مولوتوف... رسوم شيطانية... أدوية سرطان ملوّثة... إنزال قضائي أوروبي و ليّ أذرع سياسي

لبنان يودّع 2022 بـ «حروب صغيرة» مستعرة

عناصر أمنية لبنانية أمام مبنى «الجديد» أمس
عناصر أمنية لبنانية أمام مبنى «الجديد» أمس
تصغير
تكبير

- لبنان مُرْبك بكيفية التعاطي مع زيارات الوفود القضائية الأوروبية للتحقيق مع سلامة ومصرفيين
- محطة «الجديد» تحت الحماية الأمنية بعد تعرضها لمولوتوف ورصاص
- الرسوم الشيطانية على جدران منازل مسيحية في الشوف محاولة لـ «تسميم» مصالحة الجبل
- طوابير البنزين عادت عشية رأس السنة... وما علاقة منصة «صيرفة»؟
- ميقاتي يردّ التحدي ويوعز بإصدار مرسوم المساعدات الاجتماعية للعسكريين

تزاحمتْ الأزماتُ عشية نهاية 2022 مُحْدِثة ربْطَ نزاعٍ ساخناً مع السنةِ الطالعةِ التي ستطلّ برأسها في العالم من داخل علبةِ ألعاب نارية وأقواس أضواء ستنفجر فرحاً، وفي لبنان من قلب «صندوق رعب» مزنّر بـ «قنابل» قديمة - جديدة متعددة الفتيل تشي باشتعالٍ... سريع.

... فمن الاضطرابات المستعادة في سوق الدولار بعد تكرار مصرف لبنان المركزي محاولة ضبْطها تحت سقف منصة «صيرفة» وما استتبعه ذلك من تَجَدُّد مشهد طوابير الذل أمام محطات المحروقات، إلى الاهتزازات الأمنية من بوابة تكرار الاعتداء بالرصاص بعد «المولوتوف» على مبنى محطة «الجديد» على خلفية بثها «سكتش» اعتُبر مسيئاً للمرأة الجنوبية، وأيضاً الرسوم الشيطانية التي دُمغت بها أبواب منازل تعود لمسيحيين في بلدة بريح الشوفية... ومن ملامح فرْض «تدويلٍ قسري» على لبنان لملف التحقيقات الخاصة بشبهات مالية تحوم حول حاكم «المركزي» رياض سلامة في قضايا تبييض أموال واختلاس مال عام، إلى كشف فضيحة وجود أدوية سرطان ملوثة بكتيرياً وأعطيت لأطفال مرضى.

... عناوين ألقت بثقلها على الساعات الأخيرة من 2022 التي حملتْ أيضاً ما يُخشى أن يكون نزْع صاعق «قنبلةٍ» سياسية – دستورية شكّله إيعازُ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس بإصدار مرسوم المساعدات الاجتماعية للأسلاك العسكرية «بقوةِ» أولوية حقوق العسكريين ومخالفةِ وزير الدفاع موريس سليم «الأصول الدستورية» بتأخره عن التوقيع وإدخاله تعديلاتٍ على المرسوم تشمل رهن صدوره بمهْره من أعضاء الحكومة الـ 24 بحيث ينوبون مجتمعين عن توقيع رئيس الجمهورية الذي شغر منصبه منذ 1 نوفمبر، وذلك وفق رؤية «التيار الوطني الحر» لكيفية إدارة شؤون البلاد والضوابط التي يراها لعمل الحكومة (خصوصاً إذا كانت تصريف أعمال) في غياب رأس الدولة.

وجاءت الضوضاء التي أحدثتْها إجراءاتُ مصرف لبنان المتعلّقة بضبط دولار السوق الموازية عبر رفْع سعر منصة صيرفة بنحو 25 في المئة (إلى 38 ألف ليرة) وفتْح سقف حصول الأفراد والشركات على العملة الخضراء عبرها (من خلال المصارف) أقوى من كل العناوين الأخرى، بعدما لم تنجح هذه الخطوة، أقله في أول 24 ساعة، في لجْم دولار السوق السوداء إلا بنحو 3 آلاف ليرة (من نحو 47500 إلى نحو 44500)، فيما لم تتأخّر تشظياتها على يوميات اللبنانيين بالظهور مع إحياء كابوس الطوابير أمام محطات البنزين التي أقفل قسم كبير منها نتيجة عودة وزارة الطاقة إلى ربْط التسعيرة اليومية بدولار المنصة التي كان قطاع المحروقات تحرَّر منها، ما جعل الأسعار تنخفض بقوةٍ أمس من دون أن تتمكّن الشركاتُ والموزّعون والمحطات من شراء دولار الـ 38 ألفاً واشتراطهم وعداً من «المركزي» بتوفيره لهم بشكل دائم وثابت عبر المصارف وإلا أزمة كبيرة على مشارف رأس السنة.

ولم يقلّ صخباً الحادث الذي شهدته بلدة بريح وعَكَس مخاوف من محاولة لـ «تسميم» التعايش في الجبل الذي يستريح في أحضان مصالحةٍ راسخة منذ 2001، وإن كانت المواقف التي صدرت عن غالبية نواب المنطقة من مسيحيين ودروز عكست تأكيداً على أن المصالحة أقوى من «وطاويط الليل» وتنديداً بما جرى وإصراراً على كشف الفاعلين.

وكانت بلدية بريح أعلنت أنه «منذ العام 2014 تاريخ العودة الى بلدة بريح والمصالحة الوطنية التي جرت حيالها، وبلدتنا تنعم بالاستقرار والعيش المشترك والواحد بين جميع أبنائها.

لكن الذي حصل ليلة عيد الميلاد من رسومات شيطانية على أبواب وجدران أربعة منازل مسيحية، لهو أمر مستهجن وقد استنكره جميع عائلات وأهالي بريح والأحزاب»، مؤكدة «ان هذا الموضوع قيد المتابعة الحثيثة، مع سائر القوى الأمنية من اجل تبيان الحقيقة اذا كان الذي حصل فردياً أو بهدف إثارة الفتن ومحاسبة الفاعل أياً كان ولأي جهة انتمى».

وفي السياق الأمني أيضاً، تفاعل تحويل محطة «الجديد» مسرحاً لاعتداءات متكررة جرى تغليفها بالتنديد بما تضمّنه مقطع تمثيلي ساخر ضمن برنامج «فشة خلق» في معرض تناوُل علاقة أهالي الجنوب بقوة «اليونيفيل» وذلك على خلفية مقتل الجندي الأيرلندي في منطقة العاقبية إذ جاء فيه: «إجوا لعنّا عالجنوب، جوّزناهم من بناتنا، وأخدنا من بناتهم، وإسّى الواحد يحكي، تلاتة ارباع أهالي الجنوب عيونن خضر وزرق وشعرهم أشقر، منّك عارفة الطليان فاتوا علينا والإنكليز فاتوا فينا، ليش تالواحد يحكي».

وبعد رمي قنبلة مولوتوف فجر الثلاثاء على مبنى المحطة في بيروت، تعرض بعيد منتصف ليل الثلاثاء - الاربعاء لإطلاق نار ما استدعى من وزير الداخلية بسام مولوي إعلان وضع مبنى القناة تحت الحماية الأمنية «واتخاذ التدابير اللازمة لحماية أمنه والعاملين فيه»، وسط مواقف تنديد واسعة بالاعتداء على «الجديد» الذي كان واجه، رغم محاولة توضيح أن ما بُث اجتزئ ولم تُقصد منه الإساءة، حملة غضب مركزّة من ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً من أبناء الطائفة الشيعية، وصولاً لصدور بيانٍ عالي السقف من المجلس الشيعي الأعلى وتهديدٍ ضمني أطلقه نجل الأمين العام لـ «حزب الله» جواد حسن نصر الله إذ كتب «المشكل إنو نحنا مزحنا تقيل، إذا صارت مزحة القصة».

وفي موازاة ذلك، ضجّ لبنان بما كشفته منظمة الصحة العالمية حول اكتشاف وجود دفعة ملوثة من منتج ميتوتريكس بعيار 50 ملغ (METHOTREX 50mg) في اليمن ولبنان بعد ظهور آثار ضارة على أطفال مرضى (سرطان) يتلقون الدواء، مبينة أن السلطات الصحية في البلدين أجرت اختبارات ميكروبيولوجية على القوارير المختومة المتبقية وكشفت نتائج الاختبارات عن وجود بكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa)، وهو ما يدل على تلوث المنتجات.

وأعلن المكتب الإعلامي في وزارة الصحة اللبنانية لاحقاً أن «الوزارة أصدرت قراراً بسحب الطبخة المزورة من المستحضر الطبي METHOTREX 50 mg Methotrexate) الخاص بعلاج السرطان، من الأسواق اللبنانية، ومنْع تداوله، وذلك استناداً الى كتاب التحذير الصادر عن منظمة الصحة العالمية. علماً أن هذا الدواء غير مسجَّل في لبنان وتم ادخاله الى البلاد عبر طرق غير شرعية»، مشددة على ضرورة «عدم شراء أي دواء من مصدر غير معروف والالتزام بلائحة الأدوية المسجّلة والمنشورة على موقع وزارة الصحة العامة، حرصاً على سلامة المواطنين وصحتهم ولحمايتهم من استعمال أدوية مزورة»، ومؤكدة أنها «ستتابع هذا الملف لإظهار المتورطين فيه واتخاذ الاجراءات اللازمة في حقهم».

ومن خلف غبار هذه العناوين، انهمكت بيروت بملفين ينذران بتفاعلات في أكثر من اتجاه:

* الأول ما أُعلن عن أن وفداً قضائياً أوروبياً يضم قضاة تحقيق ومدعين عامين ماليين من ألمانيا ولوكسمبورغ وفرنسا سيزور لبنان بين 9 و20 يناير المقبل وأنه يعتزم التحقيق شخصياً مع حاكم «المركزي» رياض سلامة بالإضافة إلى مسؤولين في مصرف لبنان ومديري مصارف تجارية، ربطاً بملف التحقيقات الخاصة بالشبهات المالية التي تحوم حوله في قضايا تبييض أموال واختلاس مال عام والتحويلات التي حصلت من لبنان إلى بنوك في الدول المذكورة وتحديد مصادرها.

وفيما عُلم أن السلطات المعنية في الدول الثلاث أبلغت النائب العام التمييزي في لبنان غسان عويدات أنها «تنوي التحقيق مع سلامة ومسؤولين في مصرف لبنان ومديري مصارف تجارية»، وأن «الوفود القضائية لم تطلب مساعدة القضاء اللبناني بل جلّ ما فعلوه هو إخطار لبنان بمواعيد وصول الوفود وتاريخ الاستجوابات التي سيجرونها، وأسماء الذين سيخضعون للتحقيق»، فإن بيروت عاشت أجواء إرباك يتصل بكيفية التعاطي مع تطور اعتُبر قفزاً نافراً فوق القضاء اللبناني وبمثابة إشهار «لا ثقة» به وبتحقيقاته في هذه القضايا.

ورأت أوساط سياسية أن عدم تجاوب لبنان مع الوفود الأوروبية انطلاقاً من مبدأ «السيادة القضائية المطلقة للبنان» ورفْض تولي قضاة أجانب التحقيق على الأراضي اللبنانية وبمعزل عن القضاء اللبناني والمرور عبره يمكن أن يفتح الباب أمام مساراتٍ زاجرة بحق بيروت ولا سيما بحال كان ثمة دفْع سياسي وراء هذه الاندفاعة، في حين أن التجاوب مع «الأوامر» الأوروبية والسماح بتحقيقاتٍ لا يشارك فيها القضاء اللبناني سيعني تسليماً بخرق السيادة الوطنية وبما يشبه «الانتداب» على هذا القضاء قد يمتدّ لملفات أخرى ذات طابع أمني.

* والثاني مباغتة ميقاتي الذي استقبل أمس رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز الذي زار لبنان لساعات تفقّد خلالها كتيبة بلاده العاملة في عداد «اليونيفيل»، الجميع بإيعازه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء إصدار مرسوم إعطاء مساعدة اجتماعية اضافية للاسلاك العسكرية الموقّع من رئيس الحكومة ووزراء المال والدفاع والداخلية بالصيغة الأصلية التي اعتمدها ميقاتي ورفَضها الوزير موريس سليم انسجاماً مع موقف «التيار الحر» الذي اعتبر جلسة حكومة تصريف الأعمال التي قاطعها وزراؤه غير دستورية وغير ميثاقية داعياً لتسيير شؤون الناس بصيغة المراسيم الجوالة وجعل الوزرء الـ 24 ينوبون عن توقيع رئيس الجمهورية وليس رئيس الحكومة منفرداً.

وطلب ميقاتي من الأمانة العامة لمجلس الوزراء «إجراء ما يلزم من تعديلات على مشروع مرسوم الموقع من وزير الدفاع لاصداره بحسب الأصول الدستورية، اي بالصيغة المرسلة الى وزير الدفاع بعد استكمال تواقعيه اصولاً، وذلك تفادياً لتأخير إصدار المرسوم الموافق عليه من مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة تاريخ 5 ديسمبر».

وذكر أن «وزير الدفاع وبعد انتظار أكثر من أسبوعين، أعاد بتاريخ 21 الجاري مشروع المرسوم موقّعاً من قبله ولكنه أدخل عليه بعض التعديلات كما شطب الحيثية المتعلقة بقرار مجلس الوزراء وموافقته، هذا فضلاً عن تعديل في خانة التواقيع بحيث أدرج أسماء جميع أعضاء الحكومة خلافاً للأصول الدستورية التي توجب توقيع الوزراء المعنيين فقط أي توقيع وزير الداخلية والبلديات ووزير الدفاع الوطني ووزير المالية وعلى أن يصار بعدها إلى إصداره اصولاً أي بعد توقيعه من رئيس مجلس الوزراء مرتين».

وأضاف: «تبيّن أنه بتاريخ 21/ 12/ 2022 وبناءً لتوجيهاتنا، أعدتم الطلب من وزير الدفاع توقيع مشروع المرسوم المُرسل إليه سابقاً كما هو دون أي تعديل والتوقيع عليه والإعادة بالسرعة القصوى، وتبيّن أنه لغاية تاريخه لم يرسل المشروع المعدّ بحسب الأصول موقّعاً من قبله، وانطلاقاً من واجباتنا الدستورية وأهمية إصدار هذا المرسوم لكونه يؤمن للأسلاك العسكرية على اختلافها وتنوعها الحدّ الأدنى المُتاح من حقوقها، وما دام معالي وزير الدفاع وقّع مشروع المرسوم المتخّذ من مجلس الوزراء في جلسته وإن كان بصيغة معدَّلة، ما يفيد موافقته على مضمونه، وتفادياً لتأخير إصدار المرسوم الموافق عليه من مجلس الوزراء، يُطلب اليكم إجراء ما يلزم من تعديلات على مشروع المرسوم لإصداره بحسب الأصول الدستورية».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي