عانت دول الخليج العربية في حقبة الستينات، من بعض الثوريين وتيار اليسار والتقدميين العرب الذين اعتبروا نظام الحكم في الخليج نظاماً رجعياً، هؤلاء المجاميع نجحوا جميعاً بما يملكون من أدوات إعلامية، نجحوا في تثبيت تلك الصورة السلبية حول الخليج وشعبه في أذهان بقية الشعوب العربية، ولم يخفف من تلك النظرة في بداية السبعينات إلّا فشل التجارب الثورية في بلاد الشمال العربي؛ وزيادة الحاجة إلى الدعومات الاقتصادية التي كان أغلبها يأتي من الخليج، انتهت تلك الفترة وهدأ الصراع ونجح الخليجيون في تطوير بلادهم اقتصادياً وعلمياً مع استمرارهم بنهج الحكم التقليدي نفسه، وتطويره ببطء لمزيد من المشاركة الشعبية، هذا النجاح ساعد في ردم الهُوّة، ونجح في تخفيف التوتر بين شعب الوطن العربي، ولم يبقَ إلّا بعض الأصوات الخاسرة التي تقودها المشاعر الإنسانية السلبية من حقد وحسد، ومثل هؤلاء ليس لهم تأثير يُذكر على مجمل المشهد.
المفاجأة التي لم نحسب حسابها في حقبة الألفين أن تلك المشاعر السلبية القديمة تم تبنّيها من الغرب الأوروبي لا سيما بريطانيا وألمانيا، بدأت الدول الغربية في المسار العربي القديم ذاته، تُعادي الثقافة العربية الخليجية وتتهمها بالرجعية، وتُصدر بيانات تُغلفّها بحقوق الإنسان لتوجّه التهم لنا وفق حقوق ثقافتهم الجديدة، وليس وفق حقوق الإنسان، حقوق الإنسان الذي هو بريء من سلوكياتهم المشينة.
حين أخذَت دولة قطر حق تنظيم المونديال راهن القلّة من العرب وكثير من الأوروبيين على فشل المونديال تقودهم أمنياتهم، لكن نجاح قطر الكبير في تنظيم المونديال أشعل في قلوب القِلّة تلك من إخواننا العرب تلك المشاعر السلبية القديمة، وربما كان ذلك بمساعدة بعض الشَعوبِيين الذين يعيشون بيننا، ويهدفون دائماً إلى تفريق كلمة أُمّة العرب، تلك الأمة التي هي قلب الإسلام النابض، تلك الأصوات قابَلتها ولله الحمد تيارات إيجابية عارمة من أمتنا، لاسيما مع وحدة محبّي الرياضة من العرب، وسعادتهم لتقدم المنتخب المغربي، هذا كله جعل أثر تلك الأصوات السلبية لا تكاد تُسمع.
الأثر الذي أصبح يُسمع اليوم قادماً من أوروبا، فالإنكليز، الذين يدّعون أنهم أول من عرفوا كرة القدم، قاطعوا المونديال إعلامياً في بلدهم، والذين زاروا لندن أو يعيشون هناك ذكروا في تقاريرهم أن الاهتمام الإعلاني والإعلامي ضعيف جداً مقارنة بكل المونديالات السابقة، وحاولت ألمانيا عبر بعض مؤثريها أن تُفسد صفوَ المونديال بقضية المنحرفين التي أصبحت عندهم أهم من ملايين الجوعى، وملايين المحرومين من التعليم، وملايين المُشرّدين من بلدانهم.
وتم تفاقُم تلك الموجة في محاربة المونديال تحت حجج كثيرة عنوانها سؤال استنكاري واحد: كيف نجح المونديال في بلد عربي خليجي نجاحاً باهراً!
وأخيرا جاء البشت الذي ارتداه قائد الفريق الأرجنتيني (ميسي)، ارتداه من يد سمو الشيخ تميم، أمير قطر، ليكون هذا البشت عنواناً جديداً لحملة الكراهية في إعلام ألمانيا وبريطانيا.
نجاح المونديال، وتطوّر بلاد الخليج، وغيرة قلّة من إخواننا، وحسد البلاد الأوروبية، كُلها علامات جيدة في طريقٍ ما زلنا في بداياته، طريق إعادة التمكين الثقافي والعلمي والفكري لجزء من أمة العرب ليكون نبراساً جديداً في مسيرة تبادل الثقافة بين الأمّة الواحدة.
أتمنّى أن تعي أُمة العرب هذا الدرس، ويكون هذا النجاح رمزاً لعودة الثقة، وتبني الاعتماد على بعضنا، ومعرفة حقيقة من حولنا وأهدافهم، أتمنّى أن يكون هذا أجمل درس من هذا المونديال المُبْهِر.