أحداث جلستي «إسقاط القروض» يومي أمس الأربعاء وأول أمس الثلاثاء، أكّدت لنا أن الأغلبية البرلمانية في المجلس الحالي إصلاحية تنموية من الدرجة المثلى، ولكن فقط نظريّاً في الفضاء الإعلامي. وأمّا عمليّاً على أرض الواقع، فهي عاجزة عن الإصلاح ومتنافرة من التنمية.
فالمعارضة التي اكتسحت مقاعد المجلس الحالي وتسلمت مكتبه ورئاسته، هي اليوم الأغلبية البرلمانية التي بمباركتها شُكّلت الحكومة الحالية، وهي التي بدأت الفصل التشريعي الحالي بتوافق أقرب إلى التطابق مع السلطة التنفيذية، بدرجة أنها منحت سمو رئيس الوزراء حصانة المئة يوم. وهي التي تزامن عهدها مع قفزة في أسعار النفط وطفرة في إيرادات الدولة وتدفق في السيولة المالية للدولة. ورغم كل ما سبق من مقوّمات للعمل والإنجاز، هي الأغلبية التي سقطت في اليومين الماضيين، في أول اختبار لقدرتها على الوفاء بعهودها لقواعدها الشعبية.
وعوضاً عن الإقرار بالوهن والعجز، ثم العمل على إزالة أسبابهما، سعى الكثير من نوّاب الأغلبية إلى تضليل قواعدهم الشعبية عبر اختزال أسباب إجهاض قانون «إسقاط القروض» في نطاق جلستي الثلاثاء والأربعاء، لطمس حقيقة أنهم تهاونوا أو فشلوا في إقناع الحكومة بقبول مبدأ «إسقاط القروض»، رغم علمهم المسبق برفض الحكومة المبدأ، ليس منذ لقائهم برئيس الحكومة في يوم الاثنين من الأسبوع الماضي – للتنسيق حول ملفّات الجلستين – بل قبل ذلك اللقاء بأسابيع. فالحكومة لم تلبِّ الدعوات المتكرّرة التي أُرسلت إليها لحضور اجتماعات لجنة الشؤون المالية والاقتصادية حول قوانين «إسقاط القروض». وتقريرا لجنة الشؤون المالية والاقتصادية الثالث والرابع – الخاصان باقتراحات القوانين في شأن «إسقاط القروض» – خليا من رأي الوزارة المعنية وزارة المالية.
كما أنه بعد لقائهم مع رئيس الحكومة، قبل جلستي «إسقاط القروض»، العديد من نوّاب الأغلبية ظهرت عليهم أعراض الهذيان من شدّة الخوف من حل المجلس، فشاركوا في التوقيع على بيان باسم 22 نائباً، أيّدوا فيه ضمناً رغبة الحكومة تجديد تأجيل قوانين «إسقاط القروض» للمزيد من الدراسة. حيث جاء في البيان أن المطلوب أداء المهمة (تخفيف معاناة المواطنين وتحسين المستوى المعيشي) وفق دراسات جادّة وحقيقية بجدول زمني معلوم ومحدد وليس الاكتفاء بإبراء الذمّة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا البيان لم يوقّع عليه ستّة من أعضاء لجنة الشؤون المالية والاقتصادية السباعية التي أعدّت تقريري قوانين «إسقاط القروض».
رغم أنهم تذرّعوا بتحقيق أوليات أخرى لتبرير تأييدهم طلب الحكومة تأجيل قوانين «إسقاط القروض»، إلا أن هذا التأييد معيب لمعظم نوّاب الأغلبية، وتحديداً الذين طالبوا في السابق بإسقاط القروض عن المواطنين حين كانت أسعار النفط منخفضة والسيولة المالية للدولة ناضبة. فكيف اليوم بعد أن تضاعفت إيرادات الدولة يتنازلون بسهولة عن تلك المطالبات، إما بتبني مقترحات تضيّق دائرة المستفيدين وتقلّل مبلغ الاستفادة، وإما بتبني فكرة تقديم أولوية الإصلاح السياسي على حساب «إسقاط القروض».
الإصلاح السياسي أولوية استراتيجية، ولكنها ليست الوحيدة ولا الأقصى. فهناك إصلاحات أولى منها، ومن بينها إصلاح منظومة التعليم. فمن جانب، تتميز الكويت على المستوى الإقليمي في مستوى ونطاق الممارسات الديموقراطية والحريّات السياسية وفي توافر ضمانات السلم الأهلي. ومن جانب آخر، منظومات التعليم في الكويت هشّة بتفشّي ظاهرتي الغش والشهادات الوهمية.
وأما محور الإصلاح السياسي، فالحاجة الأولى فيه لترشيد وتقويم علاقة الناخب بالنائب، من خلال تعزيز معايير الشفافية وتفعيل مبدأ المساءلة. وعليه أدعو الأمانة العامة لمجلس الأمة إلى توفير قواعد ملفات (مقروءة ومسموعة ومرئية) إلكترونية، تسمح بالبحث في محتوياتها، ومفهرسة بمفاتيح بحث أساسية كاسم النائب وموضوع المحتوى وتاريخه وصنفه... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com