الوفد القضائي الأوروبي يبدأ مهمّته غداً و«بروتوكول» مدروس نظّم جلسات الاستجواب

الأزمة الرئاسية في لبنان «متروكة»... فلا «انتحاري» لكسْر المأزق

 عباس إبراهيم عن مشاركته في وساطة رئاسية: «ما بفوت انتحاري»!
عباس إبراهيم عن مشاركته في وساطة رئاسية: «ما بفوت انتحاري»!
تصغير
تكبير

- اللواء إبراهيم عن الوساطة بالملف الرئاسي: «ما بفوت انتحاري على أي ملف» والظروف المحلية والدولية لا تساعد حالياً
- القاضي عويدات: حاكم مصرف لبنان ليس من الأشخاص المطلوب استجوابهم

أكدت مواقفُ أطلقها المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، المؤكّدَ، لجهة أن لا «جواز مرور» في المدى المنظور، داخلياً وخارجياً، للاستحقاق الرئاسي الذي باتت أزمته بمثابة «قوةِ دَفْعٍ» للانهيار المالي المتدحرج الذي يشي بأن تفقد السلطات «المتحلّلة» آخِر أدوات إبطاءِ مساره نحو الارتطام المريع.

فاللواء إبراهيم، العارِف بخفايا الانتخابات الرئاسية وقطبها المخفية، والذي غالباً ما كُلّف بمهماتٍ مستعصية واضطلع بأدوار لـ «إخماد» أزمات سياسية في الأعوام المنصرمة، لم يتردّد حين سئل عن «موضوع الوساطة بالملف الرئاسي» في القول: «أنا ما بفوت انتحاري على أي ملف... والظروف المحلية والدولية لا تساعد حالياً».

ورغم أن موقف إبراهيم جاء خلال محاضرة أعلن فيها أيضاً أنه «بعد شهرين يتوجب عليّ التقاعد وحتى الآن لم يصدر أيّ قرار بالتمديد ولكن لا نعلم ما يمكن أن يحدث خلال شهرين وحتى لو تقاعدتُ انا مستمر بمهماتي الوطنية»، موضحاً رداً على سؤال عن موقعه في 2026 وهل يرى نفسه في وزارة الخارجية «ممكن وأنا مستمرّ بالعمل الوطني»، إلا أن ما أعلنه أتى بمثابة حسْمٍ للأفق المقفل الذي يُرجَّح أن يحكم مجمل الواقع اللبناني أقله حتى الربيع المقبل ما لم تطرأ مفاجآتٌ من خارج الحسبان توفّر على «بلاد الأرز» مكاسَراتٍ إضافيةً يُستباح فيها كل شيء وبدأت تُستخدم فيها «الأسلحة المحرّمة» وليس أقلّها أخْذ اللبنانيين الذين يتقلبون على جمر الاختناقات المعيشية «أسرى حربٍ» رئاسية تُخاض على كل الجبهات المُوازية، من حكومة تصريف الأعمال إلى البرلمان.

وفي حين سيكون الملف اللبناني حاضراً في لندن على جدول مباحثاتِ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي بدأ زيارة رعوية لبريطانيا ستتخللها لقاءات مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية وعدد من النواب البريطانيين، كما ستكون له كلمة في مجلس النواب البريطاني، فإنّ لا مؤشرات إلى حِراكٍ جدي خارجي تجاه لبنان يمكن الرهان عليه لاستشراف ولو «طرف خيْط» تسويةٍ، لا يسهّل بلوغُها أيضاً تمتْرسُ الأطراف الداخليين خلف «خطوط التماس» السياسية والغرق في «معارك صغيرة» داخل الخندق الواحد، مع الإمعان بالتوازي في لعبة الإنهاك المتبادَل فوق أنقاض واقع معيشي مضتْ معه بيروت في تحطيم الأرقام القياسية للمؤشرات السلبية.

وصمّ المعنيون في لبنان آذانَهم عن تصنيف العاصمة كأغلى مدينة عربيّة وفق مؤشر كلفة المعيشة العالمي الذي أصدره موقع «نامبيو» للإحصاءات، لتحل أيضاً في المرتبة 240 ضمن 242 مدينة في العالم على صعيد مؤشّر نوعيّة الحياة للعام 2023 لتكون في صدارة المدن «الأسوأ»، فاستمروا في «business as usual» أي في «الاستثمار» بالانهيار وكوابيسه ورهْن ملف حيوي مثل تأمين الكهرباء ولو لبضع ساعات بمطاحنةٍ مكشوفة بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومعه رئيس البرلمان نبيه بري وبين «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس السابق ميشال عون) حول حدود عمل الحكومة المستقيلة في ظل الشغور الرئاسي، وهي المطاحنة التي باتت من «المعدّات الثقيلة» في عملية «لي الأذرع» المتصلة بالاستحقاق الرئاسي ومحاولة طرفيْ النزاع المستعر تعطيل نقاط القوة لكل منهما وإضعاف موقعه في «الوقت الضائع» الفاصل عن حلول ساعة الحل.

ولم يتوانَ بعض النواب عن «إسقاط» ما شهدتْه الولايات المتحدة لجهة انتخاب الجمهوري كيفن مكارثي رئيساً لمجلس النوّاب بعد 15 جولة تصويت على مدى 4 أيام، على الاستحقاق الرئاسي اللبناني علّ «العدوى» تنتقل إلى «ساحة النجمة» حيث مقرّ البرلمان والتي يُرجَّح أن تشهد الأسبوع الطالع الجلسة 11 في سياق مسلسلٍ مستمرّ منذ نهاية سبتمبر الماضي وتمنع التوازناتُ الداخلية، ولا سيما المرتكزة على قوة الأمر الواقع، تحويلَه إلى جلسات مفتوحةٍ حتى استيلاد رئيسٍ وهو العالق عند:

- أولاً عدم قدرة المعارضة ولا الموالاة على التوافق داخل كل منهما على اسم واحد.

- وثانياً عدم توافر اسم قادر على اختراق التوازن السلبي في البرلمان رغم كلام النائب نعمة افرام امس بعد لقائه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع (يدعم مع أحزاب سيادية أخرى ترشيح ميشال معوض) عن انه حَمَل «خريطة طريق يمكنها أن توصلنا في الأسابيع المقبلة الى طرح جامع يستطيع ان يؤمن أكثرية في مجلس النواب».

وفود قضائية أوروبية

في موازاة ذلك، ستتجه الأنظار ابتداء من يوم غد إلى المهمة التي ستباشرها الوفود القضائية من كل من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ في بيروت للتحقيق في قضايا تتصل بشبهات فساد وتبييض أموال (بينها قضية شركة «فوري» التي يملكها رجا سلامة شقيق حاكم المركزي رياض سلامة) استُخدمت فيها بنوك في البلدان الثلاث من خلال تحويلات مالية حصلت من لبنان، وهي ملفات مفتوحة قضائياً في هذه الدول.

وبعد بوادر أزمة في هذا الملف أْنذرتْ برفْضِ بيروت تسهيل مهمة الوفود الأوروبية بوصْفها لم تراعِ السيادة القضائية اللبنانية في الصيغة التي تم إخطار «بلاد الأرز» بها، شهد اليومان الماضيان تنظيماً لعمل الثلاثي الأوروبي عبر ما يشبه البروتوكول الذي أرضى لبنان ولم يُغْضب الدول المعنية وضَمَنَ تعاوناً مع طلب المساعدة جَعَلَ قضاةً من النيابة العامة التمييزية اللبنانية ممرّاً للاستجوابات التي ستشمل، وعلى مراحل، نحو 15 اسماً بينهم مسؤولون في مصرف لبنان وأصحاب ومدراء كبار البنوك اللبنانية تم تبلغيهم بمواعيد الاستماع لهم، بحيث إن هؤلاء القضاة هم الذين سيتولّون طرح الأسئلة بحضور القضاة الأوروبيين، في تكرار للسيناريو الذي اعتُمد مع رجل الأعمال كارلوس غصن الذي استمع القضاء الفرنسي إليه من خلال قاضٍ لبناني تسلّم الأسئلة من الجانب الفرنسي ثم وجّهها إليه.

وكشف النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لموقع «لبنان 24» أن مهمة الوفد الاوروبي «استجواب أشخاص تم استجوابهم سابقاً لدى القضاء اللبناني بصفة شهود باستثناء شخص واحد سيتم استجوابه بصفة مشتبَه فيه. وهذا الوفد يريد ان يستطلع أين أصبحت الاستنابات القضائية الموجودة في الملف الذي يتولاه القاضي زياد أبوحيدر، والذي توقّف التحقيق لديه بسبب طلبات الرد التي قُدمت في حقه».

وقال «إن مهمة الوفد تندرج في إطار المعاهدة التي أقرّتْها الامم المتحدة عام 2003 ودخلت حيز التنفيذ عام 2005، والتي انضمّ اليها لبنان عام 2008 بموجب القانون الرقم 33 الذي صدّقه مجلس النواب عام 2008. وبموجب هذا الانضمام بات لبنان من الأعضاء الملزمين بتطبيق هذه المعاهدة».

وأوضح «هناك سوابق في هذا السياق سبقت تسلمي مهام النيابة العامة التمييزية، كما تَكرر الأمر خلال مهمتي في النيابة العامة، في قضية كارلوس غصن، حيث حضر وفد قضائي واستجوبه في لبنان في إطار التدابير القضائية المتخذة في الملف خارج لبنان».

ولفت إلى «ان التدابير المتخذة في شأن زيارة الوفد تنطبق عليها الأصول القانونية، والنيابة العامة وضعت الآلية القانونية المناسبة. فالوفود القضائية الآتية الى لبنان هي من: فرنسا والمانيا ولوكسمبورغ، وليس هناك أي وفد من سويسرا. وقد اشترطنا توحيد الإجراءات لعدم تبليغ الأشخاص المعنيين ثلاث مرات، وسيكون هناك وفد موحّد، وتم تقسيم العمل بين أعضائه وتحديد جدول زمني وخطة عمل واضحة. والاستجوابات ستتم في قصر العدل».

وأشار الى «أن زيارة الوفد ربما ستليها زيارات أخرى، لكن ليس بالضرورة بطريقة متتالية بل بحسب الحاجة»، موضحاً «أن الاشخاص المطلوب استجوابهم عددهم 15 وليس بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة»، لافتاً إلى «ان الملفات التي سيحقق بها الوفد القضائي تندرج تحت باب الفساد، وهو الملف ذاته الموجود في النيابة العامة الاستئنافية والمتوقف منذ فترة للأسباب التي ذكرتها سابقاً».

وفيما أكد رداً على سؤال انه «في كل معاهدة دولية يقبل بها أي بلد هناك انتقاص ما من السيادة. والمعاهدات الدولية هي تحت الدستور وفوق القوانين»، قال عما اذا كان لبنان ملزماً بالتوقيع على المعاهدة التي تندرج زيارة الوفد تحتها «هذه المعاهدة وقّعتْها 160 دولة وليس كل دول العالم. ولبنان هو من ضمن الدول الموقّعة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي