الرأي اليوم

... بل نقدر ونقدر ونقدر

تصغير
تكبير

استقبلت السعودية قمة العشرين الصناعية وهو أكبر تجمّع «قوة» عالمي جمع أصحاب القرار المُتحكّمين بالحاضر والمستقبل تحت مظلة المملكة التي رتّبت ونظّمت ومهّدت لنتائج غير مسبوقة وتابعت ما تم الاتفاق عليه عبر سياسات تنفيذية داخلية من جهة وتعاونية مع الخارج من جهة أخرى... ناهيك عن إطلاق مشاريع ضخمة مثل «ذا لاين» والشرق الأوسط الأخضر، وأيضاً استضافة قمم جمعت الغرب والشرق مع الرئيسين الأميركي والصيني.

واحتضنت الإمارات العربية المتحدة أكبر معرض عالمي، وكان «إكسبو دبي» بشهادة مسؤولي الدول التي استضافت المعرض سابقاً الأفضل والأرقى والأكثر تنظيماً وفاعلية. ونظرة سريعة إلى حجم الاستثمارات المشتركة التي انبثقت عنه تدل على أن المحرك الخليجي صار الرافعة الأصلب لعالم لا يتقن سوى لغة المصالح... وبين الاقتصاد والتجارة، بزغ نجم الإمارات إنسانياً في كونها الدولة الأولى التي تم فيها التوقيع على «وثيقة الأخوة الإنسانية» من قبل بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر.

من جمع المملكة قمة العالم واستضافة الإمارات معرض العالم، نصل إلى بيت القصيد. مونديال قطر، أو الإبهار الدولي بكل مكوناته، وهذا ليس رأينا كخليجيين وعرب بل رأي رئيس الفيفا جياني إنفانتينو الذي اعتبره «النسخة الأفضل والأجمل في تاريخ كأس العالم».

كان مونديال قطر الأفخم تنظيماً وجاذبية، حيث طوّع المسؤولون القطريون ما عجزت دول العالم عن تطويعه لجهة جمع الكوكب كله تحت سقف «البيت»، واستيعاب الملايين بانسيابية مُتفرّدة وتحقيق إمكانية حضور المشاركين مباراتين أو حتى ثلاثة في اليوم الواحد في البدايات (المونديال المقبل سيكون في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) مع تسهيلات لوجستية كاملة من خدمات وبنى تحتية، ناهيك عن روعة الملاعب وسلاسة دروبها بحيث يخرج 80 ألف شخص من المدرجات خلال دقائق من دون حادثة تدافع واحدة.

تحوّل ما فعلته قطر إلى ما يشبه الإعجاز وسط حملات لم تتوقف، بدأت بالتشكيك في القدرات، واتهامات بالتلاعب مع الفيفا للاستضافة، واستمرّت مع نبش حوادث مُؤسفة لخمس أو ست عمال قضوا خلال بناء المنشآت، وتتابعت مع اختلاق مواضيع تتعلق بالحريات وحقوق الإنسان ومنها قصة الشارات المثلية وإدخال الكحول إلى الملاعب... ثم انتهى كل شيء برفع القبعة احتراماً وإعجاباً حتى من قبل مثيري الحملات.

لسنا في معرض الدفاع ضد هذه الحملات التي خلطت المواقف السياسية الدولية بالحدث الرياضي، ولا نريد أن نقارن بين صمت العالم عن عقد المونديال سواء في الأرجنتين 1978 حيث كانت الملاعب قرب السجون وعمليات قمع المعارضين وصلت حدّ رميهم من الطائرات، أو في روسيا 2018 حيث امتلكت الدول الأوروبية وخصوصاً بريطانيا أدلة دامغة على اغتيال معارضين روس فيها وتسميمهم. ولا نريد أن نذكر بأن أعلى هيئة رياضية في العالم، الفيفا، هي من منع شارات المثليين وتمنت على قطر إبعاد الكحول عن الملاعب وهو الأمر المطبق في أكثر من دوري أوروبي... لكننا نريد أن نشيد بتعامل قطر مع كل الهجمات التي طالتها بأسلوب راقٍ رفض الانجرار إلى مهاترات لغوية، وكان الرد القطري الحقيقي والفعلي التركيز على إكمال مسيرة النجاح الكروي والرياضي في موازاة زرع بذور التقارب الثقافي والإنساني والتلاقي الحضاري بين شعوب العالم. أعطت قطر دروساً وليس درساً في كيفية «إنجاز المهمة» بقدرة مبهرة، وأثبتت أن الالتزام بالعادات والتقاليد لا يحول دون النجاح في تنظيم حدث عالمي ضخم بل كان ذلك الالتزام مصدر غنى وتكامل وتفاعل.

كان غيرنا يستعرض بشعار «نعم نقدر» لكنه دخل مئة حقل ألغام في الداخل والخارج، وأثبت مونديال قطر، والانفتاح الخليجي الإنساني عموماً، والسياسات التي ترسيها دول الخليج لإعادة التوازن الدولي، وتصفير المشاكل، والتركيز على التنمية بكل صورها، وإبعاد النهضة الداخلية عن «التوريطات» السياسية... إننا نقدر ونقدر ونقدر، بل ونتباهى بهذه القدرة ونرفع رأسنا بها ونتمنى تعميم تجربتنا للآخرين بدل أن تصبح المنطقة حقل تجارب للآخرين.

انتهى مونديال قطر... عُرف من فاز وعُرف من خسر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي