الثلاثي الأوروبي يكمل تحقيقاته بملف سلامة وقاضيان فرنسيان يستطلعان قضية «بيروتشيما»
علاقة «حزب الله» - التيار الحر أمام مفترق... افتراق وأكثر؟
- باسيل يحذّر عشية جلسة الحكومة: سيأخذنا هذا أبعد بكثير من ضرب التوازنات والتفاهمات
- جلسة اللا انتخاب الرئاسية غداً... العيون على تحرك أهالي ضحايا المرفأ... وهل تكون الورقة البيضاء «ضحية»؟
بدا لبنان أمس وكأنّه يسير في «منطقة أعاصير»، خلْفه عاصفةٌ قضائية تدفع بها رياح انفجار المرفأ وشبهات فساد وتبييض أموال تتصل بحاكم «المركزي» رياض سلامة وشقيقه، وأمامه عاصفة سياسية محمّلة بـ «غبار» المعركة الرئاسية الباردة في مجريات الانتخاب المعطَّل والتي أشعلت الجبهةَ الحكوميةَ بما أَنْذَر بقطْع «الحبْل الرفيع» الباقي في علاقة ركنيْ الموالاة «حزب الله» و«التيار الوطني الحر».
وفي هذا الإطار تَقاسَمَ المشهدَ اللبناني أمس عنوانان:
- الملفُ القضائي لسلامة وشقيقه في ضوء متابعته «ميدانياً» من الوفد القضائي الأوروبي الثلاثي الذي استكمل مسلسل سماع إفادات الشهود، وهو العنوان الذي لم يحجب الأنظار عن بدء قاضييْن فرنسييْن لقاءاتهما في بيروت متابعةً لقضية «بيروتشيما» ربْطاً بالتحقيق الجاري في باريس والذي حتّمه سقوط قتيل وجرحى فرنسيين بانفجار 4 أغسطس 2020.
- «هدير» صِدام سياسي بين «التيار الوطني» (حزب الرئيس السابق ميشال عون) و«حزب الله» في ضوء ما بدا «هدراً لفرصة ثانية» أوحى التيار بأنه مَنَحها للحزب لتصويب المسار الذي فُسِّر على أنه «إدارة ظهر» منه لفريق عون وتعاطٍ جديد على طريقة «عايز ومستغني» عن التفاهم بين الطرفين، وذلك على خلفية تكرار «حزب الله» تعويم مهمات حكومة تصريف الأعمال في ظل الشغور الرئاسي من خلال تغطيته الجلسة التي دعا إليها الرئيس نجيب ميقاتي اليوم وإن اختار«السير بين الألغام» واستخدام «سلاح دقيق» يقتنص فقط بنديْ الكهرباء ثم يوقف الجلسة بحُكْم كونه «مالك مفتاح» إكمال نصاب الثلثين.
وعلى الجبهة القضائية، استُكملت بهدوء مهمة الوفود من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ في قاعة محكمة التمييز في قصر العدل حيث استمع هؤلاء «من خلال» المحامية العامة لدى هذه المحكمة القاضية ميرنا كلاس إلى إفادة رئيس مجلس إدارة بنك «الموارد» مروان خير الدين ونائب حاكم مصرف لبنان السابق أحمد جشي بصفة شاهديْن.
وتتمحور التحقيقات التي تشمل مسؤولين في «المركزي» وممثلين لـ 13 مصرفاً لبنانياً، حول تحويلات مالية من لبنان إلى الخارج وبينها الى فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ حصلت لحسابات خاصة بحاكم «المركزي» عبر ولمصلحة شركة «فوري» التي يملكها شقيقه رجا سلامة ويُشتبه بأنها كانت واجهة لعمليات فساد وتبييض أموال بمئات ملايين الدولارات.
وفي حين يُنتظر أن تنتهي المرحلة الأولى من مهمة الثلاثي الأوروبي الجمعة على أن يحدد في ضوئها الخطوة التالية، أشارت تقارير إلى أن المشتبه به الوحيد في الملف (ن. عون) من بين الـ 15 الذين طُلب سماع إفاداتهم قد يصار لاستجوابه في لوكسمبورغ التي تَوجَّهَ إليها قبل 10 أيام، وسط مسارٍ موازٍ يَعمل عليه الوفد الألماني لجهة الاطلاع على الملف المالي العائد لحاكم مصرف لبنان والمفتوح أمام النيابة العامة الاستئنافية بإشراف المحامي العام القاضي رجا حاموش.
ونُقل عن القاضي عويدات في ما خص الشق اللبناني من ملف سلامة «أن قبول طلب رد النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زاهر ابو حيدر من محكمة الاستئناف يستدعي القيام باجراءات جديدة في ملف حاكم مصرف لبنان وآخَرين، لجهة إقامة الادعاء العام في حق مَن طلب مدعي عام التمييز الادعاء عليهم في هذا الملف وإحالته على قاضي التحقيق الاول في بيروت (موجود خارج لبنان) مع انتظار عودته»، موضحاً «أن الإجراءات الجديدة من شأنها التأثير على عمل الوفد القضائي الأجنبي في المرحلة اللاحقة بالنسبة الى الذين سيصار الى الادعاء عليهم في الملف، وذلك طبقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد».
وفي موازاة ذلك، التقى القاضيان الفرنسيان المولجان استطلاع مآل التحقيقات اللبنانية بانفجار المرفأ (في ضوء استنابة مساعدة كانت تقدّمت بها السلطات الفرنسية وبقيت بلا جواب) النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات في حضور المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان المكلّف متابعة موضوع زيارتهما.
وأشارت تقارير إلى أن لقاءً ثانياً مرجَّح اليوم وربما يشارك فيه المحقق العدلي طارق بيطار الذي عُلّقت تحقيقاته منذ نحو 15 شهراً بفعل كف يده بعد عشرات دعاوى الرد والمخاصمة ضده من سياسيين مدعى عليهم، وهو ما جعل أهالي الضحايا يتحرّكون قبل أيام للضغط لمعاودة إطلاق يد بيطار ورفْض محاولة تعيين قاضٍ رديف لبت قضية الموقوفين و«الإجهاز» على مهمة «المحقق الأصلي»، في تطورٍ انزلق إلى جعْل عدد من الأهالي «هدفاً» لملاحقة قضائية أشعلت الشارع وفجّرتْ نقمة عارمة سياسية ودينية وتم احتواؤها مبدئياً.
وإذ يكمل الأهالي ضغطهم غداً بتحركٍ أمام مقر البرلمان خلال جلسة الـ لا انتخاب الجديدة لرئيس الجمهورية التي يعقدها مجلس النواب، مدعومين من عدد كبير من نواب المعارضة، فإن هذا المشهد لن يكون الوحيد الذي تشخص إليه الأنظار حيث يسود ترقُّب كبير لِما إذا كانت تشظيات الجلسة الحكومية التي تُعقد اليوم ولا سيما على صعيد علاقة «حزب الله» - التيار الحر ستنعكس على مسار الانتخاب وتحديداً لجهة انتقال فريق عون إلى مرحلة تسمية مرشح بعيْنه وتالياً الطيّ النهائي لصفحة الورقة البيضاء التي كانت بمثابة ترْك «فسحة مهادنة» مع الحزب الذي يتمسك بترشيح سليمان فرنجية ويؤخر المجاهرة بذلك إبقاءً على «شعرة معاوية» مع التيار.
وأمس وقبيل إطلالة مسائية للسيد حسن نصر الله، بدا أن «التشققات» في علاقة الحزب مع التيار بلغت مستوى غير مسبوق يشي بأنها باتت تقف على أعتاب ما هو حتى الساعة أقل من طلاق استراتيجي وأكثر من افتراق تكتي، وهو ما عبّر عنه موقفٌ عالي السقف لباسيل الذي أطلّ (قبل ساعات من اجتماع تكتله) بفيديو من دقيقتين أشار فيه متطرّقاً إلى جلسة مجلس الوزراء إلى أن ما يحصل «سيأخذنا إلى (أبعد بكتير) من ضرب التفاهمات والتوازنات»، في غمزٍ من التفاهم مع «حزب الله» الذي يكمل في 6 فبراير المقبل عامه الـ 17.
وقال رئيس «التيار الحر»: «مرّة جديدة تعمل المنظومة الحاكمة على نحر الميثاق والدستور وتختلق الحجة لعقد مجلس وزراء وهذه المرة لأجل الكهرباء، في الوقت الذي توجد حلول دستورية من دون عقد جلسة، وتحديداً من خلال توقيع مراسيم جلسة من مجموع مجلس الوزراء كما ينص الدستور وكما فعلنا ألف مرّة في فترة الفراغ بين 2014 و2016. وحينها كان هناك إجماع على أن هذا الحل الوحيد لاحترام الدستور والشراكة».
وأضاف: «اليوم ما فارقة معهن لا دستور ولا شراكة. لماذا؟ لأجل الكهرباء، الان أصبحوا يريدون كهرباء بفتح اعتماد فقط لباخرتين من أصل 4 واقفين في البحر ولا يؤمنون ما يكفي من كهرباء، في الوقت الذي أرسل وزير الطاقة لهم جميع المراسم الجوالة التي يجب توقيعها لتسير خطته».
وتابع: «ومَن لا يحضر مجلس الوزراء يكون «معتّم عالناس» ونسوا أنهم منعوا منذ سنتين حكومة حسان دياب المستقيلة من الاجتماع لأنه لا يحق لها الاجتماع دستورياً، في الوقت الذي ستنكشف الحقيقة أكثر مع القضاء الأوروبي». وختم: «الإمعان بالكذب وخرق الدستور والميثاق وإسقاط الشراكة سيعمق كثيراً الشرخ الوطني وسيأخذنا أبعد بكثير من ضرب التوازنات والتفاهمات».«الله يوفق يللي عم يعملهن».
وبإزاء هذا المناخ المتوتر، استحضرت أوساط سياسية الإطار الذي سبق لـ «حزب الله» أن حدده لمقاربة التباينات مع التيار بلسان نصر الله نفسه قبل أسبوعين وذلك على قاعدة«إذا وضعنا يدنا بيد أحد، لا نبادر إلى سحبها إلّا إذا أراد الحلفاء ذلك، وكنت أقول دائماً لرئيس التيار النائب الصديق جبران باسيل، إنّه في أيّ وقت تشعرون بالحرج والضّغط، وأنّ الاستمرار في التّفاهم يشكّل لكم عبئاً أو حرجاً، كونوا مرتاحين ولن نكون منزعجين، ويمكن القيام بأيّ صيغة أخرى نتعاون بها كأصدقاء».
وبحسب هذه الأوساط، فإن «حزب الله» الذي يقصر التواصل مع «التيار» عبر نواب الطرفين وليس أي قناة أخرى حالياً، يتمسّك بالعلاقة مع التيار ولكنه ليس في وارد التسليم بأن يكون ذلك وفق شروط باسيل وحساباته، وهو يَعتبر أنه قام بما عليه تجاه حليفه عن اقتناعٍ والتزاماً بمقتضيات التحالف منذ 2006 خصوصاً لناحية خوض معركة وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا في سياق تحصين الشراكة الوطنية واستعادة مقوماتها.
ووفق الأوساط نفسها، سَبَقَ للحزب أن أعطى إشاراتٍ وبعضها «بالفم الملآن»إلى أنه لن ينجرّ إلى«مفاضَلة مستحيلة» بين التيار وبين شريكه في الثنائية الشيعية الرئيس نبيه بري باعتبار أن العلاقة مع الأخير «صمام أمان» داخل البيت الشيعي وبمثابة«الخلية الأمّ» التي يرتكز عليها في كل ما عرفه من تمدُّد لدوره في الاقليم، وأن لا أحد يمكن أن يدخل بين الطرفين تحت أي عنوان، وسط انطباعٍ بأن الحزب والتيار يتّجهان إلى تفاهم «بالمفرّق» وبأن أي إفراط من باسيل في التفريط بهذا التحالف سيحرّر «حزب الله» بالكامل من أي مراعاةٍ للتيار في الملف الرئاسي.
وتشير الأوساط إلى أنه رغم «الأضرار» التي سيرتّبها انفكاك التحالف بين حزب الله والتيار على صعيد التوازنات بين «البلوكات» النيابية على ضفتي الموالاة والمعارضة، فإن المتضرر الأكبر لن يكون الحزب القادر على «ملء الفراغات» بحُكم وزْنه و«فائض قوته»، في حين أن باسيل محكوم بهوامش في مدى قدرته على الهروب إلى الأمام حيث قد لا يجد مَن«يلتقطه».