مداولاتٌ «صامتة» باسمه للرئاسة
جهاد أزعور مرشّح «المَلاذ الآمِن» للبنان
يشكل «تعليق» الإنتخابات الرئاسية في لبنان ذروةَ الإنحطاط السياسي في بلادٍ تترنّح فوق فوهة أزمةٍ وجودية يحتاج كَبْحُها إلى وقف إنحلال الدولة وموتها، والإنصياع لإصلاحاتٍ تَحول دون الإرتطام الكبير.
ولا تشبه الانتخابات الرئاسية في لبنان أيّ إستحقاقٍ مماثل في أيّ دولةٍ على الكوكب، بعدما تحولت إلى ما يشبه «جائزةَ ترضيةٍ» على الطريق بين داخلٍ متعدّدِ الولاءِ والأجندات وخارجٍ تَحْكُمه مصالحه أولاً وأخيراً.
لا ينقص لبنان رجالات دولةٍ من الطراز الذي يشكّل «وصفةً» لمحاولة قلب الصفحة السوداء عبر شخصيةٍ تحاكي «بورتريه» المرحلة في بُعدها المالي - الإقتصادي والوطني الـ «ما فوق» سياسي بالمعنى اليومي.
ومَن يدقق في مداولاتِ الأزمة السياسية وكواليسها يتوقف حُكْماً عند إسمٍ من خارج النادي التقليدي أو ما يُسمى بالمرشحين الطبيعيين أو أولئك الذي تجعلهم البروباغندا حديثَ الشاشات والشارع.
إنه جهاد أزعور، الذي لم يرشّح نفسَه ولم يتبنّ ترشيحَه أحدٌ، لكن تجربته العملية والعلمية في المال والسياسة تجعله أكثر الغائبين حضوراً في المداولات الجدية التي تَبحث في «المشكلة والحل»، بعيداً عن الإرتجال وكلمات السر.
وسرُّ أزعور أنه رجل الهويات المتصالحة... مارونيةٌ 24 قيراطاً وطنيةٌ لبنانيةٌ لا تشوبها شائبة، عروبةٌ تُفاخِر بحداثتها وانفتاحها وعالميةٌ ممهورة بالتجربة والعلم، وتالياً فهو أقرب ما يكون إلى «الفكرة اللبنانية».
لافتة الحملات التي تَعَرَّض لها وما زال أزعور بمجرّد أن طُرح همساً إسمُه مرشحاً لرئاسة الجمهورية. فالهجومُ أتى من شخصيات قريبة من «حزب الله»، ومن أوساط غير بعيدة عن «القوات اللبنانية». واللافت كذلك أن لهذه الحملات وجهان متناقضان، الأول ينطلق من أن أزعور كان وزيراً للمال في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وقريب من الأميركيين بُحْكِم وظائفه الدولية وعلاقاته الإقتصادية عبر صندوق النقد، والثاني أن أجواء على صلة بـ «القوات» أخذتْها تسريباتٌ أوحت بأن أزعور هو مرشح رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، عدا عن انه مرشّحٌ من منطقة الشمال عرين «القواتيين» والدكتور سمير جعجع.
فمَن هو أزعور الذي يَجمع هذه التناقضات في المواقف منه، وهو لم يعلن ترشيحه أقله حتى الآن ولا تبنّاه أي طرف سياسي علانية ورسمياً؟
هو رجل عِلْمٍ في الدرجة الأولى. وكل مَن يقرأ سيرته الذاتية ويعرف نوعيةَ المعاهد والجامعات والإختصاصات التي برع فيها من فرنسا إلى هارفرد، يدرك أن الرجل آتٍ إلى السياسة من مَشارب علمية لا علاقة لها بالوراثة السياسية. ولذا يُظلم كثيراً حين يُحصر التعريف عنه بأنه إبن شقيقة النائب الراحل جان عبيد. علماً انه متحدّر من عائلة سياسية ليس بالمعنى الوظيفي بل بمعنى الخبرة السياسية من والده ومن أخواله وليس فقط واحداً منهم.
لكن أزعور عمل على أن يكون بارعاً في دراساته وفي الوظائف التي تولاها في أهمّ شركات الإستشارات العالمية، وصولاً إلى تعيينه أخيراً مدير إدارة الشرق الأوسط وشرق آسيا في صندوق النقد الدولي منذ عام 2017، مروراً بتوليه وزارة المال في لبنان في العام 2005. ومن الطبيعي أن يكون هذا الرصيد أحد مصادر قوته، وهو سليل عائلة لها حضور في مجال الأعمال، لكنه إبتعد عنها بحكم وظائفه ودوره، فبنى له حيثيةً مستقلة.
من سير الضنية، البلدة المارونية في القضاء ذات الغالبية السنية، مارونيّ شماليّ ينافس ثلاثة مرشحين طبيعيين للرئاسة من أقضية الشمال (زغرتا والبترون وبشري). وهو بحسب عارفيه رجلُ حجةٍ ويجادل بعلمِ ومنطقِ المتمرّسين الذي ينصتون جداً في النقاش قبل أن يدلي برأيه. سياسيّ محنّك يغطي مقاربتَه السياسية بالوجه الإقتصادي العلمي. صلبٌ في مواجهة الأحداث ولا يلين، لكنه صاحب شبكةٍ واسعة من العلاقات تقتضي منه «ديبلوماسيةَ» السفراء كما رجال الأعمال والإستشاريين. راكَمَ خبرةً خارجية إقتصادية بحُكْم عمله ومَعارفه. ولم يُعرف عنه أنه من «السياسيين» الذين يستخدمون خدماتٍ ترويجية لترشيحهم. فبسبب وجوده في مؤسسات دولية مالية يحتاج أزعور إلى نوعٍ من الهدوء الإعلامي في زمن حملات التسويق. وليس سهلاً أن يراقب عن كثب مفاوضات بلاده مع صندوق النقد ويراها متعثّرة. وهو الذي يدرك تماماً مَكامن الخلل المالي والعثرات التي تَعَرَّفَ إليها عن كثب عند توليه وزارة المال.
تنقّل أزعور في شركات إستشارات دولية معروف McKinsey و Booz and Co. قبل أن يعود إلى لبنان ويتسلّم وزارة المال في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في أصعب مرحلة سياسية عرفتْها البلاد بين 2005 و 2008. كان مُشارِكاً في التحضير لمؤتمر باريس 3 بعدما رافق التحضير لمؤتمريْ باريس 1 و2، وشاهِداً على أحداث سياسية وأمنية كان لها وقْع الزلزال في لبنان.
عيّره خصومُ «14 مارس» بأنه «وزير الرئيس فؤاد السنيورة» ومقرّب منه ويتماهى مع سياسته المالية. لكن أزعور حافَظَ على علاقاته مع جميع القوى السياسية وإن كان حلفاء «حزب الله» إعتبروه خصماً سياسياً ومالياً وما زالوا يشنّون عليه الهجمات بمجرد ذكر إسمه مرشّحاً لرئاسة الجمهورية.
قبل التحضير لمؤتمر باريس 3 كان أزعور واضحاً، في خضمّ وضعٍ سياسي معقّد، في رؤيته السياسية قبل المالية وهو قال: «قبل أن أربط الموضوعَ السياسي بالمؤتمر، يجب أن أربطه بحياتنا اليومية. فهل الجو السياسي الذي نعيشه مؤاتٍ لإقتصادٍ مزدهر يعطي المواطن الثقة؟ الجواب لا. ومن هنا قبل أن أصل إلى مؤتمر باريس، أعتقد أن الوضع السياسي ليس صالحاً ليومياتنا، فكم بالحري لمؤتمر باريس 3»، وهذا الكلام يمكن أن يردّده اليوم أزعور وهو ينظر إلى كيفية أداء لبنان مع مفاوضات صندوق النقد وقد أعطى رأيه مرات عدة في شأنها وهو يؤكد حاجة لبنان إلى الإستقرار السياسي، ويرى أن «منْح لبنان أموالاً من دون إصلاح سيكون هدراً كبيراً».
كان مرشّحاً لأن يكون حاكم مصرف لبنان بدلاً من التجديد لرياض سلامة، لكن التركيبة السياسية فضّلت الملاذَ الآمِن مع سلامة، فإنتقل أزعور إلى مكانٍ أكثر إسشترافاً للوضع المالي والنقدي من خلال صندوق النقد. وحتى في المدة الأخيرة قبل إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون طُرح مرة أخرى إسم أزعور لحاكمية «المركزي» لكن تردّد أن عون رفضه.
من هنا كان طرْح إسمه مجدداً مرشحاً رئاسياً أمراً لافتاً. مَن طرح إسم أزعور ومَن رفضه؟
حتى الآن يبدو أن أكثر المؤيدين لترشيحه هي البطريركية المارونية التي تربطها به علاقة جيدة وترى فيه بين قلة، إسماً لائقاً لتولّي منصب رئيس الجمهورية، علماً أن علاقةً جيدة تربطه وعائلته ببكركي والمؤسسات المارونية. في المقابل تَرَدَّدَ أن «التيار الوطني الحر» لا يمانع في طرح إسمه، لا بل ان خصوم «التيار» من القوى المسيحية إتهمت أزعور بأنه مرشح باسيل إلى الرئاسة رغم أن أحداً من المرجعيات لم يؤكد أن باسيل تَداوَلَ باسمه في اللقاءات التي أجْراها.
في المقابل لم يَظهر أن «الثنائي الشيعي» في وارد الموافقة على أزعور. ورغم أن علاقةً جيدة تربطه برئيس البرلمان نبيه بري وليس فقط عبر خاله الراحل جان عبيد الذي كان صديقاً لبري ومرشحه الدائم إلى الرئاسة، إلا أن رئيس مجلس النواب ليس في جهوزية بعد لتغيير إسم المرشح سليمان فرنجية لمصلحة مرشحٍ شمالي ولو تَوافقياً، في وقت تستمر الحملات على أزعور من حلفاء «حزب الله» ما يؤشر إلى أن الحزب يضعه في خانة «حلفاء أميركا وصندوق النقد و14 مارس سوياً».
في المقابل تستمرّ «القوات اللبنانية» في عدم التعامل مع أزعور كمرشحٍ تنحاز إليه لإعتباراتٍ شمالية في الدرجة الأولى. ورغم أن المواصفات الإقتصادية والمالية تجعل من أزعور أول المرشحين الرئاسيين خبرةً في ملف يحتاج لبنان إلى معالجته سريعاً، إلا ان الحساسيات والحسابات السياسية لم تضعه بعد في خانة المرشحين التوافقيين الذين يمكن أن يكونوا على طاولة المفاوضات الجارية في شأن إنتخابات رئاسة الجمهورية.