابنا أيضاً، وهو ما بدا «تخريجة منسَّقة» لرفْع الجلسة بعد إقرار بنديْ الكهرباء صوناً للتضامن بين «الجناح الوزاري» الأكبر.
وساهم هذا المناخ في إعطاء دفْع إضافي لميقاتي لـ«الربط» بسرعة مع جلسة ثالثة أعلن بعيد انتهاء اجتماع مجلس الوزراء أنه سيدعو إليها الاسبوع المقبل أو الذي يليه لبتّ ملفات طارئة بينها تمويل جديد للكهرباء يرتبط بباخرتي فيول موجودتين أيضاً في المياه اللبنانية وتتراكم الغرامات على كل يوم تأخير في إفراغ حمولتهما، كما بند ملحّ يتعلق بالقمح وفتْح اعتماد بقيمة 8 ملايين دولار اضافي «لدعم شراء القمح المخصص لصناعة الخبز العربي، من حقوق السحب الخاصة (sdr) لتغطية حاجة الاستهلاك في الفترة الفاصلة حتى مباشرة الاستفادة من قرض البنك الدولي».
وفي حين كانت تقارير تشير إلى أن ميقاتي سيعمد - وفق ما سبق لـ«الراي»أن أوردته - كمخْرجٍ لإصدار مراسيم الكهرباء (يفترض أن تحمل توقيعه وتوقيع وزير المال والوزير المختص الذي قاطع الجلسة وليد فياض) إلى «استعارة» توقيع فياض من مشروع المرسوم الذي أرسله منفرداً فتتكرّر صيغة الحل نفسها التي اعتُمدت سابقاً مع وزير الدفاع، فإنّ أبرز تداعيات الجلسة بدت على «مقياس» التوتر غير المسبوق في علاقة «التيار الحر» و«حزب الله» الذي لم يكن تفصيلاً مجاهرة أمينه العام السيد حسن نصرالله بأن فريق عون لم يَعُد صاحِب «حصرية» في تمثيل الشقّ المسيحي من الميثاقية التي «استعان» لتأكيد أنها مؤمّنة لجلسة أمس، أولاً بحضور وزراء مسيحيين فيها (شارك 7 من 12)، وثانياً بأفرقاء سياسيين مسيحيين آخَرين لا يعتبرون أن «أصل» انعقاد حكومة تصريف الأعمال في ظل الشغور غير دستوري بل يجادلون في طبيعة جدول الأعمال.
وبدت العلاقة بين «حزب الله» وباسيل أشبه بـ«سحب السفراء» فلا كلام ولا سلام بين الطرفين، باستثناء «دردشات» نواب لا تقدّم ولا تؤخّر في «الود المفقود» الذي يكاد أن يتحول «وداً ملغوماً» في خلافٍ بدأ حول الاستحقاق الرئاسي واتسع حيال الموقف من انعقاد حكومة تصريف الأعمال.
وقالت أوساط واسعة الإطلاع، على دراية بما آلت إليه علاقة الحزب والتيار لـ«الراي» ان «حزب الله» لن يُصاب بخيبة أملٍ في حال قرر باسيل الانسحاب من علاقة التحالف بين الطرفين، وربما سيتنفّس الحزب الصعداء بعدما تحوّل السلوك غير العقلاني لرئيس التيار الحر عبئاً على الحزب".
ورأت الأوساط ان باسيل الذي يسدّ المَنافذ حيال الإستحقاق الرئاسي بداعي معاودة تعويم نفسه كمرشّح أساسي أو «صانع الرئيس» غالباً ما أصبح يقفز من شجرة إلى شجرة أعلى من دون أن يُعيد حساباته، وهو الذي يعاني عزلةً تشتدّ حوله.
ولم تستبعد ان يكون «حزب لله»، الذي «ردّ الجَميل» لـ «التيار الحر» على «خدماته» حين أوْصل مؤسسه العماد ميشال عون إلى الرئاسة، ينظر بـ «عيْن الرضى» لمراكمة باسيل أخطاءه، لأن من شأن ذلك ضمان «نهاية سعيدة» للتحالف بينهما.
وكان نصرالله تَجاهَل في إطلالته مساء الثلاثاء، الكلام المباشر عن الخلاف مع «التيار الحر» بعدما رَفَعَ باسيل سقف الاعتراض على المضي بجلسات حكومية، معتبراً أن هذا «سيؤدي إلى أبعد بكتير من ضرب التفاهمات والتوازنات».
وأكد الأمين العام لـ «حزب الله» أن التزام الحزب حضور جلسة مجلس الوزراء «ليس تحدياً لأحد، كما أننا لا نتحدى رئيس الحكومة بانسحابنا إذا قررت الحكومة مناقشة باقي النقاط على جدول الأعمال»، موضحاً «أننا بمشاركتنا في جلسة الحكومة لا نجامل أحداً، ولا نريد أن نطعن في نظام ولا دستور ولا ميثاقية ولا شراكة، بل نقوم بمسؤوليتنا الأخلاقية أمام الناس ولا اصطفاف في هذا الأمر».
وإذ انطبعت إطلالة نصرالله بسؤال خصومه في معرض الحديث عن عرقلة هبة الفيول الإيرانية للبنان (سجّل وزيرا الحزب تحفظاً في محضر جلسة الحكومة على عدم السير بها) «نحن سادة عند الولي الفقيه وهذا يتأكد كل يوم، ولكن ما موقعكم لدى أميركا وحلفائكم الآخرين في الخارج وهل أنتم عبيد لهم"؟ ردّ ضمناً على البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وتحذيره من مخطط لافراغ المناصب المارونية والمسيحية، وقال «غير صحيح الترويج لفكرة تغييب الموقع الماروني الأول ولا نية لأحد في ذلك، والكل يريد إنهاء الفراغ السياسي لتشكيل الحكومة وعودة الأمور إلى مسارها الطبيعي، ولكن التوصيف الحقيقي اليوم أن هناك كتلاً نيابية متعددة ولا غالبية لأحد. من حقنا الطبيعي أن نقول إننا نريد رئيساً لا يطعن ظهر المقاومة».
ميقاتي: مطالب الناس لا تنتظر مزاجية أحد أو رهاناته السياسية
أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «أن جلسة مجلس الوزراء تنعقد في سياقها الطبيعي، لأن ثمة قضايا أساسية تحتاج الى عقد جلسة لبتها، وهو أمر متعذّر خارج الأطر الدستورية المعروفة، أو ببدع جرى اعتمادها في مرحلة الحرب لتسيير أمور الدولة في ظل الانقسام الذي كان سائداً».
وقال ميقاتي في مداخلة له في مستهلّ جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في السرايا الحكومية: «نحن في تحدٍّ يومي لمعالجة القضايا الملحة ومطالب الناس التي لا تنتظر مزاجية أحد أو رهاناته السياسية، ومن الظلم وعدم المسؤولية إيهام اللبنانيين بأمور غير صحيحة، والتلاعب بغرائزهم الطائفية والمذهبية لغايات لم تعد خافية على أحد».
أضاف «ان الحكومة الحالية، من موقعها الدستوري كحكومة تصريف أعمال، ليست في وارد الحلول مكان رئيس الجمهورية أو اعتبار ان البلد يمكن أن يستمر من دون رئيس. ومن المعيب تصوير الأمور بما يوحي وكأن الحكومة مسؤولة عن إطالة أمد الفراغ الرئاسي والتأخير بإنجاز هذا الاستحقاق».
وتابع في غمز من قناة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل: «لست في وارد الدخول في سجالات لا طائل منها، أو الانزلاق للرد على ما قيل من كلام طائفي واستحضار لهواجس وعناوين لا وجود لها على الاطلاق إلا في أوهام البعض، والوزراء يمثلون جميع اللبنانيين ومن المعيب أن يُشكك أحد بوطنية وانتماء اي وزير وموقعه وكيانيته. جلسة اليوم هي استجابة لواجب وطني وتحمّل للمسؤولية الوطنية والدستورية والأخلاقية والقانونية لتلبية احتياجات الناس الملحة في الكهرباء ولاتخاذ خطوات استباقية واحترازية لحماية الامن الغذائي للبنانيين في رغيف الخبز وسواها من العناوين والاحتياجات المعيشية والصحية التي لا تحتمل التأجيل ولا الكيد والنكد السياسيين».
وأكد أن «هذه الجلسة والجلسة التي سبقتها وأي اجراء حكومي في المستقبل سيكون انسجاماً مع منطق الدستور وصوناً للشراكة والميثاق وليست على الاطلاق تحدياً او استفزازاً لأي طرف»، وختم: «قمة الميثاقية والشراكة واحترام الدستور هي أن يتحمل الجميع المسؤولية الوطنية».
حذّروا من «إحداثِ فراغٍ في المناصب المارونية»
المطارنة الموارنة: مخطَّط يرمي إلى تلاشي الدولة وصولاً لوضع اليد على أشلائها
شجب المطارنة الموارنة بشدة «عرقلة التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت»، ودانوا «التوقيفات الكيدية التي يتعرّض لها أهالي الضحايا»، داعين «السياسيين، خصوصاً مع وصول الوفد القضائي الأُوروبي، إلى رفع يدهم عن القضاء ليواصل عمله من أجل كشف ملابسات هذه الجريمة ومحاكمة المُذنِبين وتبرئة الأبرياء بما تُحدِّده القوانين المرعية الإجراء».
وأبدى المطارنة بعد اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «تخوُّفهم من ترحيل انتخابِ رئيسٍ جديد للبلاد إلى أمدٍ لا يعرفه أحد، ولا يجلب على اللبنانيين سوى المزيد من المُعاناة»، مكررين «مطالبتهم المجلس النيابي بتحمُّل مسؤولياته على هذا الصعيد، والمُسارَعة إلى بت هذا الاستحقاق الدستوري الأساسيّ، درءً لمزيدٍ من التدهور والانهيار».
واعتبروا «أن التمادي المقصود في شغور سدّة الرئاسة يولّد أزمة دستوريّة على صعيد الحكومة المستقيلة. فوفقاً للتوافق الجاري، واستناداً إلى الاجتهاد والفقه القانوني والنقاش الأكاديمي، لا يحقّ لرئيس الحكومة المستقيلة أن يدعو المجلس للانعقاد من دون موافقة الوزراء، ولا يحقّ له أن يُصْدِر مراسيم ويوقّعها من دون توقيع جميع الوزراء عملاً بالمادّة 62 من الدستور، ومن الواجب العودة إلى الاجتهاد الدستوريّ من أجل تحديد الإطار القانونيّ لتصريف الأعمال العاديّة والأعمال المهمّة وحالات الطوارئ، منعاً لخلافات البلادُ بغنىً عنها».
وحذّر المطارنة «من وجودِ مُخططٍ مرفوض، لإحداثِ فراغٍ في المناصب المارونية خصوصاً والمسيحية عموماً في الدولة. وإنْ دلّ ذلك على شيء، فعلى نيّة خفيّة ترمي إلى تغيير هويّة لبنان المبنيّة على الحريّة وصون كرامة المواطنين، وهي قضيّة لبنان الأساسيّة، كما ترمي إلى تلاشي الدولة اللبنانية وصولاً إلى وضع اليد على أشلائها».
الوفد القضائي الفرنسي التقى المحقق العدلي في «بيروتشيما»
عُقد أمس لقاء استمرّ ساعات بين قاضي التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار والقاضييْن الفرنسييْن المولجيْن استطلاع مآل التحقيقات اللبنانية بهذا الملف في ضوء استنابة مُساعَدةٍ كانت تقدّمت بها السلطات الفرنسية (وبقيت بلا جواب) ربْطاً بتحقيقٍ مفتوح في باريس التي سقط لها ضحايا وجرحى في «بيروتشيما».
واعتُبرت هذه أول إطلالة لبيطار على ملف المرفأ منذ نحو 15 شهراً كُفت خلالها يده عن القضية بفعل عشرات دعاوى الرد والمخاصمة ضده من سياسيين مدعى عليهم، وهو ما جعل أهالي الضحايا يتحرّكون الأسبوع الماضي للضغط لمعاودة إطلاق يده ورفْض محاولة تعيين قاضٍ رديف لبت قضية الموقوفين و«الإجهاز» على مهمة «المحقق الأصلي»، في تطورٍ انزلق إلى جعْل عدد من الأهالي «هدفاً» لملاحقة قضائية أشعلت الشارع وفجّرتْ نقمة عارمة سياسية ودينية وتم احتواؤها.
وأورد موقع «النهار» الالكتروني أن بيطار أخبر الوفد الفرنسي خلال الجلسة أنه «لا يمكنه تسليم أيّ مستند من الملف إلا بعد عودته الى التحقيق نظراً الى أن الأخير معلّق للأسباب المعروفة». وأتى جواب المحقق العدلي بعد طلب القاضيين الفرنسيين إمكان ذلك.
وقال بيطار على مسمع الصحافيين: «لا يُمكنني تسليم الوفد أيّ مستند من الملف إلّا بعد عودتي إلى التحقيق».