No Script

اتجاهات

قمة إدارة المخاوف بين بايدن وشي

تصغير
تكبير

أصاب مشهد المصافحة الحماسية الحميمية بين الرئيسين، الأميركي جو بايدن، والصيني شي جينبينج، قبل انعقاد قمة العشرين في بالي، العالم بدهشة كبيرة جداً. إذ لم يكن أحد يتوقع هذا المناخ الإيجابي التفاؤلي بين الرجلين بعد فترة طويلة من التوتر الشديد بين بكين وواشنطن منذ تولى بايدن قيادة البيت الأبيض، انتهى بقطع خطوط الاتصال العسكري بعد تأجج الأزمة التايوانية في أغسطس الماضي.

وبالتالي إذاً، لا بد وأن هذه القمة الاستثنائية الإيجابية بين الزعيمين، مدفوعة بتغيرات وسياقات وهواجس كثيرة ومختلفة، تتطلب التعاون والتنسيق القوي بين واشنطن وبكين للتصدي لها ومواكبتها.

حضر الزعيمان القمة، وفي جعبتهما هواجس ومخاوف مشتركة في شأن استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، واحتمالية تطورها إلى حرب نووية، وهو الأمر الذي رفضه الزعيمان بشكل قاطع خلال قمتهما.

إلى جانب ذلك، زادت مخاوف كل من واشنطن وبكين، خاصة الأخيرة من استمرار تداعيات هذه الحرب على الاقتصاد العالمي، وأسعار الطاقة، وحركة النقل وسلاسل الإمداد والتوريد.

فأثناء انعقاد قمة شنغهاي الشهر الماضي، عبّرت الصين ضمنياً عن استيائها من استمرار الحرب التي يقودها حليفها الرئيسي بوتين، فاستمرار تداعيات هذه الحرب ستكون شديدة السلبية على الاقتصاد الصيني الذي يُعانى بالأساس من ركود نسبي، وهذا بالتبعية سيضر الرئيس الصيني الذي يريد كسب المزيد من الشرعية والقوة الداخلية، بعد فوزه بفترة رئاسية ثالثة في سابقة غير معتادة خلال المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني الشهر الماضي.

وعلى إثر ذلك، يُمكن الجزم بحدوث توافق أميركي- صيني على ضرورة إنهاء هذه الحرب، أو على الأقل عدم تطورها نووياً. وذلك على اعتبار أن إنهاء هذه الحرب مسألة شائكة ومعقدة جداً، وتتطلب جهوداً كبيرة خاصة من جانب الصين لإقناع بوتين بعبثية الحرب، والبحث عن صفقة لحفظ ماء الوجه.

وحضر الرئيس الصيني القمة بعد نجاح الحزب الديموقراطي بالاحتفاظ بالأغلبية في مجلس الشيوخ، وهو ما يُعد دعماً كبيراً لبايدن ونهجه الناجح ضد الصين.

اتبع بايدن نهجاً مغايراً نسبياً بغرض إضعاف الصين وتقليص مساحات نفوذها، يرتكن على حشد التحالفات الدولية خاصة في آسيا من الدول المعادية للصين، حيث نجح، على سبيل المثال، في تجديد تحالف «كواد» الأمني الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة، والهند، وأستراليا، واليابان. كما تمكّن من حشد الأوروبيين عبر مبادرة عالمية للبنية التحتية لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وساهمت هذه التحالفات في تفاقم مخاوف الصين الأمنية والاقتصادية، إذ أصبحت تواجه تكتلات عسكرية ونووية في الباسيفك قادرة على ردع الصين والحد من طموحاتها التوسعية، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التي تُقدّر بالمليارات جراء توتر العلاقات مع دول هذه التحالفات التي ترتبط بشراكات اقتصادية ضخمة مع الصين خاصة الأوروبيين.

وعلى هذا الأساس، جاء الرئيس الصيني القمة بنوايا تهدئة التوتر مع الولايات المتحدة، للحد من وطأة التداعيات السلبية لهذه التكتلات على الأمن والاقتصاد الصيني، لاسيما وأن الاقتصاد الصيني في أسوأ حالته بعد أزمة كوفيد 19، فضلاً على أن طموحات الصين في الزعامة تعتمد بشكل أساسي على قوة الاقتصاد الصيني.

وكذلك، للحد من وطأة الإجراءات المشددة التي اتخذتها إدارة بايدن تجاه شركات التكنولوجيا الصينية كاستمرار لسياسة ترامب، والتي تُعد من أكثر السياسات الناجحة لبايدن تجاه الصين. حيث ستحرم الصين من الحصول على التكنولوجيا المتطورة، وتعرقل استثمارات هذه الشركات في الأسواق العالمية.

فضلاً عما سبق، هناك قضايا ملحة عدة، تتوجب التعاون والتنسيق بين القوتين، وعلى رأسها قضية المناخ، ومحاربة الإرهاب والتطرف، وملف أزمة البرنامج النووي لكوريا الشمالية وإيران، وتنشيط التجارة العالمية.

تدور العلاقات بين الدول، حتى المتنافسة بشدة في مساحة رمادية تحكمها أولاً وأخيراً المصالح وليس العواطف والأهواء الشخصية للقادة، فأعداء الأمس أصدقاء غداً عندما تستدعي المصلحة ذلك، والعلاقات الأميركية-الصينية لها طابع خاص جداً في الفترة الحالية، حيث هناك تنافس صريح أو حرب باردة على قيادة العالم.

ومع ذلك، فعلى الأرجح أن يسود مناخ من التنسيق والتعاون «التكتيكي» خلال الفترة المتبقة من ولاية بايدن، لإدارة الكم الهائل من المخاوف التي تضر بمصالح البلدين الاستراتيجية، وعلى رأسها الحرب الأوكرانية.

وعلى إثر ذلك أيضاً، فمن المتوقع أن تقبع ملفات شائكة عدة بين البلدين في مرحلة سكون نسبي خلال الفترة المقبلة، وعلى رأسها الأزمة التايوانية، وقضية بحر الصين الجنوبي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي