من منا لم يُلاحظ الإحباط الذي يسود الشارع الكويتي؟ لا يكاد يجتمع ثلاثةٌ من المواطنين أو يزيد إلا وعبارات التشاؤم والإحباط هي التي يُبدأ بها الحديث وهي التي ينتهي بها الكلام.
الإحباط الجماهيري ظاهرة ليست بجديدة، وهي ليست مقصورة على الشعب الكويتي، ففي كل دول العالم تعاني مجموعة من الناس من الإحباط؛ وعدم القدرة على تحقيق طموحاتهم، ولكن في الكويت أخذت ظاهرة الإحباط في السنوات الماضية منحىً عاماً.
منطقياً يجب أن تكون الكويت من الدول التي يقّل فيها الإحباط، فالكويتيون تتوافر لهم منذ ولادتهم حتى وفاتهم رعاية حكومية شاملة، الكويتي يُلف عند ولادته بلحاف الحكومة؛ ويدفن عند وفاته بكفن الحكومة، وبين الولادة والموت يتعلم الكويتي مجاناً؛ ويتعالج مجاناً؛ وإذا تأخّر السكن يُعطى بدلاً مالياً يسدُّ جزءاً من الإيجار، وإذا لم يتوظف يُعطى بدلاً للوظيفة يمنع عنه الحاجة، ومعظم المواطنين يعملون في الحكومة التي تغّض النظر عنهم؛ ولا تحاسبهم؛ ولا تفصل أحدهم من عمله على الرغم من أنّ إنتاجية غالبية لا تزيد على نصف ساعة، كما أشار بذلك البنك الدولي، كما أن الحكومة لا تُحصّل من الشعب ضرائب لا على دخلهم ولا على الخدمات التي تُقدمها لهم.
لكن كل ما تفعله الحكومة لإرضاء الشعب الكويتي لم ينجح، بل إنه مع انتشار الفساد المالي في السابق أصبح الشعب يرى الرفاهية الحكومية كالرشوة تُمنح له من أجل غضّ النظر عن الفساد المالي الذي يراه غالبية الناس أمامهم، هذا الفساد المالي جعل الكويت تحتل المرتبة الأسوأ بين دول مجلس التعاون والمرتبة 73 عام 2021 من مجموع 180 دولة، أي مع مجموعة النصف الأدنى في تقييم منظمة الشفافية الدولية، هذا هو سرُّ الإحباط الذي يشعر به المواطن الكويتي.
فائض الميزانية للعام المنصرم كان 4.24 مليار دينار أي نحو 13.8 مليار دولار، رقم ضخم تزداد معه مشاعر الخوف والإحباط لدى الشعب الكويتي بدل الفرح والبهجة، والسبب؟ الخوف من انتصار الفاسدين في المعركة التي بدأت منذ أشهر والتي ما زالت قائمة لم تُحسم حتى الآن، معركةٌ بين مصلحين وبين دولة عميقة استمرأت الفساد، الفساد الذي جعل أموال النفط تتبخر في معظمها لصالح المفسدين، عشرات الأمثلة الكبيرة والصغيرة التي ما زالت عالقة في عقول المواطنين تعكس خوف الشارع الكويتي من الفائض فهو يُترجم في النهاية إلى مشاريع ضارة تنتهي بحروب جديدة ضد المُصلحين، لقد كان الفساد يأكل من قيمنا حتى بات الشعب يخشى أن ننتهي إلى أمةٍ بلا قيم، فكيف إذاً لا ينتشرُ الإحباط.
إن الفساد المالي لا يعني فقط استغلال الأموال العامة؛ والصراع بين كبار التجّار للحصول على أكبر الغنائم وأحيانا بأقل الإنتاج، الفساد المالي يعني تأثيراته المباشرة على المواطن، يعني اهتزاز الثقة في النظام الإداري والمراقبة، يعني زيادة انتشار قيم المادة؛ وانتهاء عصر الأخلاق؛ والمتاجرة بكل شيء، حتى في قيم الديموقراطية التي أصبحت أداةً بيد البعض لشراء الأصوات على حساب تنمية الوطن؛ والحفاظ على مكتسباته وأمواله من التبذير المصلحي هذه هي النتائج الحتمية للفساد المالي.
الشعب الكويتي تفاءل خيراً بتلك الحملات التي طالت شخصيات كبيرة واستطاعت أن تُعيد بعض الثقة لنفوس الشعب، ولكنه ما زال ينتظر حسم المعركة لصالح أهل الإصلاح، إنه انتظار مقلق فحرب المصالح لا رحمة فيها لهذا لا بد أن يتفاعل الشعب مع عملية الإصلاح، لا بد أن نقف جميعا ضد الفساد نُساند الحكومة في توجهاتها؛ وندعمُ أعضاء مجلس الأمة من المصلحين؛ ولا نترك آلة الفساد تنجح في نشر الكذب عليهم؛ وتلطيخ مواقفهم أو حتى استغلال بعض هفواتهم من أجل إسقاط مصداقيتهم، إن حرب الفساد لن تؤتي ثمارها مادام الشعب واقفاً يتفرج، ففي النهاية الشعب هو الذي سيدفع الثمن.
إنها حرب حقيقية ربما أكبر من غزو الكويت، فكما ساندنا الكويت ضد الغزاة علينا أن نُساندها اليوم ضد الفساد والفاسدين.