دعوات إلى «وقف التبعية للأميركيين»

«خيوط» روسية لتغيير السياسة الألمانية تجاه أوكرانيا

ألمانيا أعلنت إحباط محاولة انقلابية لـ «مواطني الرايخ»
ألمانيا أعلنت إحباط محاولة انقلابية لـ «مواطني الرايخ»
تصغير
تكبير

تشهد ألمانيا بعض التجمعات ضمن حملات احتجاجية لأفراد يطالبون بتغيير سياسة البلاد تجاه أوكرانيا، وتوصل تحقيق لـ«رويترز» إلى أن شخصيات رئيسية في هذه الحملات لها صلات، إما بالدولة الروسية وإما بأقصى اليمين.

جاء تحقيق «رويترز» الذي نشر الثلاثاء، بعد أن أوقف هاينريش الثالث عشر بداية ديسمبر الماضي، بتهمة التحضير لتنفيذ«مؤامرة يمينية متطرفة لإسقاط الحكومة وتنصيبه على رأس نظام انتقالي، بدعم روسي»، وهو الأمر الذي نفته موسكو.

وذكرت «رويترز» أنه في ساحة تحت البرجين التوأمين لكاتدرائية كولونيا، تجمع نحو 2000 متظاهر في سبتمبر لحض الحكومة على الانفصال عن التحالف الغربي الذي يدعم أوكرانيا وعقد السلام مع روسيا.

وحينها، قال السياسي اليميني ماركوس بيزيشت من منصة متنقلة على ظهر شاحنة: «يجب أن نوقف تبعيتنا للأميركيين»، وسط تصفيق الحشد الذي كان يلوح بالأعلام الروسية والألمانية.

وهذا التجمع، هو أحد الوقفات الاحتجاجية التي طالب فيها أشخاص بضرورة إعادة النظر في دعم برلين لكييف.

ولم يقتصر حدود التعبير على بعض الساحات، بل إن هؤلاء شنوا حملاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، وفق «رويترز».

ويركزون على ما يعتبرونه «روابط عميقة بين ألمانيا وروسيا، حيث يعيش ملايين من المتحدثين باللغة الروسية في ألمانيا، وإرث العلاقات السوفياتية مع ألمانيا الشرقية الشيوعية، وعقود من الاعتماد الألماني على الغاز الروسي».

وأشارت الوكالة إلى الضرر الكبير الذي سينجم في حال أدارت ألمانيا، وهي أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، ظهرها لكييف، فإن الوحدة الأوروبية بوجه الحرب الروسية على أوكرانيا، «ستنكسر».

«مؤامرة الانقلاب»

في ديسمبر، أظهرت التحقيقات أن هاينريش الذي كان يعد من رجال الأعمال الناجحين، خطط للانقلاب مع ضباط وجنود سابقين وحاليين بالتعاون منظمة «مواطنو الرايخ»، بعد أن جمعتهم مجموعة أفكار تفيد بأن النظام الديموقراطي في ألمانيا «هو أمر غير شرعي فرضه الحلفاء المنتصرون» عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.

لكن بعض المراقبين يرون أن انخراط هاينريش في المؤامرة، جاء بعد فشله في استعادة العقارات السابقة لسلالته الملكية، والتي جرى الاستيلاء عليها أثناء فترة الحكم الشيوعي لشرق ألمانيا.

وقد سعى هاينريش الثالث عشر منذ انهيار الشيوعية في تسعينيات القرن الماضي إلى استعادة تلك الممتلكات، ومن ضمنها أكثر من 25 ألف فدان من الأراضي في ولاية تورينغن، بالإضافة إلى مجموعات من كبيرة من العقارات.

واتهمت السلطات الرجل البالغ من العمر 71 عاماً، بأنه كان في قلب مؤامرة يمينية متطرفة لإسقاط الحكومة وتنصيبه على رأس نظام انتقالي، بدعم روسي، وهو الأمر الذي نفته موسكو.

تغيير مسار الدعم

ومن خلال مقابلات ومراجعة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المعلومات المتاحة للجمهور، حددت «رويترز» هويات الشخصيات الرئيسية المشاركة في الدفع بموقف مؤيد لموسكو داخل ألمانيا منذ بدء الحرب، بما في ذلك الرجلان اللذان كانا يحومان بالقرب من المنصة في كولونيا.

فالرجل الأول ضابط سابق في سلاح الجو الروسي. وكان يُطلق عليه في الأصل روستيسلاف تسليوك، وغير اسمه إلى ماكس شلوند بعد أن استقر في ألمانيا قبل عقد من الزمان.

والشخص الآخر بالقرب من شلوند، يُدعى أندريه خاركوفسكي، يتعهد بالولاء لمجتمع القوزاق الذي يدعم حملة موسكو العسكرية في أوكرانيا.

ولم يُجب شلوند وخاركوفسكي على الأسئلة التفصيلية لـ«رويترز». وفي تبادل رسائل عبر تطبيق واتساب كان الجواب: «المجد لروسيا!».

ووجدت «رويترز» أن بعض المحرضين على تغيير السياسة الألمانية لتبني دعم روسيا، لهم أسماء مستعارة ويمارسون نشاطاتهم بوجهين.

ويستخدم البعض أسماء مستعارة، ولديهم علاقات غير معلنة مع روسيا والكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات الدولية، أو بمنظمات اليمين المتطرف.

وربطت السلطات الألمانية أحد الأشخاص الذين حددتهم «رويترز»، بإيديولوجية يمينية متطرفة.

دعم ألمانيا لأوكرانيا

وخصصت ألمانيا، حتى الآن، أكثر من مليار يورو مساعدات إنسانية لأوكرانيا والدول المجاورة، بالإضافة إلى المعدات العسكرية بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة.

ولا تزال غالبية الألمان تدعم أوكرانيا، ولكن بعد الارتفاع الحاد في تكاليف الطاقة، تظهر استطلاعات الرأي أن عددا أقل من الألمان حريص على توسيع الدعم العسكري.

ولم ترد الحكومة الألمانية على الأسئلة التفصيلية لـ«رويترز». لكن وزارة الداخلية أعلنت انها تأخذ «بجدية بالغة» أي محاولات من قبل دول أو أفراد أجانب لممارسة نفوذها، لا سيما «في سياق الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا».

ولم يرد الكرملين على أسئلة «رويترز». وقال بيسيت السياسي الذي تحدث في مسيرة كولون للوكالة إنه عمل عن كثب مع منظمي الاحتجاج.

وتمتد العلاقات بين ألمانيا وروسيا إلى قرون إلى الوراء. ودعت الإمبراطورة كاثرين العظيمة، مواطنيها الألمان للهجرة إلى روسيا في القرن الثامن عشر. وبين 1992 و2002، عاد نحو 1.5 مليون من أحفاد هؤلاء المستوطنون إلى ألمانيا، مستفيدين من القوانين التي تسمح للأشخاص من أصل ألماني بالمطالبة بالجنسية، وفق «رويترز».

«الهوية المزدوجة»

وقاد الاحتجاج في كولونيا شريكة شلوند، إيلينا كولباسنيكوفا.

واستخدمت مناشير ووسائل التواصل الاجتماعي، ونظمت مع شلوند المظاهرة وسلسلة من الأحداث الأخرى المؤيدة لروسيا.

واكتسبت كولباسنيكوفا مكانة في بعض الدوائر المناهضة للمؤسسات في ألمانيا العام الماضي بعد أن قالت إنها طُردت من وظيفتها في التمريض بسبب «رهاب روسيا»، وهو حساب لم تتمكن «رويترز» من التحقق منه بشكل مستقل.

وعند مخاطبة المؤيدين، لم تصل إلى حد تقديم الدعم الصريح للغزو الروسي وبدلاً من ذلك تركز على تأثير الصراع على الألمان القلقين في شأن ارتفاع فواتير التدفئة.

وقال شقيق كولباسنيكوفا لـ «رويترز» إن شلوند شغل منصب ملازم أول في سلاح الجو الروسي. ولم يتسن للوكالة التحقق بشكل مستقل من هذه التفاصيل.

ومنذ نحو عام 2007، عمل شلوند في شركات الأمن الخاصة، حسب ما تظهر سجلات التوظيف.

وفي 2010، أصدرت محكمة في موسكو حكماً بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ بتهمة الاعتداء على شخص يحمل نفس الاسم وتاريخ الميلاد، وفقا لسجلات الشرطة.

وانتقل شلوند إلى ألمانيا عام 2012 ليعيش مع زوجته الروسية من أصل ألماني، وفقاً لشخص يعرفه.

وانفصلا منذ ذلك الحين. وقال شقيق كولباسنيكوفا، الذي لا يزال يعيش في أوكرانيا، لـ«رويترز» إن موقف كولباسنيكوفا المؤيد لروسيا في شأن الحرب زاد من حدة الشقاق العائلي: «قد تكون أختي البيولوجية، لكن ما تفعله ليس صحيحاً».

وأكمل شلوند صفقة لشراء شقة في موسكو في أوائل عام 2022، وفقاً لسجل العقارات في روسيا.

وخلال الصيف، أرسل كل من شلوند وكولباسنيكوفا رسالة على «تلغرام تدعو» «الأشخاص ذوي التفكير المماثل» إلى يوم موسيقي في دوسلدورف في يونيو.

وكان المكان مزينا بأعلام الزعيم الشيشاني والموالي لبوتين رمضان قديروف، الذي يشكل مقاتلوه جزءاً من الهجوم الروسي على أوكرانيا.

ونشر وزير في حكومة قديروف، أحمد دوداييف، صوراً للحدث على «تلغرام»، وأشاد بكولباسنيكوفا وشلوند بوصفهما «سفراء النيات الحسنة» و«إلى جانب الحقيقة».

وأكدت وزارة الإعلام الشيشانية برئاسة دوداييف في بيان لـ «رويترز»، إن لا علاقة لها بتنظيم الحدث.

وفي 2022 أيضا، سافر الزوجان إلى دونباس، منطقة شرق أوكرانيا التي تسيطر عليها روسيا إلى حد كبير.

ونشرت وسيلة إعلام موالية للكرملين، تسارغراد، مقطع فيديو على «يوتيوب» للرحلة في أكتوبر.

وسار الزوجان وأنصارهما في شوارع كولونيا مرة أخرى الأحد في أوائل ديسمبر، بوجود ضباط الشرطة وتظاهرة مضادة صاخبة. وبعد فترة وجيزة، شاركوا في منتدى لنشطاء المجتمع المدني في موسكو شاركت في تنظيمه الحكومة الروسية.

وفي الصور التي نشرها خاركوفسكي من التجمعات في السنوات الأخيرة، انضم إلى الرجال حارس أمن وحارس ملهى ليلي يُدعى غريغوري كرامر.

وكرامر ممثل اتحاد القوزاق ووريورز في روسيا والخارج. ويخضع فيكتور فودولاتسكي، الرئيس السابق للاتحاد منذ فترة طويلة، لعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لدعمه الإجراءات الروسية في أوكرانيا.

واستقبل تجمع 2022، في هانوفر، ديبلوماسيين روس من القنصلية في هامبورغ، وفقاً لرواية للحدث نشرته الكنيسة الأرثوذكسية الروسية على موقعها على الإنترنت، بحسب «رويترز».

وتليت تحية من القائم بأعمال زعيم «جيش الدون العظيم»، وهي منظمة قوزاق تشارك في تجنيد الجنود والقتال في الحملة العسكرية الروسية.

وعندما أقام الحزب الشيوعي الألماني مهرجان «السلام والتضامن» في برلين نهاية أغسطس، تضمن ذلك جلسة نقاش بعنوان «السلام مع روسيا».

وكان من بين المشاركين في حلقة النقاش أوليغ إريمينكو، وهو رجل أعمال روسي ألماني، قال إن الشباب الأوكراني يتعلم كراهية روسيا.

وينشط إريمينكو منذ فترة طويلة في المجتمع الألماني - الروسي. ويدير شركة بناء في برلين. ومن بين العملاء المدرجين على موقعها على الإنترنت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في برلين. وأعلنت الكنيسة أنه ليس لديها سجل لمقاوليها.

وإريمينكو، حفيد محارب سوفياتي كان عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي حتى عام 1981، وعضواً في مجلس إدارة منظمة تُدعى «ديسانت»، والتي تتألف من جنود روس سابقين.

وظهر في مناسبات إلى جانب الديبلوماسيين الروس لإحياء ذكرى قتلى الحرب السوفياتية المدفونين في ألمانيا والتقطت صور له مع سياسيين ألمان مثل مانويلا شفيزيغ، عضو الحزب الاشتراكي الديموقراطي ورئيس وزراء ولاية مكلنبورغ-فوربومرن الشمالية.

وفي صورة مؤرخة عام 2016، يقف إريمينكو بجانب إيغور جيركين، ضابط استخبارات روسي سابق دين أخيراً غيابياً من قبل محكمة هولندية بالتورط في إسقاط الطائرة الماليزية MH17 فوق أوكرانيا.

ونفى جيركين، المعروف أيضاً باسم إيغور ستريلكوف، أي دور له في إسقاط الطائرة. وقال لـ «رويترز»، «لا أجري مقابلات مع وسائل إعلام معادية».

نادي معجبي بوتين

وينشر بعض النشطاء الموالين لروسيا رسالة الكرملين على الإنترنت للجمهور الناطق بالألمانية.

ووجد تحليل أجرته «رويترز» لقنوات تلغرام باللغة الألمانية ما لا يقل عن 27 قناة تعيد باستمرار مشاركة الرسائل المؤيدة للكرملين وتعززها إلى جمهور مشترك يبلغ نحو 1.5 مليون مشترك.

واحداها «بوتين فانكلوب»، تنشر الصفحة بانتظام على 36 ألف مشترك صور لبوتين، خلال ظهوره العام والترجمات الألمانية لخطاباته.

ولا يوجد في هذه الحسابات على تلغرام أي معلومات حول من يملكها أو يديرها. لكن تحليلاً لرويترز لمنشوراتها وإعادة نشرها أدى إلى رجل يدعى Wjatscheslaw Seewald يعيش في بافاريا. واعترف Seewald بأنه خلف قناة.

ولسيوالد وجود نشط على يوتيوب. ففي 2011 نشر صورة لنفسه مع ألكسندر خينييفيتش، مؤسس تجمع قائم على «العرق الآري».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي