مشاهدات
لمسة وفاء جميلة...
لا يخفى أن التاريخ يحمل بين دفّتيه درراً مضيئة ومواقف سطّرت وجواهر من العظماء، والأيام تشهد على عطاءات هؤلاء وإنجازاتهم، ومن هنا فإنه يجب علينا أن نبحث عن الدرر لنكتشفها، وننظر إلى بريقها اللامع، الذي يبعث نوراً في الأرجاء، إنهم يحلّقون في أجواء البذل والتضحية، ليحفروا أسماءهم في ذاكرة شعوبهم، بما قدموه من تضحيات وشجاعة تركت بصمات واضحة في كل مكان، أسلافنا لايزالون أحياء ويستحقون أن تبقى ذكراهم حية أيضاً.
وما أروع التقدير ورد الجميل إلى مواطنين كرام عرفوا كيف تكون لهم وقفات نادرة في خدمة وطنهم وتقديم أفضل الخدمات له، يقول خاتم الأنبياء الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم «لا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرُ الناسَ».
فالتكريم يسري في المجتمع كسريان الدم في العروق. ومن الأمثال الكويتية القديمة (انا غنية وأحب الهدية)، بمعنى ان التكريم والتقدير عمل مستحق.
وقال تبارك وتعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
الوطن يفتخر ويزدهر بأبنائه وما يقدمونه من إبداعات وإنجازات وخدمات تُسهم في ازدهاره، وهذا العمل التطوعي لا ينجزه إلا المحبون لأوطانهم، ولذلك يظلون رموزاً حية في مسيرة الأمة، من هؤلاء مَنْ غيّبه الموت ولكن تظل مواقفهم حية في القلوب، ويبقى إرثها شموعاً تُضيء مسيرة شعوبهم، وتكمن أهمية تكريم الشخصيات الوطنية، فيما تركه هؤلاء من إرث إنساني وثقافي ونضالي أو علمي أو سياسي أو فني، وفي العمل الاجتماعي أيضاً، بحيث يقدم هذا الإرث كقيمة عليا للأجيال المقبلة ونموذجاً يُحتذى به على مر السنين والأيام.
ومن هنا، فالتكريم يُمثل توجهاً صريحاً وتشجيعاً على التمّيز والتفوق، وتحفيزاً ايجابياً على البذل والعطاء والإصرار على مواصلة الدرب والإخلاص فيه، وتتصدر قوائم الانجاز والإبداع كل المجالات والقطاعات والأصداء، والانعكاسات التي تحصل عليها المجتمعات التي تتبنى التكريم كقيمة وسلوك كثيرة جداً، فهو بمثابة لمسة وفاء من الدولة ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات المهنية والثقافية والفنية نحو هؤلاء المبدعين والمنجزين، وهي رسالة مباشرة من قبلهم لأولئك المكرمين عنوانها: (هذا الاحترام والفخر هو رسالة حب وتقدير مقابل إبداعاتكم وإنجازاتكم الرائعة).
احتضنت مكتبة البابطين، المؤتمر الوطني العشرين، وقد اسعدتني دعوة كريمة من عائلة أحد المكرّمين للمشاركة بالحفل المقام على شرف ثلة من المواطنين الوطنيين المكرّمين، وتلمست بأن التكريم قد شمل شخصيات من المجتمع الكويتي بجميع أطيافه.
بدأت الفعاليات بتلك الكلمات الخالدة لسمو أمير البلاد الشيخ / نواف الأحمد الصباح، حفظه الله، فقد حث على ضرورة تجاوز الخلافات والتسامي على الجراح والحفاظ على الهوية الكويتية، كما أنه أكد ان «وحدتنا الوطنية» صمام الأمان أمام أيّ متربص بوطننا الغالي، فالوحدة الوطنية هي وحدة القلوب لا وحدة الأفكار، وهي ليست بحاجة لطبول تقرع بل إلى عقول تبدع.
«من الكويت نبدأ... وإلى الكويت ننتهي».
بهذه الكلمات، أعلن رئيس لجنة الإشراف العليا للمؤتمر عضو فريق تعزيز الوحدة الوطنية باللجنة العليا لتعزيز الوسطية المحامي يوسف الياسين انطلاق أعمال المؤتمر.
وكان الحفل مميزاً بدءاً من حفاوة الاستقبال، وإهداء علم الدولة لكل المشاركين وعزف السلام الوطني، فالهوية الوطنية الكويتية التي حافظ عليها الآباء والأجداد بأرواحهم وبكل ما يملكونه واجب علينا أن نحافظ عليها وأن نوصلها إلى بر الأمان لجيل أبنائنا وأحفادنا، بالإضافة إلى التسجيل الوثائقي عن سِيَرْ المكرمين بالمؤتمر العشرين، وما قام به كل منهم من أعمال مشرّفة للوطن، رحمهم الله جميعاً، كل شخصية مكرمة تسلط الضوء على ما قام به من دور مشرّف للوطن، وتبعه أوبريت وطني عن دولتنا الحبيبة الكويت، وتخلل المؤتمر كليبات مصورة ومحفزة تدعونا إلى الوحدة الوطنية والتلاحم والتعاضد معاً ضد كل من يحاول أن يبث الفتنة في ما بيننا، والتأكيد على المحافظة على الهوية الوطنية والوحدة الوطنية.
وتلك لفتة مستحقة للقائمين على تلك المبادرة الحسنة للقيام بدور الوفاء ورد الجميل لمَنْ أعطى للوطن الكثير.
وشمل التكريم منذ المؤتمر الأول وحتى الآن 224 من الشخصيات الكويتية الفاعلة، الذين لهم العديد من الإسهامات والانجازات الوطنية في مختلف التخصصات، مما كان له الأثر الطيب الكبير وبعث السرور والسعادة في قلوب عائلاتهم الكريمة وأصدقائهم الأوفياء.
وعَلمتُ بأن من شروط التكريم ان يكون المكرم كويتياً ومتوفى.
فالشخصيات المكرمة ملتصقة بأسمائهم كلمة (رحمه الله)؟ وكأنَّ من شروط التكريم -غير المعلنة- غياب المُكرَّم، وهكذا فلن يصل الدور (للمُبدع الحي) إلا وقد ودّع الدنيا، وأتذكر تلك الكلمات التي قالها أحد المكرمين قبل وفاته (الحمد لله اتكرمت وأنا عايش... عشان أفرح بالتكريم وأنا في وسط الناس)، وتلك الكلمات تعكس حالة مجتمعية يشعر بها كل المبدعين الأحياء ممَّن يستحقون التكريم في مجتمعاتهم أنهم يجب أن يكرّموا وهم أحياء، وهم بين ظهراني أبنائهم وأحفادهم بدلاً من تكريمهم وهم قد فارقوا الحياة.
هناك (المئات) ممَّن يستحقون التكريم الآن في مكاتبهم وبيوتهم وهم على رأس العمل قبل اعتزالهم أو رحيلهم، هل علينا انتظار أن يُغادرونا -بعد عمر طويل- حتى نتذكر أنَّهم يستحقون التكريم؟
فمن واجبنا نحن الآن إحياء ذكرى هذه الشخصيات بهدف أن نربط جيل الأبناء بجيل الأجداد مع المحافظة على الهوية الوطنية والحرص على الوحدة الوطنية ولنكون همزة الوصل بينهم.
ورسالة المؤتمر كانت (الوطنية: هي أصالة الآباء امتداد للأبناء).
وأهداف المؤتمر هي (تعزيز قيم الولاء والوفاء والانتماء للوطن وغرس قيم التعايش بين أطياف المجتمع الواحد وإحياء سير الشخصيات الوطنية الذين أعطوا الكويت دون مقابل).
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نشكر القائمين على هذا المؤتمر على كل المستويات على الجهد المبذول والتفاني والإخلاص الصادق والعمل الدؤوب.
فمن الضروري تبيان تلك الأعمال الوطنية للطلبة في المدارس الحكومية والأهلية، لتكون حافزاً لأبناء المستقبل وتخصيص يوم وطني لتكريم رجال الكويت المتميزين بأعمالهم الوطنية الجليلة.
ونتمنى ايضاً المزيد من الاهتمام من مؤسسات الدولة لتشارك في فاعليات أكبر تحت رعاية رئيس الوزراء وبحضور أهم الشخصيات المرموقة في المؤسسات الحكومية، كي تتواءم مع أهمية هذا الحدث العظيم، على ان تقوم المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة أيضاً بتوثيق هذا الحدث الوطني المهم لانه جزء لايتجزأ من الروح الوطنية، فمن واجبنا نحن الآن أن نحيي ذكرى هذه الشخصيات...
وأخيراً، يجب أن يكون التكريم خاضعاً لمعيار وطني، فهناك مدارس وشوارع سميت باسماء اشخاص بسبب المحاباة والواسطة، والواجب إطلاق أسماء المكرمين الوطنيين الذين لهم دور إيجابي في رقي الوطن على المدارس والشوارع تقديراً ووفاءً لهم.
ولقد رأيت المجد سدة كوكب
حـيـزت لـنا بالـعـزم والإيمـان
أيـديكم بـنـت الحـياة كـريمـة
وسمت بحرصكم على الأوطان
اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.